العدد 1631 /25-9-2024
د. وائل نجم
د. وائل نجم
تصاعدت
بشكل غير مسبوق المواجهات على جبهة جنوب لبنان مع شمال فلسطين المحتلة لتشمل أغلب
الأراضي اللبنانية حيث نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف الغارات الجويّة على
مناطق في جنوب لبنان وفي البقاع وفي الضاحية مخلّفة دماراً كبيراً في الممتلكات
والبنى التحتية ومئات الشهداء وآلاف الجرحى. فيما ردّ حزب الله بقصف مناطق في عمق
الأراضي الفلسطينة المحتلة قرب حيفا وحتى في تل أبيب، غير أنّه ركّز في الردّ على
اختيار وانتقاء المواقع والقواعد العسكرية دون أن تطال أو تضع المستوطنين في دائرة
الهدف لأنّ الحزب لا يريد أن يحوّل المعركة إلى معركة مفتوحة، ولا يريد أن يعطي
رئيس حكومة الاحتلال فرصة بتحويل المواجهة التي كانت منضبطة بقواعد واضحة تحفظ
توازن الردع، إلى حرب واسعة تتورّط فيها دول أخرى في المنطقة وتتحوّل تدريجياً إلى
حرب إقليمية بل وربما حرب دولية كبرى.
قوات
الاحتلال الإسرائيلي تتدرّج بشكل يومي في تصعيد الموقف وفي أخذ المنطقة إلى مواجهة
أكبر وأوسع، وهي تعتبر أنّ خلاص كيان الاحتلال لا تكون في ضوء فشله في حربه على
غزة سوى بتوريط المنطقة بحرب واسعة ومفتوحة تكون ضامناً لبقاء هذا الكيان لأنّ
بقاء كيان الاحتلال مرهون بشكل واضح بمصالح الدول الغربية وفي مقدمها الولايات
المتحدة الأمريكية، غير أنّ كيان الاحتلال أراد من خلال التدرّج في التصعيد محاولة
فرض واقع معيّن على حزب الله يدفعه إلى الاستسلام والنزول على شروط إسرائيل
ومطالبها، فإذا ما نزل على شروطها فإنّها عند ذلك تواصل عملية الضغط وتزيد من
الشروط من دون الذهاب إلى حرب مفتوحة، وإذا ما ظلّ متمسّكاً بموقفه ورفض الاستسلام
فإنّ كيان الاحتلال سيزيد الضغط في الميدان تدريجياً وصولاً إلى حرب واسعة ومفتوحة
على مصراعيها، وبهذا المعنى فإنّه يمكن القول إنّ الحرب التي يشهدها لبنان حالياً
لم ترق بعد إلى درجة الحرب المفتوحة والواسعة وإنْ كانت تأخذ منحى التدرّج بهذا
الاتجاه يوماً بعد يوم.
هل
يمكن أن يستمر هذا المشهد لفترة زمينة طويلة؟ وما هي خيارات حزب الله في لبنان
حيال ذلك؟
بات
واضحاً أنّ حزب الله استوعب الضربة المؤلمة التي لم يكن يتوقعها بتفجير أجهزة
"البايجر" بأيدي منتسبيه، واسترد زمام المبادرة بشكل بدا واضحاً من خلال
ضرب مدينة تل أبيب بصاروخ سكود بعيد المدى حمل رسالة واضحة للاحتلال بأنّه قادر
على توسيع رقعة المواجهة واستهداف البنى المدنية كما يفعل الاسرائيلي، وبالتالي
فإنّ هذا المشهد لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل الذي تقوم فيه حكومة الاحتلال بتوجيه
الضربات للمدنيين اللبنانيين، وتحديد قواعد جديدة للاشتباك، دون أن يشرع في توجيه
ضربات تعيد رسم القواعد من جديد، وعليه فإنّ المشهد سيذهب في وقت قريب إلى رسم
قواعد جديدة تحافظ على توازن الردع، وهذا الشكل سيكون بمثابة استنزاف لكلا الطرفين
لأسباب خاصة بكلّ منهما؛ وإمّا أن تتصاعد المواجهات وتأخذ شكلاً أكثر دموية وهذا
يعني أنّ فتيل الحرب المفتوحة سيكون سريعاً بحيث يأخذ المنطقة إلى هذه الحرب.
لبنان
والمنطقة ومعهما العالم يقفون على حافة لحظة قد تنزلق بهم جميعاً إلى حرب إقليمية
ويمكن أن تكون دولية كبرى، ولن يوقف هذه الحرب ولن يحول دونها في ضوء المعطيات
القائمة حالياً سوى تراجع الاحتلال عن خططه وبرامجه والقبول والاعتراف بحق الشعب
الفلسطيني بالتحرر وإقامة دولته المستقلة، ويبدو أنّ ذلك بعيد عن التفكير
الإسرائيلي حالياً في ضوء الدعم المفتوج غربياً لهذه القاعدة العسكرية المتقدّمة.
بيروت
في 25/9/2024