العدد 1577 /30-8-2023

دعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الهيئات الناخبة لانتخاب المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في الأول من تشرين الأول من العام الجاري 2023.

وسبق أن نظّم المفتي انتخابات المفتين في بعض المحافظات اللبنانية التي كانت تشهد شغوراً في المنصب أو أنّ ولاية المفتي فيها كانت قد انتهت بحسب المواد القانونية الناظمة وذلك في 18 كانون الأول من العام الماضي 2022.

والحقيقة أنّ هذا العمل يُسجّل لدار الفتوى وللمفتي دريان على الرغم من أنّ إجراء أي انتخابات في أيّة مؤسسة يُعدّ أمراً بديهياً وإنفاذاً للقوانين والأنظمة التي تخضع لها تلك المؤسسات، ودار الفتوى ومؤسساتها الملحقة بها أو التابعة لها كغيرها لها أنظمتها وقوانينها الناظمة بغض النظر عن الحاجة إلى تعديل أو بالأحرى تطوير بعض القوانين كي تتمكن الدار ومؤسساتها من مواكبة مستجدات العصر من ناحية، وضمان الدينامية والحيوية فيها من ناحية ثانية وهو الشيء الذي قصده المفتي دريان عندما دعا سابقاً إلى ملء الفراغ في منصب الافتاء في بعض المناطق.

والحديث عن إنجاز يُسجّل للمفتي في إجراء الانتخابات في مؤسسات الدار لأنّنا بتنا في بلد تتعطّل فيه الانتخابات في معظم وأغلب المرافق بحجج واهية وذرائع لا تُقبل ومن دون نظر إلى مآلات التعطيل. فها قد مضى مثلاً على الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى قرابة العام تقريباً ولم يتحرّك ساكن فيها. الجميع يتمسّك بموقفه من الاستحقاق الرئاسي من دون أدنى شعور بالمسؤولية والحسّ الوطني في ظلّ الأزمة الحادّة التي يعيشها الوطن على الصعد الاقتصادية والاجتماعية وربما لاحقاً الأمنية أيضاً. يتمّ تعطيل الانتخابات دونما اعتبار لأيّ شيء، بينما يذهب مفتي الجمهورية لإجراء انتخابات المفتين سابقاً والمجلس الشرعي الإسلامي حالياً ليوكّد على أنّ المؤسسات الإسلامية محكومة بالشورى والنظام فيها سيّد الموقف والقانون هو المحترم وأنّها مؤسسات تعلو ولا يعلوها شيء. هنا تأتي قيمة إجراء الانتخابات في التركيز على مبدأ الشورى، أو الديمقراطية التي يتشدّق بها كثيرون ثم تراهم يجعلونها كـ "إله" من تمر يأكلونه عندما يجوعون. دار الفتوى والمفتي دريان يؤكّد من خلال إجراء الانتخابات عمق الإيمان بفكرة التداول على السلطة والنهج المؤسسي والتجديد في دم المؤسسات لضمان استمرارها وحسن عملها، بخلاف ما يجري على صعيد الوطن حيث يتعامل الكثيرون كما لو أنّ هذا الوطن عبارة عن شركة يريد كلٌّ منهم أن ينهب منها ما يستطيع ولتقع بعد ذلك على رؤوس الآخرين.

أن يُسجّل لدار الفتوى والمفتي دريان هذا الشيء فهذا أمر طيّب وجميل، وأن يتمّ استكمال هذا الانجاز بالعمل من أجل تطوير وتحديث الأنظمة والقوانين المتصلة بالدار ومؤسساتها الوقفية وغيرها سيكون أمراً أطيب وأجمل، خاصة وأنّ الحاجة ملحّة لذلك في ظلّ التحدّيات الماثلة أمام الوطن، وأمام هذا المكوّن الأساسي والمؤسس والضامن فيه، ولعلّ في مقدمة الأمور التي تحتاج إلى إعادة نظر قضية الهيئات الناخبة، فضلاً عن الكثير من القوانين المتصلّة بتحديث وتطوير الوقف حتى يؤدّي الدور الذي كان يؤدّيه تاريخياً، وهي مسؤولية ستكون ملقاة على عاتق المجلس الشرعي الجديد المنتظر وعلى حكمة صاحب السماحة في ذلك.

تبقى مسألة وهي المنافسة في الوصول إلى عضوية المجلس وهي مشروعة طالما الهدف منها التنافس على عمل الخير والصالح العام، وطالما أنّها لا تخرج عن إطار ذلك وتتحوّل إلى شحناء وبغضاء وغيرها، فالعضوية في المجلس الشرعي هي مسؤولية أمام الله وتكليف وليس تشريفاً، وعلى أمل أن يسود جو الود والتوافق والاتفاق أو المنافسة الشريفة التي لا تفسد الود بين المتنافسين.

د. وائل نجم