العدد 1621 /17-7-2024
د. وائل نجم
د. وائل نجم
حلّت خلال الأسبوع الجاري ذكرى مناسبة استشهاد الحسين بن علي رضي الله
عنهما في كربلاء بالعراق، وكان ذلك في اليوم العاشر من محرّم. وقد شكّلت هذه
الواقعة محطّة فارقة في تاريخ العالم الإسلامي خاصة وأنّ الشهيد فيها هو سبط النبي
(صلى الله عليه وسلّم) وسيّد شباب أهل الجنّة، وقد كان سبب شهادته أنّه خرج مصلحاً
وباذلاً لجهده من أجل إعادة الأمور إلى نصابها لناحية تأمين سبل الاستقرار
والعدالة على مستوى الأمّة، فكانت شهادته في هذا السبيل؛ سبيل الجمع لا القسمة،
وسبيل نصرة المظلوم وأقامة العدالة وتأمين الاستقرار لا الاستيلاء على السلطة
لمجرد السيطرة على الملك والجاه والدنيا.
لجأت مجموعات من المسلمين إلى إحياء معاني هذه المناسبة كلٌّ على طريقته
ووفق ظروفه، ولكنّ الجميع متفق على المعاني الأساسية التي تتلخّص بشكل عام برفع
الظلم والاضطهاد والعمل لنصرة المظلوم والمستضعف. وكلّ ما يخرج عن هذه المعاني لا
يعود يمتّ إلى المناسبة والذكرى بصلة.
خلال العقدين الأخيرين جهدت أطراف عديدة داخلية وخارجية وعبر برامج منظّمة
على إشعال فتيل الفتنة بين مكوّنات البلد والمنطقة، وخاصة المسلمين منهم، لما لمثل
هذه الفتنة من تأثير سلبي على دور المنطقة ومكوّناتها، وكجزء من محاولات تلك
الأطراف وضع اليد بشكل كامل وطويل الأمد على مقدرات وخيرات وثروات منطقتنا بهدف
إخضاعها والتحكّم بها. ولعلّ ذلك تجلّى بشكل واضح قبل سنوات بما سُمّي بـ
"مشروع صفقة القرن".
اليوم، المنطقة وفي ظلّ العدوان الإسرائيلي الهمجي والواسع الذي يستهدف
قطاع غزّة وجنوب لبنان، والمدعوم والمُغطّى غربياً من أغلب الدول، والذي يستهدف
الشعب الفلسطيني بوجوده وبقائه، ويستهدف المنطقة بدورها وقيمتها، ويستهدف الأمّة
بمقدساتها، تأتي هذه المناسبة الذكرى لتشكّل نقطة جمع لمكوّنات المنطقة والأمّة،
بهدف مواجهة هذا المشروع الغربي الاستئصالي الذي يستهدف الجميع دون استنثاء، لأنّه
مشروع يريد أن يفرض هيمنته وسيطرته وسطوته على الجميع، ويحوّل أبناء المنطقة إلى
حالة من العبودية المقنّعة، وبالتالي فإنّ المطلوب أن يصطفّ الجميع، بغضّ النظر عن
توجهاتهم الدينية والفكرية والسياسية، لمواجهة هذا العدوان، وبهدف رفع الظلم الذي
سيلحق بالجميع من ناحية، وبهدف الوصول إلى نقطة يجتمع عليها الجميع تكون نقطة
انطلاق لإصلاح الواقع القائم المشبع بالاصطفافات المختلفة من ناحية، والمحكوم
بالفساد المستشري في ناحية ثانية، في حين أنّ من معاني الذكرى أن يجتمع الناس من
أجل تعزيز معاني الحقّ والحريّة والعدالة الضامنة لأمن المجتمع واستقراره بحيث لا
يكون فيه مظلوم ولا ظالم مستبد.
بهذا المعنى فإنّ الجميع مدعو للتفكير بهذا الاتجاه، وإدارة حوار داخل، حتى
مع النفس، من أجل الخروج من منطق الفئويات الضارة، وعقلية الانعزال، أو تفكير
السطو والاستبداد على حياة ومستقبل الآخرين تحت أي عنوان من العناوين. وإلّا فإنّ
الذكرى والمناسبة تبقى قاصرة عمّا أراده صاحبها عندما خرج ينشد ويريد الإصلاح في
أمّة جدّه من أجل خيرية وصلاح هذه الأمّة.
بيروت في 17/7/2024