العدد 1636 /30-10-2024
د. وائل نجم

د. وائل نجم

بات الجميع يعلم ويدرك أنّ الاحتلال الإسرائليي كان يبيّت نيّة سوء وشرّ إلى لبنان من غير انخراط المقاومة في معركة إسناد غزّة، وهو ما كشفه الاحتلال بنفسه وعلى لسان مسؤوليه عندما تحدّثوا أنّهم أعدّوا العدّة كاملة ووضعوا الخرائط والخطط من أجل توجيه ضربة قاسمة للمقاومة وبالتالي إخضاع لبنان، ولعلّ فيما أعلنه وزير الطاقة الإسرائيلي يكفي لكشف هذه النوايا المبيّتة قبل معركة طوفان الأقصى وقبل انخراط المقاومة فيها وذلك عندما تحدّث عن نيّته تغيير اتفاقية الغاز مع لبنان في إشارة إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية وحقل كاريش وحقل رقم 9 الواقعين على طرفي الحدود.

ثمّ وبعد اندلاع المعارك وتمكّن قوات الاحتلال من إحراز بعض الإنجازات التكتيكية التي تمثّلت بشكل أساسي باغتيال أمين عام حزب الله وبعض القيادات في الحزب، كشف الاحتلال مرّة جديدة عن نواياها، وهذه المرّة على لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي انتشى بالإنجازات وقال إنّه يعتزم تغيير النظام في لبنان ومنه تغيير النظام في المنطقة كلّها (الشرق الأوسط)، وطلب من المقاومة ومن لبنان الخروج ورفع الرايات البيضاء رايات الاستسلام.

الميدان هو الذي جعل الاحتلال يتراجع عن أهدافه وشروطه ودفعه إلى البحث الجدّي عن وقف الحرب والعمل لتحقيق ما يريده بالدبلوماسية بعد فشله في الميدان والحرب.

فبعد انطلاق المعركة البريّة عند الحدود حيث حشد الاحتلال خمس أو ست فرق عسكرية من أجل اجتياح الجنوب أو على أقل تقدير منطقة جنوب الليطاني، وفي ضوء المواجهة الشرسة والتصدّي الكبير والبطولي لمحاولات الاحتلال، وبعد انقضاء ثلاثة أسابيع على هذه المحاولات حيث لم يتمكّن الاحتلال من السيطرة الكاملة حتى ولو على قرية حدودية واحدة، بل على العكس تحوّلت هذه القرى إلى مقبرة لجيش الاحتلال حيث اعترف بسقوط العديد من القتلى والجرحى من جنوده بشكل يومي في المعركة البريّة، وسُجّل أول فشل له في جبهة جنوب لبنان. وبعد حديث الاحتلال عن تدمير البنية العسكرية الصاروخية لحزب الله بشكل شبه كامل، رأينا كيف أنّ صواريخ المقاومة طالت وبشكل ممنهج ويومي عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث القواعد العسكرية والحسّاسة للاحتلال، وتابعنا كيف تمكّنت القوّة الجوية في المقاومة من استهداف منزل رئيس وزراء الاحتلال في مدينة قيساريا بطائرة مسيّرة وأصابت نافذة غرفة نومه، وكيف تمكّنت أيضاً من إصابة قاعة الطعام في قاعدة عسكرية أساسية قرب تل أبيب أثناء تناول الجنود للطعام ما أدّى إلى مقتل بعضهم وجرح العشرات. في ضوء هذا الصمود الميداني، والإنجازات الميدانية التي حقّقتها المقاومة طيلة شهر كامل من المواجهة البريّة والمفتوحة، بدأنا نرى كيف أنّ الاحتلال بدأ يتراجع عن شروطه وأهدافه، وبدأ يتخبّط في أدائه سوى في استهداف المدنيين لإخضاع المقاومة فاتّبع الاحتلال سياسة الإغارة على المدن والبلدات القريبة من الحدود والبعيدة عنها بذريعة أنّها تشكّل مخازن أسلحة لحزب الله.

الميدان دفع الإدارة الأمريكية التي كانت تدير ظهرها لما يجري، بل كانت شريكة حقيقية فيه، لإرسال مبعوثها الخاص إلى لبنان من أجل البحث في تطبيق القرار الأممي 1701 فحسب، بعد أن كانت متماهية مع أهداف وشروط الاحتلال في اللحظات الأولى للمعركة. كما وأنّ حديث قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين باتت تركّز على إعادة سكان المستوطنات وإبعاد حزب الله عن الحدود فحسب دون الحديث عن القضاء على حزب الله ولا تغيير النظام في لبنان أو في المنطقة، حتى أنّ رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي أعلن أنّ الجيش أنجز ما عليه في الجبهة الشمالية وبإمكان المستوى السياسي التفاوض بخصوص الوضع. الميدان والصمود في الميدان وحده الذي أرغم الاحتلال وأعوانه وداعميه على التراجع، وأي تراجع في الميدان سيكون كفيلاً بعودة الاحتلال وداعميه إلى شروطهما السابقة.

على هذا الأساس يمكن القول إنّ ما يضمن مستقبل لبنان وحقوقه وثرواته ليس المجتمع الدولي ولا وعود الاحتلال أو داعميه، ما يحفظ ويضمن مستقبل لبنان وحقوقه وثرواته الميدان وسيظلّ الميدان، وعليه فإنّ لبنان الرسمي والشعبي مطالب اليوم وغداُ بالوقوف خلف الميدان لضمان مستقبل لبنان.

بيروت في 30/10/2014