العدد 1581 /27-9-2023
د. وائل نجم
اثنتا عشرة جلسة كان آخرها في 14 حزيران الماضي عقدها المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية ولم ينجح بذلك لأنّ بعض النوّاب أو بعض الكتل النيابية كانوا يتسرّبون من القاعة العامة إلى خارجها لإفقاد الجلسة نصابها القانوني والدستوري، وبالتالي تعطيل انتخاب الرئيس.
والعديد من الجولات والوساطات التي قادها مبعوثون فرنسيون لم تنجح أيضاً في تدوير الزوايا وفي إقناع الكتل النيابية والقوى السياسية بضرورة انتخاب رئيس يكون محل قبول وثقة وقناعة كلّ اللبنانيين أو أغلبهم على أقلّ تقدير. ربما يعود السبب في ذلك إلى عدم ثقة واطمئنان بالطرح الفرنسي الذي ظهر كما لو أنّه يعمل من أجل تأمين مصالح فرنسا على حساب انتخاب رئيس للجمهورية، أو لنقل إنّه أراد تقديم المصلحة الفرنسية وصفقاتها مع القوى المحلية والإقليمية على حساب المصلحة اللبنانية التي تتطلّب انتخاب رئيس يعمل على حلّ الأزمات ويعيد الاعتبار للعلاقات اللبنانية مع العمق العربي بشكل أساسي، ويؤمّن نوعاً من التوازن الداخلي بين القوى السياسية والمكوّنات اللبنانية، وليس رئيساً يكون محسوباً على طرف داخلي أو محور خارجي، أو على أقلّ تقدير لا يظهر بهذا المظهر.
عبثاً حاول الفرنسيون بعد فقدان الثقة بهم، وهم إلى الآن ما زالوا يتحرّكون على خطوط الوساطات حتى يظلّوا شركاء بصناعة الحلّ انطلاقاً من حرصهم على مصالحهم في ضوء الضربات التي يتلقونها في غرب أفريقيا. ولكن الآن تقّدم وسيط آخر هو الوسيط القطري الذي وصل مبعوثه إلى بيروت وشرع في لقاءات مع الفاعلين في القرار الانتخابي، وهو يجسّ النبض اللبناني في مسألة الأسماء، وربما يحمل مقترحات في هذا السياق، ويستمع إلى اقترحات القوى والكتل اللبنانية، فهل ينجح القطري حيث فشل الفرنسي؟ وهل تولد التسوية على يديه وفي أي وقت؟
للتذكير فإنّ القطري قاد وساطات في أكثر من مكان وملف ونجح فيها نجاحاً واضحاً حتى بين قوى ودول كانت على طرفي نقيض كما في المسألة الأفغانية على سبيل المثال عندما استضافت الدوحة مفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان. كما نجح عندنا في لبنان باستضافة حوار في العام 2008 أنتج في حين تسوية الدوحة التي أتت بالرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهيورية. وقبل أسابيع قليلة نجحت الدوحة في وساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في ملف إنساني له بعد سياسي عندما تبادل الطرفان إطلاق مسجونين لدى كلّ منهما بالإضافة إلى الإفراج عن أموال إيرانية كانت محتجزة في كوريا الجنوبية.
إذاً هي نجاحات مشهودة للوسيط القطري في ملفات حسّاسة ودقيقة ومعقّدة ومتشعّبة، ولعلّ من أسباب نجاح الوساطات القطرية أنّ المساعي الحميدة تكون مجردّة عن أيّة مصالح خاصة، وأنّ الثقة من الأطراف المتخاصمة أو المتواجهة ثقة تامة بالوسيط القطري الذي يتعامل من دون قفّازات، وبالتالي فإنّ هذه الأسباب كفيلة بنجاح المسعى القطري. غير أنّ هذه الأسباب ليست وحدها المؤثّرة باستحقاق الرئاسة اللبنانية والكفيلة بإقناع القوى المعطّلة التي تتقاذف المسؤولية بالتعطيل، بل هناك عوامل أخرى من بينها مصالح القوى الخارجية المؤثّرة، وهي بالمناسبة قوى تتعامل مع لبنان باعتباره ساحة لها. وهناك القوى الداخلية التي لها حسابات خاصة محكومة بتوازنات داخلية. وهناك المنافسة أو الصراع في المنطقة وتداخل ذلك مع ما يجري في لبنان. كلّ هذه العوامل تحتاج إلى معالجة قبل أن تصل الأمور إلى خواتيمها السعيدة، وهي ستصل يوماً لكنّه قد لا يكون قريباً.
