العدد 1628 /4-9-2024
د. وائل نجم
د. وائل نجم
وأخيراً وبعد قرابة أحد عشر شهراً
نطق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بكلمة حمّل فيها رئيس حكومة كيان الاحتلال
الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مسؤولية إفشال مفاوضات ووقف إطلاق النار وإطلاق
الأسرى، وحتى إسقاط كل المبادرات الأمريكية تحديداً للوصول إلى هذا الهدف. لقد نطق
بايدن وقال : "إنّ نتنياهو لا يقوم بما يكفي للتوصل لمثل هذا الاتفاق".
بمعنى آخر فإنّ بايدن خفّف قدر الإمكان من مسؤولية نتنياهو على إفشال الاتفاقات
والنكوث بما تمّ التوصّل إليه في لحظة من اللحظات. ولكن لسان حال نتنياهو قال أو
ربما يقول : "حتى أنت يا بايدن". حتى أنت انقلبت على تعهداتك ومواقفك
السابقة بدعمي ودعم "إسرائيل"!!.
والحقيقة أنّ بايدن لم ينقلب على دعم هذا الكيان الغاصب الذي أوغل في دماء
الفلسطينيين والعرب بشكل عام؛ بل على العكس من ذلك فقد وفّر كلّ أسباب الدعم المالي
والعسكري والسياسي والإعلامي لهذا العدوان الواسع والهمجي الذي قتل عشرات آلاف
الفلسطينيين، وجرح وشرّد مئات الآلاف منهم، ودمّر البنية التحتية والفوقية في غزة،
والآن يمارس الفعل ذاته في الضفة الغربية في محاولة لتهجير الفلسطينيين من هاتين
المنطقتين وصولاً إلى الانتقال بهذا الكيان من هذا الشكل القائم حالياً إلى دولة
يهودية صافية عرقياً ودينياً.
الحقيقة أنّ ما يقوم به نتنياهو هو ما يريده بايدن والإدارة الأمريكية،
ولكنّ لكلّ منهما أسلوبه الخاص في تحقيق الأهداف التي يريدانها. نتنياهو يريدها
بالقوّة المفرطة والمدمّرة لاعتبارات خاصة به، وبايدن يريدها بالهدوء الذي لا يترك
أثراً للجريمة خلفه لاعتبارات خاصة به أيضاً، أو ربما يريد تحقيقها بغير يده بل عن
طريق يد أخرى هي يد نتنياهو.
بهذا المعنى بايدن شريك كامل مع نتنياهو في هذه الجريمة بحقّ الإنسانية
والبشرية، وما التصريح الذي صدر عنه قبل أيام وأشار فيه إلى أنّ نتنياهو لا يقوم
بما يكفي للوصول إلى اتفاق هو من باب ذرّ الرماد في العيون، وإيهام الرأي العام
العربي والغربي بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية غير مسؤولة عن الجرائم، ولا عن
مقتل الأفراد الأمريكيين في الأسر، وأنّ نتنياهو هو المسؤول عن ذلك. كما وأنّه
يريد أن يخدع شركاءه العرب بأنّه وسيط نزيه وعادل في هذه الحرب المجنونة التي يقوم
بها الإسرائيلي بتمويل وتسليح كاملين من إدارة بايدن.
وهنا يبرز السؤال البديهي، إذا كان بايدن يخدع العالم والعرب بهذه المواقف
والتصاريح البعيدة عن الواقع والمناقضة له، فلماذا يصدّق حلفاؤه العرب هذه
الأكاذيب والأوهام؟ ولماذا لا يقومون بردّة فعل حقيقية وجدّية تضع حدّاً لهذه
السخرية الأمريكية بأمة المليار؟! ولماذا هذا الانكفاء العربي وإدارة الظهر لغزّة
وهم الذين يعلمون أنّها خطّ الدفاع الأول عن المنطقة كلّها؟!
آن الآوان للخروج بموقف عربي واضح وواحد يضع حدّاً للصلف الأمريكي قبل
المجزرة الإسرائيلية لأنّه لولا ذاك الصلف لما حصلت تلك المجزرة.