العدد 1575 /16-8-2023
د. وائل نجم
حادثة بلدة الكحّالة
الأخيرة في قضاء عالية أظهرت أظهرت بما يدع مجالاً للشكّ أنّ البلد يعيش على فوّهة
بركان أو على شفير المجهول. فانقلاب شاحنة كانت تحمل، وفق الرواية الرسمية، أسحلة
تعود إلى حزب الله، كادت أن تقلب البلد رأساً على عقب وتدخله في مجهول ربما الحرب
الأهلية المشؤومة في سبعينات وثمانينات القرن العشرين بالنسبة له لا تشكّل شيئاً.
وكشفت أنّ كلّ الحديث عن تحالفات أو تفاهمات أو تعايش يمكن أن يذهب في لحظة انفعال
أدراج الرياح. فالشاحنة التي انقلبت بشكل طبيعي جراء سبب ما على ذاك
"الكوع" (المنعطف) ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وقد اندفع أهالي
البلدة إلى إغاثة الشاحنة أولاً، وعندما اكتشفوا أنّها تحمل أسحلة لحزب الله تحوّل
الموقف إلى رفض مرورها في البلدة، ومن ثمّ رفض رفعها بل ومحاولة وضع اليد على
حمولتها، وتطوّر المشهد إلى إطلاق نار متبادل بين أهالي البلدة وعناصر كانت مولجة
حماية الشاحنة أدّى إلى سقوط قتيلين من الطرفين، وكاد المشهد يشعل فتنة بين حزب
الله والبيئة المسيحية لولا تدارك الموقف وتدخّل الجيش وإنقاذ الوضع عبر استلام
الشاحنة وسوقها من قبل عناصر الجيش إلى مركز عسكري.
تزامنت هذه الحادثة مع
انسداد أفق الحلول السياسية لأزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومع جمود على
مسارات المنطقة المختلفة بما يوحي بأنّ أيّة تسوية أو صفقة قريبة بين الأطراف
الفاعلة في المشهد الإقليمي لن تكون قريبة، وهذا وحده كفيل برفع منسوب القلق في
لبنان لناحية استخدامه ساحة لتنفيس الاحتقان الإقليمي والدولي، أو وسيلة من وسائل الضغط
المتبادلة بين الأطراف المعنية.
صحيح أنّ حادثة الكحالة جاءت عرضية من دون
تخطيط أو تصميم من أي طرف، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّها كادت تحوّل البلد إلى مسار
آخر، وربما جرى استغلال ذلك من قبل أطراف داخلية أو خارجية لتكون الحادثة محاولة
لتعميم الفوضى المنظّمة والمحدودة في لبنان بهدف شغْل بعض القوى اللبنانية عن
الاهتمامات الخارجية واستنزافها في الرمال اللبنانية، وهو ما يمكن أن يجعلها تراجع
حساباتها وتتخلّى عن بعض مواقفها الداخلية لصالح إنتاج تسوية معيّنة ولو كانت
ظرفية أو مؤقّتة.
غير أنّ هذه الحسابات قد لا
تتطابق مع حسابات البيدر، بل ربّما تتدحرج الفوضى والأمور إلى ما هو أصعب وأعقد من
ذلك بما ينشر ظلالاً من الفوضى على كلّ لبنان تكون عبارة عن شكل جديد من أشكال
المراوحة التي يكون فيها الجميع مشغولاً وضعيفاً في الوقت ذاته، وبما لا يسمح لأيّ
طرف داخلي فرض معادلات جديدة في السياسة والأمن والاقتصاد.
لكلّ ذلك ولغيره فإنّ حادثة
الكحّالة، على الرغم من استيعابها، قد تشكّل بداية لما هو أخطر بحيث تكون الفوضى
المنظّمة والمحدودة هي عنوان المرحلة المقبلة وهو ما لا يمكن ضبّطه أو ضمان عدم
خروجه عن إطار ونطاق السيطرة والضبط.
لبنان دخل مرحلة جديدة في ضوء
انسداد أفق الحلول السياسية، ولا ينفع الجمود على المواقف المعنلة من قبل الأطراف،
كما لا ينفع التمسّك بالمعارك الصفرية التي يريد أصحابها كسب كلّ شيء من دون النظر
إلى الشركاء الآخرين، فهذا كفيل بنسف كلّ جهد للخروج من الأزمة، ويفتح الباب لمزيد
من التدخّلات الخارجية، وكلّما زادت هذه التدخّلات كلّما زاد المشهد تعقيداً
واتسعت ساحة الوطن لتكون صندوق بريد لكلّ الأطراف فيما يدفع اللبنانيون الأثمان.
د. وائل نجم