العدد 1624 /6-8-2024
د. وائل نجم

د. وائل نجم

الأسبوع الماضي خرقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قواعد الاشتباك المعمول بها أو التي فرضت نفسها اعتباراً من الثامن من أكتوبر / تشرين الأول 2023، وذلك عندما أغارت الطائرات الحربية والمسيّرة الإسرائيلية على مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت، فقتلت فيه مدنيين إضافة إلى القيادي العسكري في حزب الله، فؤاد شكر. وأيضاً عندما اغتالت "إسرائيل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، في العاصمة الإيرانية طهران، من دون أن تعلن عن ذلك، أو أن تتبنّاه بشكل رسمي.

توعّد حزب الله على لسان أمينه العام، السيّد حسن نصرالله، بالردّ على ضرب الضاحية واغتيال أحد قادته العسكريين، ولم يكشف عن طبيعة الردّ، ولا عن زمانه ومكانه، واكتفى نصرالله بالقول : "إنّ الردّ آتٍ، وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان". إذاً هناك التزام من الحزب بالردّ على الاحتلال الإسرائيلي الذي اقترف هذه الجريمة.

وفي طهران جاء التعهّد بالردّ على كيان الاحتلال الذي اتُهم بالوقوف على خلف اغتيال هنيّة، من أعلى سلطة في إيران؛ جاء التعهّد من السيّد علي الخامنئي الذي يمثّل أعلى هرم القيادة والسلطة في إيران. وذلك لأنّ جريمة الاغتيال تُعدّ اعتداءً على سيادة الدولة الإيرانية فضلاً عن اغتيال أبرز حلفاء الجمهورية الإيرانية. غير أنّ طبيعة الردّ الإيراني ظلّت أيضاً مبهمة وغير معروفة زماناً ومكاناً وكيفية.

وحتى في اليمن حيث دخلت جماعة "أنصار الله" الحوثية ضمن محور المقاومة إلى جانب إيران وحزب الله وبقية أعضاء المحور، فقد تعهّد أيضاً زعيم الجماعة، السيّد عبد الملك الحوثي، بالردّ على ممارسات كيان الاحتلال، خاصة بعد ضرب مدينة الحديدة اليمنية على البحر وتدمير بنية تحتية فيها.

العالم إذاً ينتظر ردّاً على أفعال وجرائم "إسرائيل" من ثلاث جبهات على أقلّ تقدير: إيران، لبنان، واليمن. ومن دون معرفة إذا ما كان هذا الردّ سيكون واحداً ومتزامناً ومنسّقاً بين جميع أعضاء المحور، أو سيختار كلّ عضو في المحور زمان الردّ ومكانه وكيفيته! وهنا لا بدّ من التنويه إلى التالي:

الردّ على ممارسات الاحتلال الأخيرة لا يأتي في سياق الانتقام من الاحتلال على الجرائم المرتكبة، وإنْ كان الانتقام جزءاً من الأهداف المطلوب حتى يشرب الاحتلال من الكأس ذاتها.

الردّ يأتي في سياق استعادة قاعدة توازن الردع التي كان معمولاً بها. بمعنى آخر الهدف الأساسي من الردّ على الاغتيالات وضرب قواعد الاشتباك، هو بإعادة الوضع إلى التوازن الذي كان قائماً بحيث يكون "الإسرائيلي" مكبّل لا يمكنه أن يلجأ إلى الاغتيالات وإلى الضرب كيفما شاء وإينما شاء وساعة شاء، بل يكون خاضعاً لقواعد ردع تمنعه من التحرك بحريّة وتحدّ من قدرته وقوته على البطش وارتكاب الجرائم، وهي واحدة من أبرز المزايا التي تجعل الكيان الإسرائيلي يعيش حالة ضعف وتقهقروتراجع، لأنّه طيلة الفترة السابقة من عمره، أي طيلة قرابة سبعة عقود من الصراع معه، كان يتمّع بمزيّة تجعله يفرض ما يريد ويحقّق الأهداف التي يريد من خلال تفرّده بسياسة الردع التي كان يحرص عليها أشدّ الحرص، فإذا به يفقدها بشكل كامل أو شبه كامل اعتباراً من يوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023 عندم سقطت هيبة كيان الاحتلال الإسرائيلي ومُرّغت بالوحل، وعندما فقد الاحتلال قوة الردع التي كان يتمتّع بها. إنّ كلّ الجرائم التي ارتكبها الإسرائيلي طيلة الشهور العشرة الماضية من معركة "طوفان الأقصى" كان هدفها الأساسي استعادة قوة الردع وهيبة الكيان، وكلّ مساعي الاحتلال بهذا الاتجاه سقطت وانتهت، وبالتالي فإنّ الاحتلال بات اليوم مردوعاً بدل أن يكون رادعاً.

بهذا المعنى فإنّ الردّ المعلّق إلى حين هو جزء أساسي من سياسة استعادة الردع والحفاظ عليه، لأنّه يمثّل حالة استنزاف لكيان الاحتلال على العديد من المستويات ولعلّ أبرزها وأهمّها انعدام الثقة بقدرة جيش الاحتلال على حماية هذا الكيان ومستوطنيه.

غير أنّ هذا الردّ المعلّق إلى حين إذا ما تلاشى وتراجع تأثيره تحت ظرف الوقت والوقائع الجديدة التي يمكن أن يفرضها الإسرائيلي فإنّه سيتحوّل إلى نقطة ضعف ستكون في صالح الاحتلال وتمنحه فرصة لمزيد من ارتكاب الجرائم والاغتيالات التي تكرّسه شرطياً للمنطقة يفرض فيها وعليها أجندته التي يريدها.

بيروت في 7/8/2024