العدد 1622 /24-7-2024
د. وائل نجم
د. وائل نجم
أكثر من تسعة أشهر متواصلة من العدوان الصهيوني على قطاع
غزة والضفة الغربية في فلسطين، وعلى جنوب لبنان، ارتكبت فيها قوات الاحتلال مجازر
لا عدّ ولا حصر لها بهدف إخافة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، وإرهاب الشعب
اللبناني حتى يخضع لهيمنتها وشروطها، غير أنّ ذلك لم يحصل ولم تتمكن تلك القوات
المحتلة من تهجير الشعب الفلسطيني، ولا إخافة الشعب اللبناني، فالصمود مستمر،
والمعركة مستمرة بضراوة وقد اعترف قادة الاحتلال بخسارتهم لها، كما اعترفوا بحجم
الخسائر المادية والبشرية والمعنوية التي لحقت بهم خلال هذه المعركة، حتى راحوا
يبحثون عن مخرج أو طريقة تحفظ لهم كيانهم المزعوم، فحاولوا وما يزالون توسيع رقعة
الحرب المجنونة لتشمع مناطق أخرى وتتحوّل إلى حرب واسعة ومفتوحة تعيد خلط الأوراق
في المنطقة بشكل كامل، وتتيح بذلك للاحتلال الخروج من النفق الذي أدخل نفسه فيه.
فهل بتنا في ضوء النوايا الإسرائيلية، وفي ضوء التطوّرات الميدانية التي تحمل كلّ
يوم شيئاً جديداً، هل بتنا واقعاً أمام حرب مفتوحة تتوسّع بالتدرّج شيئاً فشيئاً؟
لعلّ أبرز حدث شهدته المنطقة وجبهات القتال خلال الأيام
الأخيرة، وضجّت به الدنيا، كان استهداف جماعة "أنصار الله" الحوثية في
اليمن مدينة "تل أبيب" في الأراضي الفلسطينية المحتلة بطائرة مسيّرة
أطلقوا عليها إسم "يافا" تيمّناً بالمدينة المعروفة في كيان الاحتلال
باسم "تل أبيب". وقد وصلت الطائرة فعلاً عبر مسار غير معروف حتى الآن
إلى المدينة وسقط على مبنى قريب جداً من منشآت حكومية، وتركت خوفاً وقلقاً واسعين
في كيان الاحتلال ولدى مستوطنيه حيث عُدّ وصول الطائرة المسيّرة إلى هدفهاً خرقاً
أمنياً كبيراً وفشلاً ذريعاً لكل منظومات التصدّي لمثل هذه الخروقات. كما أظهر
وصول المسيّرة إلى الهدف القدرة على استهداف أيّ ميدنة أو هدف عسكري أو استراتيجي
في كيان الاحتلال بسهولة ويسر وبدون كلفة عالية، وهذا ما من شأنه إسقاط قوة الدفاع
الإسرائيلية، فضلاً عن تشجيع المستوطنين على الرحيل من فلسطين حيث أنّهم سيشعرون
أنّهم باتوا يعيشون في مكان غير آمن حتى لو كانوا داخل فلسطين وعمقها.
وفي مقابل ذلك ردّت قوات الاحتلال على هذا النشاط لجماعة
"الحوثي" اليمنية، فاستهدفت مقرات ومراكز حيوية في مدينة
"الحديدة" وفي مناطق أخرى بواسطة طائراتها الحربية التي سلكت أيضاً
مساراً غير معروف حتى الآن، وبذلك شعر الجميع أنّ هذا التطوّر يدفع الحرب إلى مزيد
من التوسّع وانخراط عناصر وقوى جديدة فيها، وفي هذا الإطار أكّد الناطق باسم جماعة
"أنصار الله" الحوثية اليمنية، محمد عبد السلام، أنّ الاعتداء
الإسرائيلي عليهم لن يردعهم عن مساندة الشعب الفلسطيني، وأنّ هذا العدوان على
مدينة "الحديدة" بمثابة إعلان من قوات الاحتلال على توسيع الحرب، وهم
مستعدون لها، وتعهّد عبد السلام بالردّ على العدوان الإسرائيلي.
هي أذاً الحرب المفتوحة والواسعة تأخذ بالتوسّع
والانتفاح التدريجي يوماً بعد يوم، خاصة وأنّ الطرف الإسرائيلي يعيش أزمة حقيقية
على مستوى الحرب حيث تشكّلت قناعة عند أغلبية الإسرائيليين بخسارتهم لها؛ وعلى
مستوى الداخل الإسرائيلي حيث بات أغلب الإسرائيليين يشعرون أنّ فلسطين لم تعد
مكاناً آمناً بالنسبة لهم، ولذلك نجد أنّ أكثر من ستمئة ألف مستوطن غادروا الأراضي
الفلسطينية بشكل نهائي منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، والرقم سيرتفع
أكثر مع استمرار الحرب دون أفق لها. في حين أنّ الجانب الفلسطيني بات أكثر
اطمئناناً للمستقبل على الرغم من فداحة الثمن الذي دفعه بفعل الجرائم الإسرائيلية
المنظّمة والبشعة.
الأخطر في الأيام المقبلة أن تسير عجلة المعارك بشكل
أكثر سرعة نحو الحرب الواسعة المفتوحة بعد عودة رئيس حكومة كيان الاحتلال
الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعوّل هناك على
تأمين دعم عسكري ومالي لحربه على فلسطين ولبنان وبقية المنطقة، فإذا ما تأمّن له
هذا الدعم في لحظة انعدام التوازن الأمريكي بسبب الانتخابات الرئاسية الأمريكية
وما يرافقها من أمور، بسبب الضوضاء التي تعيشها أميركا على خلفية هذه الانتخابات،
فإنّ شهية نتنياهو على توسيع الحرب ستدفع إلى حماقات جديدة لدى الاحتلال لدفع كلّ
المنطقة إلى المجهول علّ ذلك يشكّل طوق النجاة لنتنياهو وكيانه الذي بات سقوطه
وانهياره قاب قوسين أو أدنى.