العدد 1584 /18-10-2023
عصام تليمة
تبحث الأمة كلما
حلت بها نازلة، أو محنة من المحن، عن علماء يمثلونها، يعبرون عن ضميرها، وعن
آلامها وآمالها، وعندما جاء يوم السابع من أكتوبر، كانت الأمة من مشرقها لمغربها،
تتابع ما يجري على أرض فلسطين المحتلة، وما سطرته رجالاتها من بطولات، ومع متابعة
الأخبار السياسية، كانت القلوب والأبصار تنتظر كلمة العلماء، أين هي؟ وماذا ستقول
في هذا الموقف الجلل؟ وبخاصة في ظل هذا التضييق الخانق على الجميع، شعوبا ومؤسسات
علمائية.
وقبل بروز الخطاب
العلمائي الجاد والمعبر عن الأمة، كانت الخطابات المخذلة تنطلق من أبواق تتبع
التطبيع، وتجعله بوصلة ثابتة لها، وإن خرج من بعضهم في ثوب الشفقة على ما سيحدث
لأهل غزة، وما سيجره ذلك من ويلات، وكأن الويلات والتعدي على البشر والحجر لا يتم
ليل نهار، قبل وأثناء وبعد الحدث الجاري!
خرجت على الناس
خطابات مضادة لخطاب التخذيل والتيئيس، من جهات أقوى حجة، وأعلى صوتا، وأشجع قولا
ورأيا، من ثلاثة رموز كبرى، وهم: الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، والعلامة
الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان، والعلامة الشيخ الصادق الغرياني مفتي ليبيا،
كانت كلمة الغرياني متجهة إلى فئتين، فئة: المناضلين من أهل فلسطين، يشد من أزرهم،
ويثبتهم بالقول الحسن، وكلمة إلى الشباب، سواء في فلسطين أو من الأمة، أن يكونوا
خير عون لهذه الهبة النضالية.
خرجت على الناس
خطابات مضادة لخطاب التخذيل والتيئيس، من جهات أقوى حجة، وأعلى صوتا، وأشجع قولا
ورأيا، من ثلاثة رموز كبرى، وهم: الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، والعلامة
الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان، والعلامة الشيخ الصادق الغرياني مفتي
ليبياأما تصريحات وكلمات الخليلي، فكانت كما اعتاده الناس في هذه المواقف، سباقا
بالقول، وصريحا في العبارة، وجريئا في المساندة، حتى أطلق عليه صديقنا الدكتور
سليم عزوز الكاتب الصحفي: ليس مفتيا لعمان فقط، بل مفتي الأمة. والمتتبع لتصريحات
الخليلي دوما في قضايا الأمة المهمة والكبرى، سيجدها خطا واحدا، لا تخشى في الله لومة
لائم.
أما بيانات
الطيب، فقد كانت الأقوى والأعلى بحكم منصبه وموقعه، وبصياغتها القوية، والتي عبرت
عن القضية الفلسطينية خير تعبير، بل جعلتها معلمة للأمة، ومضرب المثل والنبراس
لها، ثم بيانه الذي صدر الأربعاء الحادي عشر من أكتوبر، والذي ندد بازدواجية
معايير الإعلام الغربي وتدليسه على المقاومة، وتلبيسه على الناس بغير الحق، فقد
كان بيانا من أقوى ما صدر عن المؤسسات والأفراد فيما يتعلق بعملية طوفان الأقصى.
إذ احتوى البيان
على عبارات تصلح شعارات تردد، ومضامين إعلامية تكرر، وتعلن بين الحين والآخر في
المنصات الإعلامية، لتثبيت أهل الحق، ومن الجمل المهمة التي وردت قوله: لن يرحم
التاريخ المتقاعسين والمتخاذلين عن نصرة فلسطين، كل احتلال إلى زوال آجلا أم
عاجلا، طال الأمد أم قصر، الأزهر يطالب الحكومات العربية بموقف موحد في وجه
الالتفاف الغربي اللاإنساني الداعم لإسرائيل.
بيانات واضحة،
مثلت الحق الأبلج في مواجهة الباطل اللجلج، من جهات عدة مثلت التنوع الجغرافي
والمذهبي والفكري، ومن أهم الملاحظ على هذه البيانات ومصادرها ومؤسساتها وأشخاصها
ما يلي:
أولا ـ أنها صدرت
من شخصيات بارزة في مناصب رسمية، في ظل صمت رسمي للأنظمة التي تتبعها المؤسسات
التي يمثلونها، لكنها دلت على استقلالية القائمين عليها، وتمثيلهم لأمتهم، لا
السلطة التي وضعتهم في هذا المنصب.
ثانيا ـ المواقف
التي عبروا عنها بكل قوة، دل على مدى أمل الأمة في مثل هذه المؤسسات والشخصيات،
ومدى التقدير الكبير الذي نالوه من مواقفهم الشامخة، وأن هذه المؤسسات هي مؤسسات
للأمة لا السلطة، وهو الأصل في المؤسسات العامة، بل السلطة نفسها ملك للأمة، تأتمر
بأمرها، وتنتهي بنهيها، وترعى مصالحها، وتدرء عنها المفاسد.
ثالثا ـ عبرت
البيانات تعبيرا صادقا وحقيقيا، عن الموقف الصحيح للعالم الذي يعمل بما يعلم، ولا
يبيع آخرته بدنياه، فضلا عن دنيا غيره، وأن الوقوف إلى جانب الحق هو الضمانة
الوحيدة للعالم أن يكون صحيح التوجه، ولن يغني عنه سلطة مهما كانت عن حاجته للأمة،
وحاجة الأمة إليه.
رابعا ـ مثلت هذه
البيانات والمواقف وبخاصة شيخ الأزهر، بديلا عن مواقف الأنظمة الباهتة، بل
والعملية في حالات، وجعلت ما يخرج منهم موضع النظر والانتظار من الأمة، وردت كثيرا
من التجاوز الذي كان يطالها من السلطة.
خامسا ـ هذه
البيانات أظهرت الفرق الواضح والبين بين شيوخ السلطة، وشيوخ الأمة، ولا يشترط في
انتماء العالم لمنصب أن يكون تابعا للسلطة، فقد يكون في منصب رسمي، ولكنه لا يتجه
إلا نحو قضايا أمته، وقد يكون بعيدا عن المنصب، لكنه يلهث وراء السلطة، يبتغي
رضاها، ويقدم أوراق اعتماده لديها بشتى الطرق والوسائل، وشتان بين السبيلين، وبين
الشخصين، بين عالم الأمة، وشيخ السلطة.