العدد 1525 /24-8-2022
د. وائل نجم

أكثر ملف يشغل بال اللبنانيين اليوم، حكومة وطبقة سياسية وشعب هو ملف ترسيم الحدود البحرية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من الملفات الأخرى التي لا تقلّ شأناً وأهمية كملف الأزمات المعيشية وتشكيل الحكومة وإنهاء انسداد أفق الحلّ السياسي وغيرها. وأمّا السبب في تقدّم الاهتمام بملف الترسيم فيعود إلى اقتراب مهلة شهر أيلول وذهاب الأمور في كل الاتجاهات مع هذه المهلة.

والمعروف أنّ حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي استقدمت سفينة استخراج النفط والغاز من حقل كاريش قبل بعضة أشهر، وراحت تعمل على تمكينها من بدء الاستخراج اعتباراً من منتصف شهر أيلول المقبل، من دون أن تتوصّل إلى أيّ اتفاق على الحدود البحرية مع لبنان، ومن دون أن يكون هناك أيّ اتفاق على تنظيم الاستخراج من الحقول موضع النزاع، ومن هناك جاء التهديد اللبناني الذي تولّاه حزب الله بشكل أساسي من أنّ أيّ بدء باستخراج الغاز من الحقول اللبنانية أو المتنازع عليها من دون اتفاق ومن دون السماح للبنان باستخراج نفطه وغازه سيعرض عملية الاستخراج الأخرى من الطرف الإسرائيلي للتهديد، ولن يُسمح للطرف الإسرائيلي بالشروع في الإفادة من النفط والغاز دون حفظ حقّ لبنان.

مهلة أيلول تقترب مع كلّ ساعة تمرّ، والتحدّيات ترتفع والتهديدات معها ترتفع أيضاً. فقبل ساعات أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية نقلاً عن حكومة كيان الاحتلال أنّ استخراج الغاز سيبدأ في نهاية شهر أيلول بغض النظر عن فرص التوصل إلى اتفاق مع لبنان على ترسيم الحدود بالبحرية، وبغض النظر عن نتائج المفاوضات. في مقابل ذلك يؤكّد حزب الله في لبنان ومعه ومن خلفه أو أمامه الحكومة الحالية على أنّ أيّ شروع باستخراج الغاز من دون ترتيبات وتنسيق سيدفع المنطقة إلى فوهة المواجهة والحرب. وأمام هذا المشهد المتأزّم حتى الساعة، والذي لا يُنبىء بالاتفاق على مجمل الأمور، أين يمكن أن تمضي الأمور؟ وماذا يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة؟

لا بدّ أولاً من التذكير والتأكيد على أنّ كلّ ملفات المنطقة، بما فيها لبنان، باتت متصلة ومرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً وكبيراً. والجميع من القوى الفاعلة والمؤثرة يستخدم ما بيده من نقاط قوّة وتأثير، ومن هنا لا بدّ من التذكير بأنّ أبرز وأهم قوتين على الساحة الإقليمية واللبنانية حالياً هما الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وبالتالي فإنّ أيّ اتفاق بيهما في الملف النووي الذي تجري المفاوضات عليه في فيينا إذا شمل تنظيم وترتيب الدور الإيراني في المنطقة سيعني بكل تأكيد إمكانية وفرصة التوصل إلى اتفاق في لبنان، وبالتالي تراجع حدّة نبرة التحدّي بين الأطراف المتقابلة، وأقصد بذلك كيان إسرائيل وحزب الله، وأمّا إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق أصلاً، أو إذا لم يشمل الاتفاق دور إيران الإقليمي، وهذا وارد جدّاً، فإنّ الأمور قد تذهب إلى مزيد من التصعيد وهو أمر متوقّع، وبالتالي فإنّ مهلة أيلول مهلة حاسمة ومهمّة لناحية إرساء الاستقرار والشروع في الحلول أو الدخول في مواجهة محدودة قد تتحوّل في أيّة لحظة إلى مفتوحة لا يعرف أحدٌ مداها أو أين يمكن أن تستقر.

يبقى أنّ لبنان الرسمي والشعبي الذي أصابه الضعف وعصفت به الأزمات غير قادر في ظل المعطيات القائمة على فعل أيّ شيء إلاّ إذا قرّر الشعب اللبناني الخروج من هذا القمقم والتحوّل إلى مارد يقلب الطاولة ومعها المعادلات على رؤوس الجميع ليحمي ما بقي من وطن ويصون ما صمد من سيادة وكرامة ويحفظ ما بقي من ثروة.

د. وائل نجم