العدد 1632 /2-10-2024
د. وائل نجم
وجّه
الحرس الثوري الإيراني وبشكل مفاجىء ضربة صاروخية استهدفت قواعد عسكرية إسرائيلية،
جويّة واستخبارية، في معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقال إنّ هذه الضربة تأتي
ثأراً لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنيّة، في طهران، واغتيال أمين
عام حزب الله، حسن نصرالله، في بيروت، وردّاً على المجازر الإسرائيلية بحقّ أطفال
غزة ولبنان، وهدّد الحرس بضرب البنية التحتية لدولة الاحتلال فيما لو تجرّأت وردّت
على الضربة الصاروخية.
دحض
الحرس الثوري كلّ الشكوك والنوايا التي اتهمته واتهمت إيران بالتقاعص عن الردّ أو
الثأر على كلّ الاغتيالات والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، وأراد من خلال
الضربة استعادة قوّة الردع التي انتشى بها نتنياهو بعد الجرائم الأخيرة، وألقى
الحرس الكرة في الملعب الإسرائيلي لناحية تطوّر الأمور والانزلاق بالمنطقة إلى حرب
إقليمية واسعة تغيّر فعلاً وجه المنطقة بشكل كامل.
والحقيقة
أنّ رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سعى جاهداً في ضوء
فشله في تحقيق أيّ من أهدافه في عدوانه على غزة، سعى إلى إعادة خلط الأوراق في
المنطقة، والعمل بشكل حثيث لإدخالها في حرب واسعة تشترك فيها قوى إقليمية ودولية
وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية، لأنّه كان وما زال يعتبر أنّ الحلّ
والخلاص الوحيد له شخصياً، ولكيانه المأزوم هو في إشعال هذه الحرب وإعادة خلط
الأوراق، فهل انزلقت إيران إلى تحقيق رغبة نتنياهو في إشعال حرب إقليمية واسعة من
خلال إطلاق الصواريخ على القواعد العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية
المحتلة؟
في ضوء
الأحداث والتطوّرات خلال الشهرين الماضيين، إيران وجدت نفسها أمام خيارين لا ثالث
لهما، إمّا أن تظلّ معتصمة بالصمت وبالتالي فإنّ كرة النار ستظلّ تتدحرج صوبها
آكلة من رصيدها، وصولاً إلى تجريدها من مكامن قوّتها المتمثّلة بحلفائها في
المنطقة، وبذلك ستتحوّل لاحقاً إلى نمر من دون أنياب، وتصبح لقمة سائغة للوحش
الإسرائيلي، وبذلك تخسر حلفاءها وتخسر نفسها لاحقاً أيضاً؛ وإمّا أن تذهب إلى
الحرب علّها توقفها وتعيد هي أيضاً خلط الأوراق من جديد بما يحافظ على قوّتها
وردعها، خاصة وأنّ إيران تدرك أيضاً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد حرباً
في المنطقة تشغلها وتصرفها عن اهتمامها الأساسي في أوكرانياً حيث يتأهّب الرئيس
الروسي، فلاديمير بوتين، ويتحيّن الفرصة لانشغال أميركا بأيّ ملف من أجل اجتياح
أوكرانيا وحتى أوروبا؛ وكذلك الصين التي تتحيّن الفرصة أيضاً لانشغال أميركا من
أجل فرض وقائع جديدة في بحر الصين الجنوبي حيث تحتدم المواجهة مع واشنطن بشكل غير
معلن.
أمام ذلك
قرّرت إيران الذهاب إلى خطوة الردّ الصاروخية الجادّة، لأنّها باتت ضرورة للحفاظ
على قوّة إيران ودورها الإقليمي، ولأنّها خطّ الدفاع الأول عن طهران؛ وكذلك فإنّ
إيران جادّة أيضاً في تهديدها بضرب البنية التحتية الإسرائيلية في حال ردّ كيان
الاحتلال على الضربة الصاروخية حيث أنّ منطق الأمور بالنسبة لإيران لم يعد يحتمل
الصمت والانتظار.
بهذا
الاعتبار باتت المنطقة الآن مفتوحة على كلّ الخيارات وتنذر بحرب واسعة ومدمّرة
تعيد خلط الأوراق ورسم الخرائط من جديد بالفعل، إلاّ إذا عادت وعلت لغة التسويات
وتقدّمت على التهديدات، وهذا لن يكون إلاّ حال استشعار الجميع حجم الخسائر التي
يمكن أن يتكبّدها كلّ منهم ولا يبدو أنّ ذلك سيكون بسيطاً وسهلاً ومقنعاً في وقت
قريب.
بيروت في
2/10/2024