العدد 1518 /29-6-2022
كلّ مرّة يقوم فيها مسؤول
فلسطيني بزيارة إلى بيروت تنطلق حملة من أطراف سياسية وشخصيات إعلامية تستهدف
الزيارة بهدف التشويش عليها على الرغم من كلّ التأكّيد الفلسطيني على كلّ ما من
شأنه أن يطمئن الداخل اللبناني ويؤكّد على التمسّك بالحقّ الفلسطيني، وفي مقدمته
حقّ العودة ورفض التوطين وهو أكثر ما يثير هواجس بعض اللبنانيين انطلاقاً من
حسابات فئوية وطائفية لا تمّت إلى الانسانية أو القضية المركزية للعرب والمسلمين
بأيّة صلة.
قبل بضعة أشهر قام رئيس
حركة حماس في الخارج الاستاذ خالد مشعل بزيارة إلى لبنان كان من المقرر أن يلتقي
فيها مسؤوليين لبنانيين في مواقع رسمية، غير أنّ حسابات ليس محل ذكرها الآن حالت
دون تلك اللقاءات، غير أنّ الأستاذ مشعل في حينه، لم يترك مناسبة إلاّ وحاول فيها
طمأنة اللبنانيين، والتأكّيد على أنّ اللوجوء الفلسطيني في لبنان تحت سقف القانون
والدولة اللبنانية، ولكن ومع ذلك شُنّت في حينها على زيارة مشعل حملة شعواء كادت
تشيطن حماس وتجعلها في مرتبة العدو الذي لا يريد الخير للبنان مع أنّ الحقيقة
والواقع يشهدان على غير ذلك.
وقبل نحو عام من الآن زار
السيد إسماعيل هنيّة لبنان والمخيمات الفلسطينية على وجه التحديد، ولكن أيضاً
تعرّض لحملة شعواء من قبل بعض الأطراف التي اتهم بعضها حماس بالعمل على تخريب
الداخل اللبناني وتحويل لبنان إلى ساحة لصراعها مع عدو الأمة الكيان الاسرائيلي،
ومع كل ذلك لم يُسجّل في كلّ تصريحات هنيّة، وفي كل مواقفه ما أساء إلى لبنان دولة
وشعباً ومجتمعاً، بل على العكس من كلّ ذلك، فقد كان قد شدّد على كلّ المعاني التي
تؤكّد على احترام الدولة والتزام قوانينها حتى ولو كان بعضها جائراً بحق اللاجئين
الفلسطينيين في مجالي الحقوق الانسانية والاجتماعية.
وفي هذه الزيارة الأخيرة التي
قام بها هنيّة إلى لبنان تعرّض أيضاً لحملة من بعض الأطراف السياسية، ومن أقلام
صحفية وإعلامية دانت الزيارة وبلغ ببعضها الأمر اتهام هنيّة وحماس بالإساءة إلى
لبنان وبالعمل على تخريبه.
ولكن ومن خلال متابعة
الزيارة والتصريحات التي أدلى بها هنيّة أمام وسائل الإعلام أو حتى للجماهير التي
التقت بها، فقد كان دائماً يشدّد على استقرار لبنان والتزام الفلسطينيين فيه
بالقوانين المعمول بها، وبعدم التدخّل بالشأن الداخلي اللبناني، بل بدعم لبنان في
الحفاظ على حقوقه وثروته النفطية والغازية بوجه الأطماع الإسرائيلية، كما شدّد
هنيّة في كلّ لقاء عقده على رفض التوطين والوطن البديل، وعلى حقّ العودة، وعلى عدم
استخدام أيّة ساحة عربية بديلاً عن الساحة الفلسطينية لمواجهة العدو الإسرائيلي،
فضلاً عن أنّ هنيّة والوفد المرافق له من قيادة الحركة التي يرأسها قد دخل البلد
من بابه، وليس من نوافذه، ودخله بموافقة الدولة اللبنانية التي التقى هنيّة كلّ
أركانها السياسية وبعض أركانها الأمنية والعسكرية، وأشاد بموقف لبنان من القضية
الفلسطينية، ومع كل ذلك خرج من يتهم ويشوّش ويرفض بل ويقدّم الهدايا المجانية لمن
يناصب حماس والشعب الفلسطيني العداء، وهنا السؤال: لمصلحة مَن كلّ هذا الرفض
والتشويش على زيارة هنيّة وحركته إلى لبنان؟ وهل أساء هنيّة أو حركته يوماً للشعب
اللبناني؟ أو حتى للقوى السياسية اللبنانية؟ وهل قامت حماس يوماً بما يضرّ
بالمصلحة اللبنانية؟
إنّ لبنان جزء لا يتجزّأ من
الأمة، وهو في رأس قائمة البلدان المستهدفة من قبل العدو الإسرائيلي، وهو أيضاً ما
زال يحتفظ بهذا العداء لهذا الكيان، وبالتالي فإنّه من الطبيعي جداً أن يكون لبنان
هذا بهذه المواصفات صديقاً بل حليفاً لحماس التي تشاركه هذه المعاني والأهداف
والتحدّيات. فضلاً عن ذلك فإنّ حماس تمثّل ضمير الشعب الفلسطيني، بل أكاد أقول
الممثل الحقيقي لهذا الشعب وهو ما أثبتته الانتخابات التي حصلت قبل قرابة عقد
ونصف، وأيضاً الاستعداد الذي أبدته الحركة لخوض غماد الانتخابات الرئاسية
والتشريعية وفق الشروط والمواصفات التي أقرّتها السلطة ثم عادت وتراجعت عنها
وأجّلتها لأنّها أدركت في حينه أنّ حماس ستفوز بتلك الانتخابات. ولذلك فإنّ
اللبنانيين الذين راحوا يعطون الدروس والعظات في تمثيل الشعب الفلسطيني ينبغي أن
لا ينسوا أنّ حماس هي الممثل الحقيقي لهذا الشعب.
أغلب الظن أنّ بعض الذين قادوا
هذه الحملة من أطراف أو شخصيات انطلقوا من حسابات لها علاقة بتسديد فواتير للخارج،
وليس من مصلحة وطنية، حتى لو كان الإدعاء كذلك، وهؤلاء بتلك الخلفية لا يحقّ لهم
أيضاً الحديث باسم اللبنانيين ومصادرة حقّهم كما لو أنّ كلّ الشعب اللبناني يرفض
زيارة قيادة حماس إلى بيروت، أو كما لو أنّ كلّ الشعب اللبناني موافق على أطروحات
بعض هؤلاء.
بكل بساطة يمكن القول إنّ من
حقّ هنيّة أن يزور لبنان ويلتقي اللاجئين ويتحدث إليهم حتى تظلّ قضيتهم حيّة
ومستمرة، خاصة وأنّه يدخل الدار من بابها الواسع وبموافقة الدولة بكل أركانها، وآن
لأولئك المشوّشين أن يتوقفوا كلّ مرّة عن التشويش، فحماس التي ترفضون حضورها إلى
بيروت باتت وجدان الأمة وضميرها الحيّ حتى ولو طبّعت كل الأنظمة مع كيان الاحتلال
الآيل بكل تأكّيد إلى زوال.
د. وائل نجم