العدد 1637 /6-11-2024
د. وائل نجم

د. وائل نجم

تعيش المنطقة العربية حالة من الركود غير المسبوق مع أنّها تقف اليوم على مفترق طرق يمكن أن يحدّد مصيرها ومستقبلها لنصف قرن أو أكثر من الزمان.

فالنوايا الإسرائيلية بتغيير النظام في المنطقة العربية، بمعنى إخضاع هذه المنطقة للهيمنة والسيطرة الإسرائيلية بات واضحاً ولا يحتاج إلى كبير دليل، ولكن هذا قد يتطلّب إجراء تعديلات سياسية وجغرافية وديمغرافية حتى يتمّ إنجازه وقد اتضح ذلك أكثر من خلال تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية حين أعلن بعد تحقيق بعض الإنجازات التكتيكية في حربه على لبنان عن اعتزامه تغيير النظام في هذا البلد كمقدّمة لتغيير نظام المنطقة كلّها؛ وكذلك مت صرّح به وزير ماليته سموتريتش من فرنسا عن نيّة إقامة "إسرائيل الكبرى" الممتدة بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق، شاطباً من الخريطة كلّاً من: فلسطين، سوريا، الأردن، وأجزاء من تركيا، مصر، السعودية، الكويت، السودان والعراق.

على الرغم من اتضاح أهداف ونوايا الحرب الإسرائيلية في المنطقة، غير أنّ العرب على مستوى الأنظمة والحكومات وحتى الشعوب ما زالوا وكأنّهم غير معنيين بما يجري، أو كأنّ الذي يجري إنّما يجري على كوكب آخر، أو كأنّ الذي يجري لن يطالهم بشيء! والسؤال، هل للعرب، وهنا أتحدث عن الحكومات والأنظمة تحديداً، هل لهم مصلحة بأن تصبح إسرائيل سيّدة المنطقة المطلقة التي تأمر فتُطاع؟

رئاسة نتنياهو لحكومة إسرائيل لن تدوم إلى الأبد، بل الرجل يمكن أن يمثل أمام القضاء الإسرائيلي في أول لحظة لتوقّف الحرب؛ والفاعلون الرئيسيون في إسرائيل اليوم هم المنتمون إلى التيارات القومية والدينية المتطرّفة التي ترى في الناس التي تملأ المحيط الجغرافي مجرد "غوييم" (حيوانات بشرية خُلقت لخدمتهم)، وحشرات يمكن الدوس عليها في أيّة لحظة دونما أن يهتزّ ضمير أو وجدان لديهم إن وُجد!. ومستقبل إسرائيل السياسي وكما يبدو من خلال نتائج الانتخابات على مدى العقود الأخيرة يقع بيد هؤلاء المتطرّفين أكثر فأكثر، وبالتالي فإنّهم سيكونون صنّاع القرار في دولة إسرائيل المستقبل، والقادة الذين يتخذون القرارات فيها، وهنا لنا أن نتخيّل كيف سيدير "بن غفير" و"سموتريتش" وأضرابهم من المتطرفين القومين والدينيين "إسرائيل الكبرى" فيما لو تمّ لهم السيطرة وإخضاع ما بين النيل والفرات! هل سيكون لأحد من العرب قيمة بنظرهم وهم الذين سيجدون أنفسهم في أعلى قمّة القوّة والزهو؟! هل سيتركون للملوك والرؤساء والأمراء فرصة للتمتّع بالمال والثروات؟ أم ترى يرونهم كما يرون بقية الشعوب العربية "غوييم"؟! وبالتالي لا يستحقّون هذا الاستمتاع بالثروة والسلطة والملك فيعملون على مصادرة أموال وثروات الرؤساء والملوك والأمراء وكل مَن وما يقع تحت يديهم؟

غريب جدّاً حالة الركود التي يعيشها العرب في هذه الأيّام أمام هذه التحدّيات، فالمستهدف أمنهم ومنطقتهم وثرواتهم وأنظمتهم وقواهم الحيّة الشعبية، وكلّ شيء يشي بأنّ له قيمة، ومع ذلك تستمر حالة الركود والركون!!

إنّ ما يجب أن يدركه الجميع أنّهم كلّهم سيكونون ضحايا هذا الاستهداف وهذه المشاريع والخطط الخبيثة والخطيرة، وعليه فإنّ مقاومة غزّة ولبنان اليوم، وبغض النظر عن الموقف من المقاتلين فيها، هي بحقّ مقاومة تدافع عن مصير الأمّة والمنطقة حتى لا تقع بأيدي بن غفير وسمتوتريتش ونتنياهو وأمثالهم، وحتى لا يتحوّل عموم الناس فيها إلى مجرد حيوانات تستحق الموت والدهس كما قال يوماً وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت عن أهل غزة.

آن لزمن الركود أن ينتهي، وآن لزمن الحضور أن يبدأ وذلك من خلال إعادة النظر بكلّ شيء. ما زال بيد العرب إمكانيات وفرص لقلب الطاولة على رؤوس كل الطامعين بهم، وأمّا استمرار حالة الركود فسيعني وقوع المنطقة لعقود جديدة بيد أخبث الناس، وحينها لن ينفع البكاء على أطلال القصور والممتلكات.

بيروت في 6/11/2024