العدد 1617 /12-6-2024
د. وائل نجم
وأخيراً وبعد دخول العدوان على غزة شهره
التاسع، وبعد أن أيقنت الولايات المتحدة أنّ قوات الاحتلال فشلت في إحراز أي هدف
من أهدافها في غزة، وبعد هذا الكمّ الهائل من المجازر بحقّ الأطفال والنساء
والشيوخ، وبعد تدمير البنية التحتية والفوقية لمدينة غزّة وبقية القطاع، تقدّمت
الولايات المتحدة هي نفسها بمشروع قرار أمام مجلس الأمن لوقف النار في غزة، فيما
كانت قد أفشلت عشرات المحاولات التي بذلتها دول عربية وصديقة لوقف النار في غزّة
وتجنيب المدنيين وأهالي القطاع هذا الدمار والخراب الذي ألحقته بهم آلة القتل
الإسرائيلية وكان آخر هذا الفصول المجزرة التي ارتكبتها هذه القوات في مخيم
النصيرات وذهب فيها أكثر من مئتي شهيد ومئات الجرحى تحت عنوان تحرير أربعة أسرى من
أسرى قوات الاحتلال والمستوطنين الذين سقطوا بأيدي المقاومة الفلسطينية في السابع
من أكتوبر من العام 2023.
لكن، هل فعلاً أقتنعت الولايات المتحدة
بوقف إطلاق النار؟! أم ترى أنّها تريد أن ترخج بوجه أبيض بعد هذا الكمّ الهائل من
المجازر وأعداد الضحايا والشهداء؟! هل فعلاً تريد أن تضع حدّاً للحرب والعدوان أم
ترى تريد أن تلجأ إلى طرق ووسائل وأساليب أخرى من أجل خداع المقاومة الفلسطينية
وإلحاق الهزيمة بها والأذى بالشعب الفلسطيني؟! وهل فعلاً تريد الولايات المتحدة و ضع حدّ لأوزار الحرب أم ترى تريد إدارتها
كسب ثقة الناخبين الأمريكيين في معركة الرئاسة القادمة إذ أنّ المشهد الحالي بات
يشكّل كابوساً على هذه الإدارة لناحية النتائج المرجوّة والمتوقعة لتلك
الانتخابات؟!
لا يبدو أنّ الولايات المتحدة تتحرك في
ملف إنهاء الحرب والعدوان على غزة من منطلق أخلاقي ينسجم على أقلّ تقدير مع
المبادىء التي تحملها، ولكنّها تتحرك بدافع مصلحي بعدما تبيّن لها عجز وفشل
الاحتلال في سحق المقاومة الفلسطينية وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية والتمدّد
على حسابها في المنطقة. فعلى الرغم من المجازر التي ارتبكتها وما تزال قوات
الاحتلال، وعلى الرغم من إفشال حكومة هذا الكيان لكل المبادرات التي قدّمتها
الولايات المتحدة نفسها لوقف النار في غزة في وقت سابق وإطلاق سراح الأسرى، وعلى
الرغم من الزيارات المتكرّرة لمسوؤليين كثر في الإدارة الأمريكية إلى المنطقة
واستعطافهم نتنياهو لقبول وقف النار وقبول المبادرة الأمريكية، وبعد رفض دائم لكل
الصيع التي قدّمها الوسطاء، يأتي وزير الخارجية الأمريكي ليحمّل حركة المقاومة
الإسلامية (حماس) مسؤولية أي فشل لتطبيق قرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار،
فيما يعفي "إسرائيل" من أيّة مسؤولية مع أنّها كانت هي التي تعطّل
دائماً أي مسعى لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى. لذا يبدو أنّ الولايات المتحدة
وحتى من خلال قرار مجلس الأمن الذي قدّمته ورعته وأمّنت له سبل الوصول إلى قرار
أممي، بعدما كانت أفشلت بالفيتو كل المساعي والمشاريع السابقة بهذا الاتجاه، تريد
الولايات المتحدة أن تنجز تحت عنوان قرار مجلس الأمن ما لم تستطع قوات الاحتلال
الإسرائيلي إنجازه في ميدان القتال، ولذلك يهدّد ويحمّل مسؤولية الإخفاق لحماس
مسبقاً.
قرار مجلس الأمن الخاص بغزّة والداعي إلى
وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى وانسحاب قوات الاحتلال وإعادة الإعمار جاء
بصيغ مبهمة وحمّالة أوجه ومعاني، وبالتالي فإنّ من حقّ الشعب الفلسطيني ومقاومته
أن يطلب إيضاحات، بل وضمانات بخصوص هذه العناوين قبل الشروع في أي عمل تنفيذي،
وإلاّ فإنّ الركون إلى هذا القرار باعتباره أممياً لا يحمل أيّة ضمانة حقيقة لأيّ
عنوان من العناوين المدرجة في متنه.
صحيح أنّ الشعب الفلسطيني وغزة دفعت
الكثير من الأثمان، ولكن هذا ربع الشوط الأخير الذي يحتاج إلى القليل من الصبر حتى
يخضع الطرف الآخر بشكل كامل، فلولا أنّ الاحتلال بات يعيش العقدة والأزمة الفعلية
في حربه على غزّة لما تبرّع الأمريكي بإصدار قرار من مجلس الأمن. إنّ هذا وحده
يعكس حجم الحاجة عند هذا الطرف لوقف النار، ولكن لا بدّ أن يدفع الثمن والتعويض
أيضاً قبل أن يهدأ له بال.
د. وائل نجم