د. وائل نجم
|
العدد 1580 /20-9-2023
د. وائل نجم
توقّفت الاشتباكات حالياً في مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار بعد جهود جبارة بذلها أكثر من طرف فلسطيني ولبناني وكان أبرزها دخول رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على خط الوساطة، غير أنّه وكما يبدو فالنار ما تزال تحت الرماد ليس لأنّ الحلّ غير منصف أو الوساطة غير مكتملة العناصر، ولكنّ وكما يبدو لأنّ من يقف خلف تجدّد الاشتباكات لديه أجندة خاصة تهدّد المخيم بالزوال وتهدّد اللاجئين بالتهجير أو التوطين، وتهدّد القضية الفلسطينية بالتصفية.
لقد ظهر من خلال تجدّد الاشتباكات كلّ مرّة أنّ وراء الأكمة ما وراءها ويأتي في طليعة ذلك محاولات تهجير اللاجئين من المخيم وإسكانهم في أماكن أخرى كمقدمة لتهجيرهم أو توطينهم وهذا يعني تصفية حقّ اللجوء والقضية الفلسطينية، وقد لاحظنا محاولة لإقامة مخيّم جديد عند مدخل صيدا الشمالي غير أنّ تدخّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسّام مولوي حال دون إقامة المخيّم. إذاً لقد كانت محاولة هدفت إلى إسكان النازحين خارج المخيم وهو ما يعني عملياً بداية تفريغ مخيم "عين الحلوة" من اللاجئين، وهو المُسمّى بعاصمة الشتات الفلسطيني، وهو ما يعني أيضاً مخاطر تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على اعتبار أنّ وجود مخيم "عين الحلوة" ما يزال يشكّل الضامن الأساسي لحقّ العودة ولحقّ اللاجئين. بمعنى آخر هناك قلق من أن تكون هذه العمليات مقدّمة لتصفية حقّ العودة إلى فلسطين. وهو ما يصبّ في خدمة المشروع الإسرائيلي وتدمير وتصفية القضية الفلسطينية، والسؤال البارز: من المستفيد من ذلك؟ ومن يقف خلفه؟
لقد تبادل طرفا الصراع المسؤولية عن اندلاع الاشتباكات وتوسّعها، وألقى كلّ منهما باللائمة على الآخر والحقيقة المُرّة أنّ أطراف المواجهة الحالية حوّلوا المخيم إلى ساحة بيد أطراف خارج المخيم أو خارجية تستخدمه في حساباتها أو في رسائلها أو في كلا الأمرين معاً بينما يدفع اللاجيء الفلسطيني الثمن من أمنه واستقراره واستمرار قضيته، والأنكى أنّ هذه الأطراف الخارجية ربما يعمل كلّ من موقعه لتصفية مخيم "عين الحلوة" واجتثاثه تماماً كما حصل مع مخيم "نهر البارد" في شمال لبنان كمقدمة لاجتثاث القضية الفلسطينية والإجهاز على حق العودة الذي ما يزال يشكّل ويعطي شرعية للسلاح الفلسطيني المقاوم؛ أو حتى لاجتثاث أو تقليص الوجود الفلسطيني في لبنان وهو ما يشغل تفكير بعض المجموعات اللبنانية التي ما تزال تفكّر بعقلية ضيّقة ومحدودة تعيش حالة الخوف والقلق على الدوام.
الحقيقة المّرّة الثانية أنّ مخيم "عين الحلوة" ومعه اللجوء الفلسطيني في لبنان في خطر حقيقي إذ أنّ نوايا بعض الأطراف الداخلية والخارجية باتت واضحة لناحية استخدام الفلسطينيين حتى آخر لحظة ومن ثمّ تصفية قضيتهم كمقدمة لنشوء واقع جديد يسمح بمرور بعض التسويات والصفقات.
د. وائل نجم
|
العدد 1579 /13-9-2023
د. وائل نجم
انفجر الوضع الأمني من جديد في مخيم عين الحلوة بعد قرابة شهر من الهدوء الحذر الذي ساد المخيم في أعقاب الاشتباكات والمواجهات التي اندلعت مطلع الأول من آب الماضي بين عناصر من حركة فتح وآخرين من تنظيم جند الشام على ما تقول روايات أهل المخيم وفصائله. وقد أدّت موجة الاشتباكات الجديدة إلى موجة نزوح جديدة من المخيم إلى خارجه، وإلى تدمير أجزاء أخرى من المخيم لم تتدمّر في الجولة الأولى، وإلأهم من ذلك إلى بداية انقلاب في المزاج اللبناني عموماً والصيداوي خصوصاً من المخيم وحتى من اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم.
