العدد 1526 /31-8-2022
د. وائل نجم
اعتباراً من الأول من أيلول
تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ويتحوّل المجلس النيابي إلى
هيئة ناخبة وظيفتها الأساسية انتخاب الرئيس.
غير أنّ المسألة في هذه المرّة
يعتريها شكوك كثيفة حول إمكانية وفرص انتخاب رئيس جديد! فضلاً عن شكوك أخرى حول
مستقبل البلد في حال الفراغ الرئاسي.
فلبنان الذي يمرّ في منعطف خطير
بالنظر إلى حجم الأزمات التي تعصف به من ناحية، والحرائق المشتعلة في محيطه
الجغرافي من ناحية ثانية، وتحوّله إلى ساحة لتصفية حسابات وصراعات الآخرين من
ناحية ثالثة ينتظر هذا الاستحقاق علّه يشكّل فرصة جدّية وحقيقية تخرجه من أتون هذه
الأزمات التي وصل إليها بفضل سياسات العهد الحالي بشكل أساسي.
غير أنّ كل الأطراف والقوى
السياسية المحلية أو الإقليمية المؤثّرة في هذا الاستحقاق ما زالت محكومة بمنطق
المحاصصة كما لو أنّ هذا البلد شركة يريد كل طرف أن يكسب منها ما يستطيع من دون
أدنى نظر إلى قدرتها على التحمّل. ومن هنا نشأ صراع بين القوى السياسية المحلية
التي يعكس أغلبها صراعاً لقوى إقليمية أو دولية محطية ومؤثّرة في الواقع اللبناني،
وسيقود هذا الصراع إلى تعطيل الاستحقاق الانتخابي كما جرى في العام 2014 لغاية
العام 2016 وبغض النظر عن القوى التي ستعطّل هذا الاستحقاق هذه المرّة لأنّها
جميعها لديها هذه النوايا. أو أنّها ستخضع هذا الاستحقاق لمنطق التسويات
والمحاصصات وهذا لا يمكن أن يخرج البلد من أزماته لأنّه سيظل خاضعاً لهذا المنطق،
وسيظلّ منطق المحاسبة والمساءلة غائباً ومعطلاً.
وفي ظلّ احتمال العجز عن انتخاب
رئيس بسبب منطق التعطيل المتوقّع نشأ صراع من نوع آخر ينذر بما هو أصعب وأعقد.
فالدستور اللبناني كان واضحاً لناحية انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية عند انتهاء
ولايته في حال عدم التمكّن من انتخاب رئيس جديد إلى الحكومة. غير أنّ الحكومة هذه
المرّة مستقيلة لأنّها لم تحظ بثقة المجلس النيابي الذي انتُخب في أيّار الماضي،
وبالتالي فهي – بنظر البعض – حكومة غير أصيلة، وعليه طرح هذا البعض سؤالاً
إشكالياً أو بالأحرى طرح مشكلة وهي كيف يمكن أن تنتقل صلاحيات الرئيس المنتهية
ولايته إلى حكومة غير أصيلة (حكومة تصريف أعمال)، وانطق في هذه المقاربة من تفسير دستوري مبهم وغير
واضح في حين أنّ الدستور تحدث بشكل واضح عن انتقال الصلاحيات إلى الحكومة ولم
يحدّد إذا ما كانت أصيلة أو حكومة تصريف أعمال، وبسبب هذا التفسير وهذا المنطق ذهب
البعض وفي المقدمة التيار الوطني الحر، ومن خلفه كما بات واضحاً رئيس الجمهورية،
إلى تبنّي هذا التفسير والتحذير من مغبة انتقال الصلاحيات إلى حكومة تصريف
الأعمال، بل ولوّح عبر طرق غير مباشرة باللجوء إلى سحب التكليف من رئيس الحكومة
المكلف نجيب ميقاتي، وتكليف رئيس الجمهورية لشخصية أخرى تشكيل حكومة انتقالية، على
الأرجح ستكون برئاسة صهره النائب جبران باسيل، وهذا بكل تأكيد خلافاً للدستور
والصلاحيات الممنوحة للرئيس وللأعراف المعمول بها.
لبنان إذاً أمام منعطف خطير
خلال الشهرين المقبلين، وما يصح تسميته حرب الصلاحيات أو الاجتهادات الدستورية
الخادمة لمنطق المحاصصة والمكاسب السياسية قد تعيد إنتاج الحرب في لبنان وتدخله في
أزمات جديدة هو بغنى عنها فضلاً عن أنّه ليس له قدرة على تحمّلها. المنطق الطبيعي
الذي يفترض أن يسود ويحكم المرحلة المقبلة هو في انتخاب المجلس النيابي لرئيس جديد
للبنان خلال مهلة الشهرين المتبقيين، وفي حال عدم التمكّن من ذلك ذهاب الرئيس
ميشال عون إلى منزله عند انتهاء ولايته، وأن تنتقل الصلاحيات المقرّة له دستورياً
إلى الحكومة مجتمعة، وليس إلى رئيسها، خاصة وأنّ هذه الحكومة، وكما يعرف الجميع هي
حكومة المحاصصة المقنّعة التي توارت فيها الأحزاب والقوى السياسية وراء شخصيات
محترمة ولكنّها محسوبة ومصنّفة سياسياً. فلماذا الخوف أولاً من انتخاب رئيس جديد
يكون موضع توافق الجميع ومحل ثقتهم؟! ولماذا لا الخوف من انتقال الصلاحيات إلى
الحكومة في حال الفشل في انتخاب الرئيس؟! ولماذا الاطمئنان إلى هذا الحدّ إلى
تجاوز كل الاعتبارات التي يمكن أن تعيد إنتاج الحرب وكأنّ في لبنان من يريد
إنتاجها لحساب الخارج حتى لو كان ذلك على حساب اللبنانيين بمن فيهم أولئك الذي
يجري الحديث باسم وادعاء الدفاع عنهم.
د.
وائل نجم