أبو محمد
لا يبدو الى الآن ان المساعي التي يبذلها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة والمشاورات التي يجريها قد آتت أكلها وشكّلت قناعة عند الاطراف المعنية بضرورة التنازل قليلاً للوصول الى صيغة مشتركة بين الجميع تنهي هذه الحالة، وتتيح تشكيل الحكومة من أجل قيامها بدورها المطلوب لمعالجة الأزمات الحياتية والمعيشية وغيرها، ولكن هذه القناعة لم تتشكل بعد عند أغلب هذه القوى، ما يحول حتى الساعة دون الاتفاق على الحكومة.
أما الأسباب، فكما قلنا في افتتاحيات سابقة، منها الداخلي المنظور، الذي يظهر في مواقف الأطراف السياسة ومطالبها بالحصول على عدد معيّن من الوزارات، وعلى نوعية محددة منها. وهنا تبرز – كما يقال – العقدة المسيحية، حيث يرفض التيار الوطني الحر أن تكون حصة القوات اللبنانية أكثر من ثلاث وزارات ليس من بينها وزارة «سيادية»، كما يطالب التيار بحصّة مستقلة لرئيس الجمهورية، ما يمنحه مع الرئيس حصة وازنة تصل الى ثلث مجلس الوزراء، وهذا يحوّله مع فخامة الرئيس الى الآمر والناهي في المجلس، خاصة في الأمور المصيرية التي تحتاج الى موافقة ثلثي مجلس الوزراء. وبالطبع هذا مرفوض من معظم الاطراف السياسية، بما فيها حلفاء التيار. وتأتي هذه المطالب كجزء من معركة خلافة الرئيس عون في زعامة الساحة المسيحية، أو كجزء من معركة رئاسة الجمهورية المقبلة.
كما أن هناك ما يطلق عليه العقدة الدرزية، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يرفض الحديث عن عقدة درزية، ويعتبر أنه الأقوى في طائفة الموحدين الدروز وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وبالتالي فهو يرفض منح النائب طلال ارسلان مقعداً وزارياً على حسابه، فيما يصرّ رئيس الجمهورية، ومعه التيار الوطني الحر على توزير ارسلان فيما يقف الرئيس المكلف مع مطلب جنبلاط.
هناك عقدة ثالثة يجري الحديث عنها ولكنها أقل حدّة، وهي توزير إحدى الشحخصيات التي يمكن أن تمثّل المسلمين السنّة المعارضين للرئيس سعد الحريري. وهنا يجري البحث عن تمثيلهم من حصة رئيس الجمهورية وليس بشكل مستقل.
كل هذه العقد الداخلية تحول ظاهراً دون تشكيل الحكومة، إلا أن البعض يرى أن هذه العقد الداخلية تعكس في حقيقتها عقداً خارجية تتصل بمواقف القوى الاقليمية وصراعها، وتحديداً يجري الحديث هنا عن المملكة العربية السعودية وايران. ولكل من هاتين الدولتين حساباتها الخاصة في موضوع الحكومة، والملف اللبناني بشكل عام.
المهم في كل هذا الملف أن مقاربة التشكيل يجب أن تمتزج عند الجميع مع حكمة تقدّم المصلحة البلد على ما عداها من مصالح، سواء كانت خارجية أو فئوية ضيّقة، ومن ثمّ ممارسة كل مؤسسة من مؤسسات الدولة للصلاحيات المنوطة بها حصراً دون محاولات الهيمنة والاستحواذ.
في جانب آخر تمّ تفعيل مسألة إعادة اللاجئين السوريين الى سوريا، خاصة بعد زيارة الوفد الروسي الذي جاء خصيصاً لبحث هذه المسألة، وقد أبدى الجانب اللبناني ارتياحاً لهذه المبادرة الروسية، خاصة أنها تعهدت أمام الأمم المتحدة بتوفير الضمانات الكاملة لعودة اللاجئين الى مناطقهم، دون ملاحظات من النظام. وهذه الضمانات إذا كانت جدّية وحقيقية فإنها فرصة لإنهاء معاناة اللاجئين السوريين، وإن كانت في مكان آخر تكون قد قضت على تطلعاتهم بالتخلّص من النظام الاستبدادي.}
أبو محمد