المحيّر في اشتباكات عين الحلوة أنّ كلّ الفصائل تصرّح وتتفق على وقف إطلاق النار وسحب المسلحين وإعادة الأمور والأجواء إلى طبيعتها، وربما يحصل هذا الاتفاق كل يوم أو يومين أو ربما حتى مرّتين في اليوم الواحد، أمّا على الأرض فتجد أنّ الاشتباكات وأعمال القنص وإطلاق الرصاص تتواصل من دون أدنى اعتبار للقيادات التي تتفق في الصالونات والمكاتب، ومن أدنى اعتبار لمصير أهل المخيم، ومن أدنى اعتبار لما يمكن أن يلحق المخيم أو حتى القضية الفلسطينية من أضرار فادحة وجسيمة تصبّ بشكل أساسي في صالح العدو الإسرائيلي، وتشكّل جزءاً أو مرحلة من مراحل تصفية القضية الفلسطينية وفي مقدمها حقّ العودة.
إنّ ما يجري في مخيم عين الحلوة يطرح أسئلة كبيرة عن الخلفيات والقوى الفلسطينية أو اللبنانية أو ربما الخارجية التي تقف خلف زمرة من الموتورين أو ربما من المأجورين والمرتزقة الذين لا يعون ما يقومون به بحقّ أهلهم في المخيم أو بحقّ القضية الفلسطينية، وهو ما يمكن أن يقود إلى تدمير المخيم بشكل تدريجي وممنهم وصولاً إلى التخلّص منه وهو المعروف بـ "عاصمة الشتات الفلسطينين" فماذا يبقى من هذا الشتات إذا تدمّرت عاصمته؟! وماذا سيكون مصير المخيمات الأخرى الأقلّ إمكانية وقدرة وتأثيراً في القرار الفلسطيني؟! وماذا سيكون مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟! الترحيل ؟ أم التوطين؟ أم المزيد من العزلة والمعاناة والحصار؟!
ربما يكون لدى البعض مشاريع معيّنة تهدف إلى تصفية التواجد الفلسطيني في لبنان كمقدمة لشطب حق العودة وصولاً إلى إرساء تسوية أو "سلام" معيّن مع كيان الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من مشاهد الانتفاضة والمقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية. وربما يكون لدى البعض الآخر مشاريع ونوايا لتصفية التواجد الفلسطيني في لبنان كجزء من التخلّص من هذه "الفوبيا" التي صنعها هذا البعض لنفسه وبات يعيش أسيراً لها معتبراً أنّ التواجد الفلسطيني في لبنان يخلّ بالتوازنات الداخلية اللبنانية وبالتالي لا بدّ من التخلّص منه أو إضعافه أو جعله يفقد أيّة قدرة على التأثير. وربما يكون الفريق الأول قد تقاطع على مصلحة واحدة مع الفريق الثاني فشرعا معاً بتنفيذ خارجة طريق غير معلنة ولكنّ هدفها المضمر هو التخلّص من اللاجئين ومن المخيمات ومن القدرة الفلسطينية على التأثير على صناعة قرارات المنطقة.
لكلّ ذلك فإنّ ما يجري في مخيم عين الحلوة خطير وخطير جدّاً، وهو قد يصيب أيضاً بشظاياه مدينة صيدا فتدفع ثمناً كبيراً، ولأجل ذلك يجب أن تتحلّى القيادات الفلسطينية على اختلافها وتنوّعها بالمسؤولية تجاه قضيتهم وتجاه مستقبلها ومستقبل شركائهم اللبنانيين، واتخاذ ما يلزم بشكل جدّي حقيقي لوضع حدّ لهذه الأحداث التي تبدو بسيطة ولكنّها تخفي خلفها مشروعاً خطيراً يستهدف عمق القضية الفلسطينية ويؤسّس لشكل جديد في المنطقة قد يمتدّ لمئة عام قادمة.
د. وائل نجم
|
العدد 1578 /6-9-2023
د. وائل نجم
العنوان الأساسي والرئيسي الذي استحوذ على اهتمام الوسط السياسي الأسبوع الماضي هو دعوة رئيس مجلس النوّاب، نبيه برّي، الكتل النيابية وممثّليها إلى حوار داخل أروقة المجلس النيابي لمدة سبعة أيام كحدّ أقصى، ومن ثم عقد جلسات متتالية للمجلس النيابي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، بمعنى آخر ربما، حتى الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
في المبدأ، وفي الأصل أنّ أغلب إن لم نقل كلّ الكتل النيابية والقوى السياسية أعلنت مراراً وتكراراً أنّها ليست ضد الحوار، ولكنّ كلّ واحدة منها كانت تراه من منظورها الخاص، ووفق شروطها الخاصة، ولذلك سارع بعضها إلى رفض الدعوة وإعلان عدم المشاركة، بل حتى التشكيك بخلفياتها.
