العدد 1451 /3-3-2021

بلغ لبنان ذروة التأزّم على المستويات كافة، سيّما الاقتصادية والاجتماعية، مع انسداد أفق الحل السياسي حتى اللحظة، ومع غياب المساعي والمبادرات الجدّية والحقيقية الكفيلة بإخراج وانتشال البلد من الكوارث التي بات يعيشها.

فالوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان بات جحيماً لا يُطاق مع انهيار القيمة الشرائية لليرة اللبنانية أمام العملات الأجنبية، والتي لامست خلال الأيام الأخيرة عتبة العشرة آلاف ليرة لكل دولار أمريكي، وارتفاع الأسعار الخيالي والجنوني في الأسواق بات لا يضبطه أي شيء، ومعها بات الحدّ الأدنى للأجور يساوي قرابة 70 دولاراً أمريكياً، كما باتت الطبقة الفقيرة والمعدمة تضمّ أغلبية شرائح الشعب اللبناني، وقد دفع ذلك بعض اللبنانيين ليلة الثلاثاء إلى الاحتجاج وقطع الطرقات في أكثر من منطقة لبنانية رفضاً للواقع المعيشي الكارثي.

كما وأنّ الوضع السياسي ليس أفضل حالاً حيث يُسجّل فشل الطبقة السياسية في تشكيل حكومة من أصحاب الاختصاص والكفاءة وخارج منطق المحسوبية والمحاصصة والفئوية، وبعيداً عن منطق الاستحواذ والاحتكار أو حرب الصلاحيات بين الرؤساء والقوى السياسية والتي أوصلت جميعها إلى الحائط المسدود وإلى غياب أي مسعى حقيقي وجدّي لتشكيل الحكومة التي تُعتبر مفتاح حل الأزمات الأخرى في لبنان.

لقد حاول البطريرك الماروني بشارة الراعي فتح كوّة في جدار الأزمة من خلال مبادرته التي تواصل فيها أساساً مع رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف، غير أنّها لم تلق إجابة منهما أو من أحدهما بشكل أساسي هو رئيس الجمهورية. ثم بعد ذلك راح البطريرك إلى مكان آخر حيث دعا إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لإنقاذ لبنان، غير أنّ هذه الدعوة أيضاً لم تلق إجابة من العديد من القوى السياسية، وبالتالي فإنّها عمّقت الإنقسام بشكل أكبر.

لقد بات الأفق مسدوداً حالياً أمام أي حل سياسي، وبالتالي فقد تافقمت الأزمات الأخرى بشكل غير مسبوق. فالدولار الأمريكي لامس عتبة العشرة آلاف ليرة، بل يمكن أن يتخطّى هذه العتبة النفسية. والكهرباء بدأت تغيب تدريجياً عن المنازل بسبب فقدان مادة الفيول في معامل الانتاج بسبب عدم توفّر الاعتمادات اللازمة لها، وهو ما يرفع من كلفة فاتوة الكهرباء على المنازل لأنّ الولّدات الخاصة ستكون مضطرة لتأمين انقطاع الكهرباء، وهي أيضاً بحاجة إلى مادة المازوت، وعليه ستكون فاتورة كهرباء المنازل مضاعفة وهو ما سيضاعف حجم الكارثة عند اللبنانيين.

وإلى الغلاء المعيشي والكهرباء هناك موضوع الدواء وباقي مستلزمات الحياة اليومية، وكلّها تزيد من حجم معاناة اللبنانيين، وهذا كلّه جعل اللبنانيين يشعرون بالإحباط واليأس، ولذلك اندفع بعضهم إلى الشارع في حركة اعتراض على الوضع المعيشي، وعمد إلى قطع الطرقات ظنّاً منه أنّ هذه الحركة كفيلة بإيقاظ الطبقة النائمة والغائبة عن مشكلات اللبنانيين.

المشهد الذي ظهر ليل الثلاثاء الاربعاء قد يكون صورة مصغّرة أو "بروفة" لما يمكن أن يكون عليه الوضع في لبنان فيما لو استمر الأمر على هذه الحالة من المراوحة السياسية وغياب الحلول الاقتصادية والاجتماعية. اللبناني لم يعد لديه ما يخسره، بل ربما هو مستعد حتى خسارة هذا الوطن، لأنّه لم يعد يشعر أنّه ينتمي إلى هذا الوطن الذي تتحكّم به طبقة وسياسات لا تمّت إلى المواطنية بصلة، ولا إلى مصالح اللبنانيين بأي قرابة. اللبناني بات على استعداد لإسقاط الهيكل على رؤوس الجميع حتى لا تبقى يده وحدها بالنار فيما أيدي أولئك تتلذّذ بأطيب وأشهى أنواع المؤكلات وتعيش أرفه العيشات.

قد يقول البعض أنّ التحركات التي انطلقت يوم الثلاثاء هي في حقيقتها وجوهرها تنطلق من خلفيات سياسية، وارتدت قناع المطالب الشعبية والحياتية المحقّة، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن ليس مهمّا. المهم هي النتائج. المهمّ أنّ أغلب اللبنانيين في كل المناطق تفاعلوا معها، لأنّ جنون الأسعاء لا يوفّر أحداً، ولا يقيم وزناً لأي طرف. ولذلك فإنّ الكارثة تقترب من لبنان، ولبنان يقترب من الكارثة إذا لم يتمّ استدراك الموقف وقبل فوات الأوان.

د. وائل نجم