العدد 1658 /9-4-2025
د. وائل نجم

بلغ التصعيد والتوتّر ذروته خلال الأيام الأخيرة على مستوى المنطقة العربية، بل على مستوى العالم أيضاً. فالولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب تريد أن تنتهي من الملف النووي الإيراني، بل تريد فرض وإحكام السيطرة على المنطقة ونفطها وغازها وثرواتها ومقدراتها لمئة عام قادمة أو أكثر أو أقل. وكيان الاحتلال الإسرائيلي، القاعدة العسكرية المتقدمة لأمريكا، يريد أن يكون شريكاً كاملاً وأساسياً في هذه العملية، والحديث عن الملف النووي الإيراني والتهديد بضربه ليس سوى الشمّاعة التي يجري التعليق عليها، والتلطّي خلفها بهدف استكمال المخطط الذي تحدّث عنه نتنياهو في أواخر أيلول/ سبتمبر من العام 2024 عندما اغتال زعيم حزب الله في لبنان، وقال يومها إنّه سيغيّر النظام في لبنان ومنه في المنطقة بشكل عام.

ترامب أرسل رسالة عبر سلطنة عُمان إلى الإيرانيين وأعطاهم فيها مهلة شهرين لتسوية ملفات: النووي، والصواريخ، والنفوذ في المنطقة، وإلاّ الضربة العسكرية؛ وأرفق ذلك باستعدادات عسكرية حقيقية حيث حرّك طائرات استراتيجية وبوارج وحاملات طائرات إلى المناطق المحيطة بإيران وإن كانت تقع على بعد آلاف الأميال عن الأراضي الإيرانية.

وكيان الاحتلال الإسرائيلي استأنف عدوانه على قطاع غزة وأطاح باتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، كما عاود اعتداءاته على لبنان وسورية بهدف تقويض أيّة مساعي وجهود يمكن أن يقوم بها أيّ طرف تؤثّر لاحقاً على تحركاته فيما لو اعتزمت الولايات المتحدة توجيه ضربة لإيران. عملياً الكيان الإسرائيلي تولّى عملية تسديد الضربات المستمرة لحلفاء إيران بهدف منعهم من التحرك المجدي والفعّال في حال قرّرت الولايات المتحدة توجيه الضربة.

والقيادتان العسكريتان الأمريكية والإسرائيلية عقدتا سلسلة اجتماعات مطوّلة قبل أيام قليلة قد تكون بهدف وضع اللمسات الأخيرة على أيّ تحرك عسكري جدّي وحقيقي تجاه إيران.

وبالطبع فقد ردّت إيران على الرسالة وعلى التهديدات وعلى التحركات برسالة جوابية وبتهديدات مضادة وبتحركات ميدانية، ولكن الجميع بات يدرك أنّها لم تعد بمستوى التهديدات والتحركات والتهديدات التي كانت تمتلكها من قبل تلقّي حلفاء إيران في المنطقة الضربة القويّة خلال العام الماضي.

هل تقع الحرب الكبرى؟ ليس بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي فحسب؟! بل حتى بين دول أخرى في المنطقة والعالم ستجد نفسها معنيّة بالدخول فيها أو الانزلاق إليها، خاصة في ظلّ الحرب الأخرى التي يشنّها ترامب على مختلف دول العالم والمعروفة بـ "حرب الجمارك" التي يفرض فيها ترامب المزيد من الجمارك على الدول الأصدقاء والأعداء لأميركا على حد سواء.

ترامب يتقن لعبة الذهاب في مفاوضاته إلى حافة الهاوية، كما يتقن سياسة رفع سقف المطالب والشروط للحصول على المكاسب بأقل الأثمان. وإيران ليست أقلّ خبرة من ترامب في هذا المضمار بل تكاد تكون سيّدة من أتقن هذه السياسة وأدّاها، ولذلك فإنّها لم تصدّ دعوة ترامب للمفاوضات، ولم ترفض شروطه ومطالبه مرّة واحدة، بل على العكس بدأت رحلة تفكيك هذه الشروط، وتمييع المطالب على أمل أن تتجنّب المواجهة المكلفة لأنّها فقدت الكثير من عناصر قوّتها، وأن تحتفظ بدور وحضور وإن كان لا يرقى ولا يصل إلى نصف ما كان عليه قبل شهور وليس سنوات.

أمّا كيان الاحتلال، خاصة بقيادة نتنياهو ولاعتبارات عديدة، فإنّه معني بشكل جدّي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تضع حدّاً للملف النووي، ولمسألة الصواريخ والنفوذ في المنطقة لأنّ من شأن ذلك أن يُطلق يد كيان الاحتلال في المنطقة بشكل كامل.

ماذا عن مفاوضات يوم السبت بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان؟

التقديرات تشير إلى أنّ ترامب لا يريد حرباً بل يريد التزاماً إيرانياً بشروطه ومطالبه؛ وإيران لا تريد حرباً أيضاً بل تريد النجاة من هذه المصيدة والخروج منها بأقل الأضرار، فالحفاظ على الدولة في هذه المرحلة، بالنسبة لهم، أهم بكثير من نشر الثورة، ولذلك قد تقدّم إيران تنازلات غير منتظرة أو متوقّعة لتفادي الضربة العسكرية مع الحفاظ على الصوت العالي والمرتفع في مواجهة أميركا، ولعلّ مسؤوليها بدأوا يتحدثون عن الاستعداد لتقديم بعض التنازلات في سياق تفريغ القوّة العسكرية الأمريكية من مضمونها.

تبقى الخشية من أمر آخر وهو أن يكون "الطبل والزمر في مكان والعرس في مكان آخر"، بمعنى أن تكون الخشية من حرب كبرى مع إيران فإذا بها تكون حروب موضعية على حساب دول وشعوب أخرى في المنطقة أولهم العرب والأتراك.

د. وائل نجم