العدد 1452 /10-3-2021
ما إن انتهت
المرحلة الأخيرة من الإقفال العام الذي كان مفروضاً على البلد بسبب تفشّي جائحة
كورونا حتى عاد الحراك الاحتجاجي إلى الشارع بصورة قطع طرقات في أغلب المناطق
اللبنانية رفضاً لتردّي الحالة المعيشية والاقتصادية التي تخطّت عتبة المعقول
والمقبول مع قفز الدولار وتخطّيه عتبة العشرة آلاف ليرة.
وإذا كان من
المشروع أن يلجأ الناس إلى الوسائل والأساليب التي أقرّها القانون والدستور
للتعبير عن رفضهم أو معاناتهم أو تبرّمهم من مسألة معيّنة، بما في ذلك قطع الطرق
في بعض الأحيان، غير أنّ أيّ تحرك يجب أن يعبّر عنهم وعن حاجاتهم ويحقّق أهدافهم
التي يعملون عليها، وقد كان ملاحظاً خلال الأيام التي قطعت فيها الطرقات أنّ أعداد
المشاركين فيها على كثرتها وانتشارها في معظم المناطق اللبنانية كانت قليلة وقليلة
جدّاً في بعض الأحيان، وأنّ أغلب المشاركين فيها من الشبّان الذين تتراوح أعمارهم
ما بين السبعة عشر عاماً والعشرين.
وبالعودة إلى قطع
الطرق ولعبة الشارع فإنّه من الواضح أنّ التحرّك كان سياسياً من دون أن يلغي غضب
الناس أو معانتهم أو عدم مبالاتهم. ويمكن القول إنّ بضعة أطراف تقف خلف التحركات
وتدفع بها لاعتبارات خاصة بكل طرف.
فهناك من يقف خلف
بعض التحركات في بعض المناطق انطلاقاً من الضغط على الطبقة السياسية كلّها من أجل
حضرها بالزاوية وتحقيق تطلعات الناس، أو إذا أسأنا النيّة تحقيق تطلعاتها في تحييد
الطبقة السياسية الجلوس مكانها.
وهناك من يقف خلف
بعض التحركات من أجل الضغط على القوى السياسية التي تعرقل تشكيل الحكومة، أو ربما
أيضاً الضغط على بعض الأطراف السياسية التي تتهم باستخدام لبنان كساحة من ساحات
الصراع الإقليمي، ودفع تلك القوى إلى المزيد من التنازلات خاصة بعد المبادرات
الجديدة التي طرأت على المشهد اللبناني، ومن ذلك مبادرة ودعوة البطريرك بشارة
الراعي لمؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة، وهنا يتحدث البعض عن أطراف
تحاول أن تضغط تحديداً على حزب الله من أجل دفعه إلى مزيد من التنازلات خاصة بعد استشعار
هؤلاء أن الحزب بات محاصراً ومكشوفاً بعد التحركات التي حصلت في بكركي دعماً
للبطريرك الراعي.
وهناك أطراف تقف
خلف بعض التحركات كجزء من اللعبة الإقليمية التي تجري في أكثر من ساحة، وهنا يأتي
الحديث عن ضغط من بعض الأطراف المرتبطة بإحدى الدول الخليجية كجزء من ردّ تلك
الدولة على ما تتهمذه تورط قوى لبنانية بما يجري على ساحتها.
وهناك أطراف تقف
خلف بعض التحركت كجزء من محاولاتها احتواء الأجواء الجديدة والتمهيد لدفع بعض
الأثمان، حتى لو كان من بينها تشكيل حكومة، وهذا الطرف تحديداً يشارك في التحركات
لأخذها عن مسارها و"خلق" أجواء جديدة تشكل حالة انفراجة جزئية أو مرحلية
كجزء من تنفيش الضغط الذي يطالها، أو ربما في مكان آخر توجيه رسالة تخويف من فوضى
عارمة قد تطال بالبلد بشكل عام فيما لو استمر الضغط عليها بأشكال وأساليب متعددة.
هي تحركات أذاً هذه
المرة باسم الناس وتحت عنوان مطالبهم لكنها واضحة كل الوضوح في خلفيتها السياسية
وفي تعدّد القوى التي تقف خلفها وتحرّكها، ولذلك يقف اللبنانيون يراقبون ويترقّبون
ما سيجري وهم حائرون أمام هذا المشهد الذي يدفعون فيه الثمن مرّات ومرّات بينما
يعيشون حالة القلق مما يمكن أن يجري أو من استمرار واستفحال الوضع القائم.
د. وائل نجم