العدد 1629 /11-9-2024
د. وائل نجم
منذ أن
احتلت بريطانيا فلسطين ومنحت "حق" إقامة دولة قومية لليهود فيها وقع على
عاتق الشعب الفلسطيني واجب الدفاع عن أرضه والتمسّك بها حتى آخر رمق، ومنع سقوطها
ابتداءً بأيدي الصهاينة، والعمل على تحريرها بعد تواطؤ بريطانيا ودول العالم على
تسليمها للصهاينة وإقامة ما يُسمّى بـ "دولة إسرائيل" على أرضها، وقد
أدّى الشعب الفلسطيني وما يزال دوره وواجبه في هذا الإطار مقدّماً مئات آلاف
الشهداء والجرحى، فضلاً عن حملات التهجير والتنكيل التي مورست بحقّهم في محاولة
لمسح الذاكرة الفلسطينية وإلغاء فلسطين منها.
ومنذ اللحظة
الأولى لإعلان ما سُمّي بـ "دولة إسرائيل" وقع على عاتق الدول والشعوب
العربية والإسلامية واجب نصرة الشعب الفلسطيني وتقديم كلّ مستلزمات الصمود والجهاد
للقيام بدوره وواجبه، وصولاً إلى واجب الانخراط معه في مجاهدة المحتلين ليس على
قاعدة المنيّة، ولكن على قاعدة الوجوب الديني والشرعي والقومي والإنساني، ولا
سيّما دول الطوق وشعوبها، أيّ الدول التي تحيط بفلسطين وهي : مصر، الأردن، سوريا،
ولبنان، دون أن يعفي ذلك بقيّة الدول والشعوب العربية والإسلامية من هذا الوجوب
ولكن بمقدار ربما يكون أقلّ في بعض الأحيان والظروف، وربما يكون أكثر في أحيان
وظروف أخرى.
وحيث أنّ الشعب الفلسطيني يتعرّض منذ قرابة
أحد عشر شهراً لحملة إبادة جماعية تستهدف القضاء عليه أو تهجيره من أرضه في غزة
والضفة الغربية وبقيّة الأراضي الفلسطينية، وحيث أنّه قد صمد وسطّر أروع وأبهى صور
الصمود والبسالة في مواجهة آلة الاحتلال الضخمة والمجرمة والمجرّدة من كلّ
إنسانية؛ وحيث أنّه قدّم عشرات آلاف الشهداء، ومئات آلاف الجرحى، وملايين
المشرّدين والنازحين، وما زالت الجريمة مستمرة بحقّه، فإنّ من أوجب واجبات الدول
العربية والإسلامية وشعوبها النهضة لمساعدة ونصرة الشعب الفلسطيني، ولا سيمّا دول
الطوق وشعوبها، خاصة وأنّ المشروع الصهيوني، وكما بات واضحاً للعيان، يستهدف أيضاً
هذه الدول وشعوبها تهجيراً وتشريداً وسيطرة على مقدراتها وثرواتها وقضاءً على
تطلعات شعوبها وأملهم بمستقبل أفضل لأبنائهم.
لا أريد أن
أتحدث عن واجب الحكومات والأنظمة، فأكثرها تعيش حالة العجز والتردّي، وهذا ليس
تبريراً لها، ولكنّ "الضّرب بالميّت حرام". ولكنّي أريد أن ألفت إلى دور
الشعوب في نصرة الشعب الفلسطيني، وفي مشاركته صناعة المستقبل لهذه المنطقة، لأنّه
علينا أن نتذكّر أنّ هذا الشعب أسقط أسطورة هذا الكيان المزعوم، وأنهى جبروته في
السابع من أكتوبر من العام 2023 عندما حطّم رجال المقاومة الفلسطينية أسطوة جيش
الاحتلال ومرّغوا أنفه بالتراب، وما هذه
الجريمة الصهيونية المستمرة إلاّ لأنّهم أدركوا زوال كيانهم قريباً.
وبالعودة إلى دور الشعوب، فإنّ الشعب
اللبناني قام بواجبه، أو بجزء من واجبه على أقلّ تقدير في مساعدة ونصرة الشعب
الفلسطين من خلال استنزاف قوات الاحتلال وإشغالها عن العمل بشكل مريح في عدوانه
على غزة وعلى الضفة الغربية، وبغضّ النظر عن حجم النتائج التي ترتّبت على هذه
المشاركة اللبنانية، غير أنّها مشاركة أبرأت الذمّة وما تزال.
قبل أيام
نفّذ جندي سابق في الجيش الأردني وأحد أبناء أكبر العشائر الأردنية عملية جريئة
واستشهادية على معبر الكرامة بين الأردن والضفة الغربية، وقتل بمسدسه الحربي ثلاثة
جنود صهاينة انتقاماً للأطفال والنساء الشهداء في فلسطيني اللذين ارتقوا بآلة
القدر الصهيونية. نفّذ هذا الجندي البطل هذه العملية وهو يدرك تماماً أنّه لن يعود
منها إلاّ شهيداً، وقد استقبلته عشيرته بطلاً مغاورً أدّى دوراً كبيراً، وصنع
مكانة عالية لعشيرته وللأردن أيضاً، وفتح باباً للشباب الأردني للقيام بهذا الواجب
المقدّس، خاصة وأنّ أطماع القادة الصهاينة لم تعد خافية بالأدرن وأهله وخيراته.
وفي مصر
أيضاً جرى تداول أنباء عن تبادل إطلاق النار عند الحدود في سيناء بين جنود مصريين
وجنود الاحتلال الإسرائيلي، وهذا دلالة أخرى على مدى غضب الشعوب العربية
والإسلامية لما يجري بحقّ الشعب الفلسطيني على مرآى ومسمع من العالم، وقد تكون هذه
بداية التحركات المصرية الشعبية لنصرة الشعب الفلسطيني ليس عبر التظاهرات فقط حول
السفارة الإسرائيلية وإنّما عبر الضغط المباشر والقوّة الوحيدة التي تفهمها
"إسرائيل".
بهذا المعنى
فإنّ دول الطوق على مستوى الحكومات الشعوب مطالبة بزيادة الضغط على هذا الكيان
وعلى داعميه للتخفيف عن الشعب الفلسطيني، ومن أجل ضمان الأمن القومي لهذه الدول
أيضاً بعدما صارت النوايا الإسرائيلية واضحة، ولعلّه إذا كانت لا تملك الإمكانية
للمواجهة المباشرة خوفاً من داعمي كيان الاحتلال، فلعلّ في غضّ الطرف والنظر عن
مبادرات الشعوب فهي كفيلة بصناعة رعب حقيقي في هذا الكيان سيكون كفيلاً بطرد
المستوطنين منه إلى حيث جاؤوا وبهذا ستنتهي هذه الأسطورة وستضمن هذه الدول وشعوبها
أمنها القومي المهدد بـ "إسرائيل" على الدوام.
د. وائل نجم