عن اليوم الطبيعي لانتقال السلطة في لبنان !
العدد 1529 /21-9-2022
د. وائل نجم
هناك قلق حقيقي
وواضح من عدم إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري الذي بدأ في الأول من
أيلول ويستمر لغاية الواحد والثلاثين من تشرين الأول المقبل. فالقوى السياسية التي
أفرزت كتلاً نيابية ما زالت تقدّم المصلحة الفئوية الخاصة والطائفية على ما سواها
من مصلحة وطنية عامّة وجامعة. ونوايا البعض في احتكار أو مصادرة الاستحقاق من أجل
فرض رئيس جديد للبلاد على غرار ما حصل في العام 2014 وصولاً إلى العام 2016 باتت
مكشوفة ومفضوحة. والرئيس، حتى الرئيس الذي تشارف ولايته على الانتهاء بعد عدّة
أسابيع يتصرّف كما لو أنّه يريد أن يورّث المقعد إلى أحد الورثة كما في الأنظمة
الملكية، وهنا بالطبع هو الصهر جبران باسيل. والتدخلات الدولية والإقليمية لا يمكن
تجاهلها حيال الاستحقاق وكلّ طرف يريد أن يُدخل هذا الاستحقاق في
"بازاره" للبيع والشراء والمقايضة. لكل ذلك نعم هناك خوف وقلق من عدم
إجراء الاستحقاق في موعده، وبالتالي الوصول إلى موعد انتهاء الولاية الرئاسية
والدخول في الشغور أو الفراغ.
آخر إبداعات فخامة
الرئيس حديثه عن الاستحقاق والرحيل عن قصر بعبدا إذا كان اليوم يوماً طبيعياً!.
ومسألة الطبيعة هنا تختلف من إنسان إلى آخر، ومن فهم إلى آخر، فهي مسألة نسبية
تتعلّق بنظرة كلّ إنسان. فهناك من يرى أنّ اليوم المشمس في نهاية شهر تشرين الأول
يوماً طبيعياً، وبخلافه فإنّ هناك من يرى ذلك يوماً غير طبيعي في هذا التوقيت.
وهناك من يرى أنّ درجة الحرارة في هذا اليوم إذا كانت عند مستوى معيّن يكون اليوم
طبيعاً، وبخلافه فإنّ آخر قد يرى ذلك اليوم غير طبيعي. وهناك من يرى أنّ ذاك اليوم
إذا كان يشبه اليوم الذي سبقه فهو طبيعياً، وهناك من يرى عكس ذلك لأنّ كلا اليومين
ليس طبيعياً. فالطبيعة هي مسألة نسبية لا يمكن قياسها، وبالتالي من غير الممكن
قياس مسألة اليوم الطبيعي الذي تحدّث عنه فخامة الرئيس إلاّ من خلال مقياسه هو
لهذا اليوم، وبالتالي إمّا الاحتكام لهذا الفهم أو رفضه والاتجاه نحو ما أقرّه ونطق
به الدستور والقانون.
وفي سياق الحديث عن
اليوم الطبيعي والطبيعة فإنّ شيئاً في لبنان لم يبقَ على طبيعته. فلا الماء ولا
الغذاء ولا الكهرباء ولا الدواء ولا التعليم ولا الاتصالات ولا أي شيء بقي على
طبيعته في هذا البلد خلال السنوات الأخيرة، فمن أين يأتي الحديث عن الطبيعة؟! كل
شيء تغيّر، بل تراجع إلى الوراء وتقهقر، وبالتالي فلا معنى للحديث عن اليوم
الطبيعي.
إنّ الشيء الطبيعي
الذي يجب أن يحصل قبل ذلك اليوم هو تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية قادر على جمع
اللبنانيين حوله ويحظى بثقة الجميع. والشيء الطبيعي الآخر فيما لو لم يُنجز
الانتخاب، قبل ذلك اليوم المنتظر هو أن تنتهي الولاية ويتوجّه الرئيس إلى
اللبنانيين بكلمة شكر على صبرهم وتحمّلهم كل ما أصابهم. والشيء الطبيعي الآخر هو
أن تنتقل صلاحيات الرئاسة إلى الحكومة والمباشرة الفورية بانتخاب رئيس للجمهورية
وبدء مسار التعافي بعد هذه المدّة الطويلة من المعاناة والأزمات التي حوّلت لبنان
إلى ما يشبه "الجحيم" الدنيوي .
د. وائل نجم