العدد 1625 /14-8-2024
د. وائل نجم

د. وائل نجم

يوم الثلاثاء الماضي في الثالث عشر من شهر آب 2024 والمصادف لليوم 313 للعدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزّة، وعلى الرغم من كلّ التدمير والمجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين مدنيين ومقاومين وبنية تحتية وفوقية وغيره، وعلى الرغم من انتشار دبابات وآليات وجنود الاحتلال في الكثير من مناطق القطاع المحاصر، وعلى الرغم من الطائرات الحربية والمروحية والمسيّرة التي لا تغادر سماء القطاع، فقد خرجت المقاومة الفلسطينية ولا نعرف من أين، واستهدفت مدينة "تل أبيب" التي تُعرف بعاصمة كيان الاحتلال، بصاروخين من طراف "M90" على ما أعلنت القسّام، واعترف جيش الاحتلال بوصول صاروخ وزعم أنّه سقط في البحر قبالة ساحل المدينة، فيما زعم أن الصاروخ الثاني لم يتجاوز الحدود.

ماذا يعني أنّ تقوم المقاومة الفلسطينية بعد كل هذا الوقت الطويل (313 يوماً) من العدوان الذي استبيحت فيه غزة مدينة ومحافظات ومساحات زراعية وبنية تحتية وفوقية استباحة كاملة، وكل هذا التدمير الذي ليس له نظير في الحروب السابقة، ربما حتّى في الحربين العالميتين، ثمّ تطلق صاروخين من العيار الثقيل وبعيد المدى من بين الآليات العسكرية الإسرائيلية نحو عاصمة الكيان المحتل؟!

إنّ هذا يعني أولاً أنّ هذه المقاومة وهذا الشعب الذي يحتضنها متمسكان بحقّهما بالوجود والبقاء، ويرفضان الاحتلال بكل أشكاله، ويتطلعان إلى التحرير والحرية وبناء دولة فلسطينية تكون فيها السيادة للشعب الفلسطيني.

إنّ هذا يعني أنّ المقاومة الفلسطينية ما زالت بخير، وتمسك بزمام الميدان على الرغم من كلّ الجراح التي أصيب بها الشعب الفلسطيني، فالاحتلال يستقوي على المدنيين العزّل ويرتكب بحقّهم المجازر من أجل إخضاع المقاومين.

إنّ هذا يعني أنّ المقاومة مستمرة في جهادها وكفاحها ولن ترفع الراية البيضاء ولن تخضع لشروط الاحتلال فهذه معركة بقاء أو زوال. معركة تحرير أو تصفية القضية الفلسطينية والهيمنة على كل شعوب المنطقة.

إنّ هذا يعني أنّ المقاومة الفلسطينية ما زالت تخبىء للاحتلال المزيد من المفاجآت التي لا نعرف عنها شيئاً. وأنّ قدرتها على النهوض من بين الأنقاض والركام أسرع ممّا يتخيّل أو يتصوّر الاحتلال.

إنّ هذا يعني أنّ رجال المقاومة الفلسطينية ربما هم من طينة غير طينة البشر، فماذا يعني أن يخرج مطلقو الصواريخ بين آليات الاحتلال ويوجّهون صواريخهم البعيدة المدى لتسقط في أهدافها؟! هؤلاء ليسوا بشراً عاديين؛ أنظمة وحكومات بقدّها وقديدها وحديدها وعسكرها ترتجف من جنود الاحتلال وهم بدورهم لا يجرؤ أحدهم على الخروج أمام رجّال القسّام!

إنّ هذا يعني أنّه ليس هناك مكان آمن للمستوطنين لا الأمس ولا اليوم ولا غداً. ليس أمامهم سوى الرحيل والركوب في أول طائرة من مطار بن غوريون نحو البلدان التي وفدوا منها. هناك ربما تكون الأمور أكثر أماناً وأمناً بالنسبة لهم.

إنّ هذا يعني أنّ الذي لم يحسمه الاحتلال بآلته العسكرية الجبّارة والمزوّدة بكل تقنيات العالم الحديث ودعمه خلال أيام وأسابيع كما كان معتاداً في حروبه، لن يحسمه بعد مرور هذه الأشهر الطويلة، وأنّ الهدف الذي لم يحقّقه عند الغارة الأولى لن يستطيع أن يحقّقه بعد أن بات جنود الاحتلال أهدافاً سهلة لبنادق المقاومة الفلسطينية.

الأهم في كل ذلك أن يصدّق بعض أبناء جلدتنا أنّ مقاومة فلسطين ما زالت بخير على الرغم من كلّ الجراح، وأنّها تدافع عن حياض المنطقة كلّها، وتمنع بصمودها تحقيق الأطماع التي تريد إلتهام المنطقة بثرواتها وشعوبها دونما اعتبار لأيّ حقّ أو قانون أو شرعية.

بيروت في 14/8/2024