العدد 1644 /25-12-2024
د. وائل نجم

سريعاً وكعادته قطع وليد جنبلاط الحواجز وعبر نحو دمشق حيث السلطة الجديدة المنبثقة من ثورة الشعب السوري ومعاناته، وهناك وجد جنبلاط نفسه في قصر الشعب حيث غابت الدولة الأسدية التي استحوذت على السلطة والحكم طيلة أكثر من نصف قرن من الزمن، وحضرت الدولة الشرعية (نسبة إلى أحمد الشرع) ولأنّها تمثّل بالحدّ الأدنى ثورة الشعب السوري بانتظار أن تكتمل المرحلة الانتقالية ويتمّ تأسيس دستور جديد، وسلطة جديد منبثقة عن الشعب عبر صناديق الاقتراع لتعزيز شرعيتها وسطلتها على كلّ السوريين.

في قصر الشعب قدّم جنبلاط التهنئة للقيادة الجديدة على إنجاز الهدف الكبير الذي تطّلع الشعب السوري، وأوصى بتحويل ملف الحكّام السابقين إلى المحاكمة، وحتى الدولية، والإبقاء على السجون كما هي حتى تظلّ شاهدة على حقبة من الاستبداد والجريمة المنظمة التي لا ينبغي أن تنساها الأجيال.

وفي قصر الشعب سمع جنبلاط من الشرع أنّ السلطة الجديدة على مسافة من كلّ اللبنانيين، وتريد للبنان الخير والاستقرار والازدهار، ولا تريد أن تتدخّل بشؤونه بل ستحترم سيادته وأمنه واستقراره.

لقد أكّد جنبلاط مرّة أخرى وجديدة أنّه زعيم وطني من الطراز الأول، فهو سبق القيادات الرسمية للدولة اللبنانية إلى دمشق ليفتح طريقاً من أجل علاقات لبنانية سورية تقوم على الاحترام والتعاون، علماً أنّه لا يشغل حالياً أيّ موقع رسمي، بينما تتلكأ الجهات الرسمية حتى الآن في طرْق أيّ باب من أجل تأمين علاقات سورية لبنانية تحفظ أمن واستقرار البلدين ومصالحهما.

وبالتأكيد فإنّ لبنان الذي يرتبط بسوريا بحدود طويلة من الجهتين الشرقية والشمالية، وبعلاقات اجتماعية وأسرية واسعة ومتشعبة، وبتاريخ مشترك من التحدّيات والأهداف والمشتركات، هو بحاجة اليوم إلى ترتيب العلاقة مع السلطة والحكم الجديد في سورية، خاصة وأنّ المرحلة الماضية كانت مرحلة يمكن القول فيها إنّ حلفاء النظام المخلوع كان لهم الكلمة الفصل في السلطة في لبنان، وبالتالي فإنّ البقاء على تلك الحالة سيفقد لبنان الكثير من الخير والمصالح التي ينبغي العمل عليها مع الحكم الجديد.

لقد حملت كلمات القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، رسائل إيجابية عديدة وكثيرة تجاه اللبنانيين، بمن فيهم أولئك الذين انخرطوا في مواجهات وقتال دفاعاً عن النظام المخلوع، فهو تحدث عن علاقة ومسافة واحدة مع كل اللبنانيين ولم يستثن أحداً، وهو تحدّث عن احترام سيادة ومن واستقرار لبنان، ما احترم اللبنانيون أمن وسيادة واستقرار سورية، وهو تحدّث عن طموح لتطوير سورية ولبنان معاً، ولم يتحدّث عن قطيعة أو حساب عن الماضي.

الكرة الآن في ملعب الحكومة اللبنانية، وعليها أن تبادر إلى فتح هذه العلاقة من جديد والعمل على تطويرها، والإفادة من الأجواء الإيجابية المطروحة دون إبطاء، فهذه الدول العربية الشقيقية قد أرسلت وفودها إلى دمشق لترتيب علاقاتها مع أنّ بعضها ليس له حدود مع سورية، بينما نحن وسورية بيننا التاريخ والجغرافيا والمصالح.

أمّا على المستوى الشعبي فإنّ القوى التي انخرطت في قتال الشعب السوري أمام فرصة تاريخية أيضاً لجسر الهوّة وطي صفحة الماضي والانخراط في تسويات ومصالحات حقيقية تعيد ربط ما انقطع غير أنّ ذلك قد يحتاج إلى قرار جريء بتقييم المرحلة الماضية، والاعتراف بثقلها، والتوجّه بنيّة صادقة نحو بناء مستقبل يسوده الأمان والثقة.

د. وائل نجم