العدد 1639 /20-11-2024
د. وائل نجم
وصل المبعوث الأمريكي
الخاص بمسألة التفاوض من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار بين لبنان ودولة
الاحتلال، آموس هوكشتاين، إلى بيروت من أجل الاستماع والنقاش في الملاحظات
اللبنانية على المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار، وتزامن وصول هوكشتاين مع حملة
إسرائيلية كثيفة من الهجمات التي طالت خلال الأيام الأخيرة أحياء في قلب العاصمة
بيروت، في رأس النبع ومار إلياس وزقاق البلاط، فضلاً عن غارات كثيفة كمّاً ونوعاً
على أحياء في الضاحية الجنوبية وبلدات في الجنوب، ربما بهدف الضغط على لبنان، خاصة
وأنّ رئيس حكومة الاحتلال قال أمام الكنيست الإسرائيلي يريد مفاوضات تحت النار.
المقترح الأمريكي
وبحسب ما تسرّب منه في الصحافة العالمية واللبنانية، يرتكز إلى القرار الأممي
1701، فهو يشكّل القاعدة للحلّ ووقف إطلاق النار؛ غير أنّه يحمل أيضاً بين سطوره
ما يمكن أن يمنح قوات الاحتلال فرصة للتدخّل في لبنان ساعة تشاء وحيث تشاء، وذلك
من خلال الحديث عن منح كلّ من لبنان وكيان الاحتلال أحقية الدفاع عن النفس وحتى
بطريقة استباقية، وذلك بعد انسحاب مقاتلي المقاومة من منطقة جنوب نهر الليطاني إلى
شمالها، بمعنى آخر تجريد لبنان من عنصر قوّة في هذه المنطقة، وبعد ذلك يكون بإمكان
قوات الاحتلال الدخول إلى هذه المنطقة تحت عنوان "الدفاع عن النفس"
والعمل فيها كما تشاء، وبذلك تكون قد حقّقت بالدبلوماسية ما لم تتمكّن من تحقيقه
بالحرب.
كما هناك نقطة آخرى
لها علاقة بتحويل لجنة مراقبة تنفيذ القرار 1701 إلى لجنة موسّعة لتشمل إلى الأمم
المتحدة ولبنان وكيان الاحتلال كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا
وألمانيا ، وهو أيضاً ما يرى لبنان لا حاجة له.
مشكلة مفاوضات وقف
إطلاق النار أنّ دولة الاحتلال تريد أن تحقّق بالدبلوماسية ما لم تحقّقه في
الميدان، وتسعى لذلك من خلال اتباع سياسة الضغط على المواطنين وعلى المدنيين من
خلال القصف والمجازر وتوسيع العدوان، وليس في الميدان العسكري عند الحدود الجنوبية
حيث تتكبّد تلك القوات خسائر فادحة على أيدي مقاتلي المقاومة. ومشكلة لبنان أنّه
يريد أن يضع حدّاً لنزيف الدماء من المدنيين، ومن توسيع العدوان وسياسة التدمير
والتهجير والتجزير التي تقوم بها قوات الاحتلال، ولذلك يحاول أن يبدي مرونة كبيرة
من أجل الوصول إلى وقف النار، غير أنّ ذلك لا يمكن أن يتحوّل إلى ما يشبه
الاستسلام أمام الاحتلال، خاصة وأنّ الصمود في الميدان هو في صالح لبنان أكثر مما
هو في صالح قوات الاحتلال، فالجنوب يشهد حرب استنزاف كبيرة لقوات الاحتلال التي
تتكبّد كلّ يوم مزيداً من الخسائر المادية والبشرية على مستوى الجنود.
الأمل بالوصول إلى وقف
إطلاق النار في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة حاضر، ليس لأنّ الإسرائيلي له
رغبة بذلك، فهو قد كشف عن نواياها ذات يوم عندما قال إنّه يريد تغيير النظام في
لبنان كمقدمة لتغيير المنطقة لصالحه، ولكنّ حسابات الميدان غير حسابات النوايا،
فقد فشل في اختراق الحدود الجنوبية إلاّ بحدود ضئيلة ولا تؤثّر بمعنى حقيقي في
مسارات الحرب؛ ولا استطاع أن يوقف إطلاق الصوايخ نحو العمق الإسرائيلي وقد استهدفت
مدينة تل أبيب أكثر من مرّة رداً على استهداف بيروت. الأمل بالوصول إلى وقف إطلاق
النار لأنّ الميدان كبّد، وما يزال، الاحتلال المزيد من الخسائر كلّ يوم بحيث أنّه
لم يعد قادراً على تجاهل تلك الخسائر، ولذلك فإنّ فرص الوصول إلى وقف إطلاق النار
ممكنة، وقد تكون في وقت قريب. غير أنّ ذلك سيعني أنّ الاحتلال استطاع أن يفصل بين
جبهة لبنان وجبهة غزة، وهو سيجعله يتفرّغ أكثر لغزة، ولكن السؤال: هل ما زالت
الأمور والأوضاع بحاجة إلى هذا التكامل على جبهتين كما كانت في أول الحرب؟ أم
أنّها تحتمل الفصل بين الجبهتين في ظل الانتقال إلى حرب استنزاف الاحتلال؟!