منير الربيع
يجري التداول في الكواليس السياسية عن الإعداد لمرسوم تجنيس، كان قد جرى إنجازه قبيل الانتخابات النيابية، فيما تقرر توقيعه بعدها. ووفق المعلومات المتداولة، فإن المرسوم أعدّ بالتعاون بين وزارتي الداخلية والخارجية، وهو يخص منح الجنسيّة اللبنانية لرجال أعمال ميسورين، أغلبيتهم من التابعية السورية. من حق أي رئيس للجمهورية أن يصدر مرسوماً كهذا يقضي بمنح الجنسية لمن يرى فائدة فيه، ولا تتوافر لديه الشروط المطلوبة للحصول على تلك الجنسية.
في مختلف عهود الرؤساء اللبنانيين منذ الاستقلال حصلت مراسيم تجنيس مشابهة. بمعزل عن منح الجنسية اللبنانية للاجئين الأرمن، الذين وفدوا إلى لبنان في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى. بدأ هذا النوع من إصدار المراسيم في عهدي الرئيسين بشارة الخوري وكميل شمعون، إذ حصلت في تلك الفترة أبرز مراسيم التجنيس، التي لا يتناولها اللبنانيون الذين يتذكرون القريب فحسب. أول من تجنّس في لبنان، في ثلاثينيات القرن الماضي، هم من المسيحيين السوريين من الطائفة الكاثوليكية، شجعهم الفرنسيون على الانتقال إلى لبنان لامتلاكهم رؤوس أموال طائلة، وعملوا على تأسيس العديد من قطاعات الأعمال في لبنان، ومنها القطاع المصرفي. وفي ما بعد دخلت أعداد من الفلسطينيين المسيحيين إلى لبنان بعد النكبة، وقد منحوا الجنسيّة اللبنانية.
في عهود فؤاد شهاب، شارل حلو وسليمان فرنجية، لم تصدر مراسيم تجنيس، وإذا ما حصل فهي كانت عبارة عن أمور ثانوية، لتعود حركة مراسيم التجنيس وتتجدد في الثمانينات، إذ توجه السهام إلى الرئيس أمين الجميل، الذي أصدر مراسيم تجنيس لمن يُقال إنهم شاركوا في القتال في تلك الفترة. وهناك معلومات عن تجنيس كثيرين من الفلسطينيين المسيحيين في عهد الجميل أيضاً.
عهد الرئيس الياس الهراوي كان عهداً أساسياً للتجنيس. في تلك الفترة أصدر مجلس النواب قانوناً لمنح الجنسية اللبنانية لنحو 200 ألف شخص، كانت أغلبية الحائزين على الجنسية اللبنانية من المسلمين، كأهالي القرى السبع في الجنوب، ووادي خالد في الشمال. فيما جرى تجنيس مسيحيين سوريين كي يستفيد منهم ساسة لبنانيون حلفاء لسوريا، في المتن تحديداً. وكذلك بالنسبة إلى العلويّين في الشمال.
رفضت القوى السياسية المسيحية في تلك الفترة مبدأ التجنيس، خصوصاً أن الكفة كانت راجحة لمصلحة المسلمين. في مرحلة ضياع الحدود ما قبل الاستقلال، وفي السنوات الأولى بعده، رفض الطرف المسيحي الأقوى في تلك المرحلة، منح الجنسية اللبنانية لكثيرين من مسلمي الأطراف، كأهالي القرى السبع أو وادي خالد، والذين كانوا في عداد البدو الرحّل. هذا الاعتراض استمرّ بأشكال أخرى تحت شعار رفض التوطين.
الاعتراض على التوطين والتجنيس يأتي من خلفيّة طائفية، تماماً كما هي حال رفض منح المرأة اللبنانية جنسيتها لزوجها وأطفالها إذا ما كانت متزوجة من البلاد العربية. وهنا سرّ انتقاء المصطلح الدقيق، فهو يذهب في اتجاه منع المرأة المتزوجة من مسلم منح الجنسية لأسرتها.
وهذا ما قاله الوزير جبران باسيل صراحة. ليس حصول أي إنسان على جنسية بلد آخر بالأمر المعيب، هو طموح اللبنانيين الأزلي بالحصول على جنسيات غربية، اوروبية أو أميركية. وهذا أمر تشرّعه مختلف الدول ويكون خاضعاً لشروط. رغم بديهية حصول حالات تجنيس، إلا أنها في لبنان تبدو من الغرائب أو العجائب، بسبب تطييفها، وحصرها إما بالتوازن الطائفي، في ظل ما يراه البعض اختلالاً في التوازنات الطائفية، أو أن يكون الحاصل على الجنسية من الأثرياء، تحت ذريعة تشجيع الاستثمار.}