العدد 1638 /13-11-2024
د. وائل نجم

د. وائل نجم

جمعت الريّاض قادة الدول العربية والإسلامية في قمّة غير عادية ضمن ظروف وأوضاع غير عادية تمرّ بها أغلب دول العالمين العربي والإسلامي، خاصة العدوان الصهيوني المتمادي على قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين وعلى لبنان، حيث يرتكب العدوان أبشع أنواع الجرائم والإبادة بحق الفلسطينيين واللبنانيين.

القمّة غير عادية كما أُطلق عليها، ولكن هل القرارات التي خرجت عنها غير عادية بحيث أنّها ستوقف العدوان على فلسطين ولبنان؟! أو ستضع حدّاً له؟

البيان الختامي للقمّة أدان العدوان ورفضه، وطالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل لوضع حدّ له، وشدّد على الحلّ السلمي على قاعدة إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وطالب بإدخال مساعدات إنسانية للأطفال والنساء، ولم يخرج البيان بشكل عام عن هذه العبارات التي لم تحمل للأسف أي قرار فعلي ميداني يجعل الاحتلال يعيد النظر بعدوانه، بل على العكس من ذلك ربما شعر أنّ بإمكانه مواصلة ارتكاب المزيد من المجازر طالما أنّ القمّة لم تتخذ قراراً رادعاً، وطالما أنّ الأمم المتحدة عاجزة عن فعل شيء، والمجتمع الدولي متواطىء إلى أبعد حدّ مع العدوان بل يزوّده بالمال والسلاح.

ربما انتظر أطفال غزة ولبنان من القادة العرب والمسلمين أن يتخذوا قراراً صارماً وقاطعاً يوقف العدو عن غيّه، بل ويحاسبه على ما اقترفت يداه. يسأل هؤلاء الأطفال: عدد المسلمين في العالم أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، ومساحة العالم الإسلامي تصل إلى حوالي 37 مليون كيلومتر مربع، والثروات المكنوزة في باطن هذا العالم أكثر من أن تُعدّ وتُحصى: من النفط والغاز إلى المواد الخام الأخرى على أنواعها، إلى المياه، إلى الموقع الجغرافي المتحكّم بكلّ طرق التجارة البريّة والبحريّة والجويّة، إلى الشعوب المسلمة التي ستكون مستعدة لدفع أغلى الأثمان من أجل غزة ولبنان، بل من أجل الإنسان، وهي التي آمنت واعتقدت أنّ "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص". يسأل الأطفال: هل ينقص القادة المال؟ أم السلاح؟ أم الطاقة البشرية؟ أم ماذا؟ أم ينقصهم القرار السياسي الجريء الذي ينقذ الأطفال من هذه المحرقة والمجزرة التي تلتهم كلّ يوم مزيداً منهم ومن النساء، ويدمّر كلّ يوم مزيداً من البيوت المدن والقرى، ويحرق كلّ يوم مزيداً من الأرض. يقول أطفال غزة ولبنان: ألم يسمع القادة أنّ رئيس حكومة الاحتلال ومن على منصّة المجمتع الدولي الذي يناشدونه، قال ذات يوم إنّه يريد أن يغيّر الشرق الأوسط لصالحه ويقيم فوقه دولته المزعومة "إسرائيل الكبرى"؟! أم أنّهم يرتضون لأنفسهم أن يكونوا في موقع التابع له فيما لو تمكّن من ذلك؟!

شكراً لهم على تجشّم عناء السفر من قصورهم إلى الريّاض، ولكن ليس الإدانة ما كان ينتظره أهالي غزة ولبنان فحسب، بل كانوا ينتظرون قراراً يشبه قرار الملك فيصل رحمه الله على سبيل المثال عندما لوّح باستخدام سلاح النفط واستخدمه؛ أو كالقرار الذي اتخذه الشهيد الرئيس محمد مرسي عندما قال : لن نترك غزّة وحدها وأرسل رئيس حكومته هشام قنديل مع عدد من الوزراء يومها إلى غزة وأوقف العدوان.

على كلّ حال، قرار إدانة العدوان أفضل من السكوت، و"على قدْر أهل العزم تأتي العزائم"، وغداً سيكتب التاريخ وسيُصنّف الناس بين من يستحق أن يدخل التاريخ من بابه الواسع، وبين من سيخرج من التاريخ من بابه الواسع أيضاً. أمّا أطفال غزة وفلسطين ولبنان فيكفيهم عزيمة أولئك الرجال أولي العزم والبأس الذين يكتبون التاريخ ولا يدخلونه فحسب، ويصنعون المستقبل ولا ينتظرونه، وعلى أمل أن يكون مستقبلاً مشرقاً لأطفال فلسطين ولبنان والعالم أجمع.

بيروت في 13/11/2024