العدد 1653 /26-2-2025
د. وائل نجم

الجميع يدرك أنّ حكومة الرئيس نوّاف سلام ستنال ثقة المجلس النيابي لسبب بسيط وهو أنّها صورة مصغّرة عن المجلس النيّابي لأنّها تشكّلت وفق منطق المحاصصة بين القوى السياسية الممثّلة في المجلس النيّابي، ولذلك داعي للقلق لناحية الثقة التي سيمنحها المجلس للحكومة، وقد رأينا على سبيل المثال لا الحصر أنّ أكثر القوى السياسية والنيّابية ديها حساسية من الحكومة ورئيسها، وهي كتلة الوفاء للمقاومة، أعلن رئيسها النائب محمد رعد أنّ الكتلة تمنح الحكومة الثقة انسجاماً واحتراماً لوجود ممثلين لكتلة الوفاء للمقاومة في الحكومة، وعلى هذا المثال يمكن القياس مع الكتل النيّابية الأخرى المشاركة في الحكومة بطريقة من الطرق.

على هذا الأساس ليس هناك هلع أو خوف لدى الرئيس سلام ووزرائه من حجب الثقة عن الحكومة، حتى أنّه عندما سمع رئيس تكتل لبنان القوي، جبران باسيل، يحجب ثقة التكتل عن الحكومة، ويصرّح بندمه لأنّه سمّاه لرئاسة الحكومة، لم يأبه الرئيس سلام لهذا القول وأشار بيده إلى أنّه لا يبالي بما يقوله رئيس التكتّل.

وإذا كانت ثقة المجلس النيّابي للحكومة مضمونة، وإذا كانت القوى السياسية النيّابية المشاركة في الحكومة ستمنحها الثقة، فلماذا كلّ هذا الوقت والضجيج والمواقف العالية السقف والنبرة التي يصرّح بها بعض النوّاب من الذين يختمون كلمتهم أمام المجلس وأمام الرأي العام اللبناني بمنح الثقة للحكومة؟! لماذا كل هذا القلق الذي ينشرونه في أوساط الرأي العام اللبناني ثم بعد ذلك يمنحون الحكومة الثقة؟!

لقد تحوّل منبر المجلس النيابي إلى منصة للمزايدات وحتى الكذب على الرأي العام اللبناني وخداعه بتصريحات ومواقف زائفة سرعان ما تتبخّر في نهاية الكلمات، وليس لها هدف إلاّ تشويش الرأي العام وإلهائه وصرف اهتمامه عن القضايا الأساسية الحقيقية. بل تحوّل منبر المجلس إلى فرصة لمخاطبة الرأي العام اللبناني بهدف اختطافه من جديد على أبواب الانتخابات البلدية في أيّار المقبل، والانتخابات النيابية في أيّار من العام 2026، حتّى صحّ القول في كلّ ما يجري في المجلس النيابي "نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً"، بمعنى هناك قرقعات وأصوات عالية وتصريحات كبيرة ولكن ترجمتها العملية تساوي صفراً. آن الآوان للنوّاب والكتل النيّابية أن تحترم عقل الرأي العام، وآن للرأي العام أن يستوعب ويعي ما يجري لأنّ ذلك لا يخرج عن إطار المسرحيات التي لا تسمن من جوع.

أمّا البيان الوزاري للحكومة فإنّه لم يخرج عن إطار المعهود والكلام المسعول والملغوم، ولم يأتِ بأيّ جديد مختلف عن بيانات الحكومات السابقة، ولذلك فإنّ البيان الوزاري جاء عامّاً لا يختلف عليه اثنان، غير أنّه لم يدخل في التفاصيل والآليات التي سيعتمدها لتطبيق ما يعد به وما يتحدث عنه، وهنا يبقى البيان الوزاري دون مستوى المطلوب في نظام ديمقراطي برلماني يُفترض أن يحاسب فيه المجلس النيابي الحكومة، وأن يمنحها أو يحجب عنها الثقة ابتداءً.

جلسة مناقشة البيان الوزاري على مدى يومين لا يخرج عن إطار لزوم ما لا يلزم، فلا الثقة تُمنح أو تُحجب على أساس هذا البيان، ولا المحاسبة والمحاكمة تتمّ وفقاً لما التزم به، ولا السياسات التي تحكم بها الحكومة البلد متوفّرة ومتواجدة فيه، ولذلك فإنّ هذه الجلسة هي من متمّمات الديكور الديمقراطي الذي يضفي على العملية نكهة تجعل الناس تتقبّل ما يجري حتى لو كانت مخدوعة فيه.

د. وائل نجم