العدد 1657 /26-3-2025

بعد أيام قليلة يُطلُّ عليها عيد الفطر الذي يُشرَع فيه للمسلم أن يختتم عبادة الصيام والقيام في شهر رمضان المبارك بأداء زكاة الفطر التي فرضها رسول الله ﷺ طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمسكين كما جاء في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما الذي أوضح أحكام هذه الزكاة ووقت إخراجها ومصارفها: "فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ، فمَنْ أَدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أَدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدقةٌ مِنَ الصَّدَقَات. ونظراً لأن زكاة الفطر من المسائل الفقهية المتجددة بسبب تشعُّب أحكامها كما سنرى، سنقدم في هذه السطور أفكاراً حول زكاة الفطر تتعلق بأحكامها الشرعية المختلفة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية.

مفهوم زكاة الفطر

للحديث عن زكاة الفطر أحكامها وآثارها، نبدأ بما جاء في الحديث الذي رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: "فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ، فمَنْ أَدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أَدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدقةٌ مِنَ الصَّدَقَات”.

حكم زكاة الفطر

ذهب علماء الإسلام إلى أن زكاة الفطر فرض على كل مسلم واعتمدوا في ذلك على عموم القرآن الكريم وصريح السنة والإجماع، فمن الأدلة القرآنية على أن الأصل في زكاة الفطر الوجوب قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}، وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

أما أدلة العلماء من السنة على وجوب زكاة الفطر فمنها حديث ابن عباس السابق: "فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ.. إلخ”، وقد أكد ابن المنذر في "الإجماع” على إجماع أهل العلم على وجوب زكاة الفطر فقال: "وأجمعوا على أن زكاة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر”.

شروط زكاة الفطر

ولزكاة الفطر شروط: أولها الإسلام لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين: حر أو عبد، أو رجل أو امرأة، صغير أو كبير”، قال ابن قدامة في "المغني": "وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم مع الصغر والكبر والذكورية والأنوثية في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق”.

ويتمثل الشرط الثاني في الغنى، ولا يقصد الفقهاء بالغنى هنا أن يكون الإنسان صاحب مال وفير، وإنما المقصود به أن يكون عنده "يوم العيد وليلته صاع زائد عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية”، في حين يتمثل الشرط الثالث في دخول وقت وجوب إخراج زكاة الفطر وهو غروب الشمس من ليلة الفطر، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق الذكر: "فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ.. إلخ”.

وقت إخراج زكاة الفطر

جاءت في الحديث النبوي إشارات إلى أن إخراج زكاة الفطر ينبغي أن يكون قبل صلاة العيد، ومن تلك الإشارات الحديثية: "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”، "وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين”، ولكن الواضح أنه لا يجوز تأخير إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد.

و في إطار الحديث عن زكاة الفطر أحكامها وآثارها، قد يتساءل البعض عن أول وقت يصبح فيه من الجائز إخراج زكاة الفطر: هل هو قبل العيد بيوم أم يومين أم ثلاثة أم أكثر؟ والظاهر أن هذا الموضوع محل لخلاف بين الفقهاء، ولعل سبب هذا الخلاف يعود إلى أن الأحاديث لم تحدد وقتاً معيناً بالنسبة لأول وقت، وإنما جاء في بعضها التصريح بوجوب إخراجها قبل الصلاة دون تحديد، مثل حديث ابن عباس السابق، وحديث ابن عمر: "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”، وجاء في رواية أخرى من حديث ابن عمر: "وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين”.

مقدار زكاة الفطر

إذا نظرنا إلى المقدار الذي كان يخرجه النبي ﷺ وصحابته، فإننا سنجد أن مقدار زكاة الفطر لا يعتبر من المسائل التي تطرح إشكالاً ملحاً، فهناك عدة أحاديث توضح لنا مقدار زكاة الفطر في ذلك الزمن، منها حديث ابْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ”، وحديث أبي سعيد الخدري: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ.

ومن دون الدخول في التفاصيل، وفي خضم التطرق لزكاة الفطر أحكامها وآثارها، نود أن نذكر بأن الخلاف حول إخراج زكاة الفطر من النقود ليس خلافاً معاصراً وإنما خلاف قديم حديث، فقد حصل خلاف بين الفقهاء حول هذه المسألة قديماً وحديثاً، فذهب فريق إلى وجوب إخراج زكاة الفطر من قوت البلد تمسكاً بالنصوص الشرعية الصريحة.

أما الفريق الثاني، فذهب إلى جواز إخراج زكاة الفطر من القيمة واستدل على هذا الرأي بجملة من الأدلة، منها "أنه لم يثبت عن النبي ﷺ ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة”.

مصارف زكاة الفطر

كانت الأحاديث النبوية صريحة في تحديد مصارف زكاة الفطر، فقد رأينا في حديث ابن عباس: "فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ.. إلخ”، ورغم أن الفقهاء أجمعوا على أن زكاة الفطر تصرف لفقراء المسلمين لقوله ﷺ: "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم”، إلا أنه وقع خلاف بين العلماء هل تصرف على الأصناف الثمانية المنصوص عليها في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أم لا؟

اختلفت آراء الفقهاء حول هذه المسألة، على ثلاثة أقوال: ذهب الفريق الأول (جمهور الفقهاء) إلى أنه يجوز صرف زكاة الفطر على الأصناف الثمانية كما يجوز تخصيصها للفقراء، وذهب الفريق الثاني (الشافعية وابن حزم وأحمد في رواية) إلى أنه يجب صرف زكاة الفطر على الأصناف الثمانية المنصوص عليها، أما الفريق الثالث (مالك وأحمد في رواية) فيرى أنه يجب تخصيص زكاة الفطر للفقراء والمساكين ولا تصرف لغيرهم واستدلوا بحديث ابن عباس السابق الذكر.

آثار زكاة الفطر

للزكاة بشكل عام أهداف وآثار اجتماعية واقتصادية عديدة بعضها يعود على المزكي وبعضها يعود على الفرد الواحد المستفيد منها وبعضها يعود على المجتمع بشكل كامل، ولا يخفى على عاقل أن النبي ﷺ لم يفرض زكاة الفطر إلا لحكمة بليغة وغاية عظيمة تخص مصلحة المزكي والفرد المسلم والأمة الإسلامية جمعاء في كل زمان ومكان، وقد كانت هذه الحكمة والغاية واضحة من خلال الأحاديث النبوية وخاصة حديث ابن عباس الذي جاء فيه أن "صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ”.