في المبدأ، وفي الأصل أيضاً أنّ العنوان الذي من المفترض أن ينعقد الحوار عليه هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي الأصل أنّ هذا العنوان لا يحتاج إلى حوار طالما أنّ الدستور أوضح الآليات الدستورية لإنجاز عملية الانتخاب، فما الداعي وما الحاجة إلى حوار في مثل هذا الوضع إلاّ إذا خرج البعض وخالف ما أعلنه الدستور وأوضحه لهذه الناحية!
|
العدد 1577 /30-8-2023
دعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الهيئات الناخبة لانتخاب المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في الأول من تشرين الأول من العام الجاري 2023.
وسبق أن نظّم المفتي انتخابات المفتين في بعض المحافظات اللبنانية التي كانت تشهد شغوراً في المنصب أو أنّ ولاية المفتي فيها كانت قد انتهت بحسب المواد القانونية الناظمة وذلك في 18 كانون الأول من العام الماضي 2022.
والحقيقة أنّ هذا العمل يُسجّل لدار الفتوى وللمفتي دريان على الرغم من أنّ إجراء أي انتخابات في أيّة مؤسسة يُعدّ أمراً بديهياً وإنفاذاً للقوانين والأنظمة التي تخضع لها تلك المؤسسات، ودار الفتوى ومؤسساتها الملحقة بها أو التابعة لها كغيرها لها أنظمتها وقوانينها الناظمة بغض النظر عن الحاجة إلى تعديل أو بالأحرى تطوير بعض القوانين كي تتمكن الدار ومؤسساتها من مواكبة مستجدات العصر من ناحية، وضمان الدينامية والحيوية فيها من ناحية ثانية وهو الشيء الذي قصده المفتي دريان عندما دعا سابقاً إلى ملء الفراغ في منصب الافتاء في بعض المناطق.
|
العدد 1576 /23-8-2023
د. وائل نجم
مشهد قيام بعض المسؤولين اللبنانيين بزيارة سريعة وخاطفة إلى سفينة التنقيب عن النفط التابعة لشركة "توتال" الفرنسية في المياه الإقليمية اللبنانية، والتي من المفترض أن تبدأ رحلة البحث والاستكشاف عن النفط والغاز في الحقل رقم "9" الذي كان محل نزاع بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي، قُدّم إلى اللبنانيين كما لو أنّهم حقّقوا به نصراً مبيناً! مع الاعتراف أنّ المهمّة الموكلة بها هذه السفينة هي فقط الاستكشاف لمعرفة إذا ما كان هذا الحقل يحوي كميات مهمّة من النفط والغاز كما كان يجري التداول في أوقات سابقة. بمعنى آخر أنّ النتائج غير مضمونة إن لناحية الكميّات المتوفّرة من النفط والغاز في هذا الحقل، وإن لناحية الاستخراج إذا كان الحقل يحوي على كميّات مغريّة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ مسألة بدء التنقيب والاستخراج يحتاج، للأسف، إلى موافقة كيان الاحتلال الإسرائيلي لأنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقّع العام الماضي تضمّن هذا البند حيث اشترط اتفاقاً بين الشركة التي ستعمل على التنقيب والاستخراج، وهي "توتال" وبين حكومة الاحتلال على نسبة معيّنة من الكميّات المستخرجة تعود إلى دولة الاحتلال، وبالتالي فإنْ اختلفت الشركة وحكومة الاحتلال على هذه النسبة ولم يتفقا عليها فإنّ الحفر والتنقيب والاستخرج في مهب الريح، وعليه فإنّ رحلة سفينة الاستكشاف طويلة ومن بعدها حتى الحفر والاستخراج، فلماذا كلّ هذا الحفل وهذا الصخب اللبناني والفرنسي (شركة توتال فرنسية) على خطوة متواضعة لا تُعدّ شيئاً مهمّاً؟!
في الجانب اللبناني يعني المسؤولين إبراز مثل هذه الخطوات وتضخيمها في ظلّ الانهيار المالي والاقتصادي على اعتبار أنّها تشكّل مدخلاً ومقدمة للحلول والأزمات اللبنانية المالية والاقتصادية بحيث يحوّل لبنان مع اكتشاف كميّات الغاز والنفط المدفونة في الحقل رقم "9" إلى دولة نفطية وغازية، ومن ثمّ يمكنه أن يستدرج عروضاً بعد ذلك لأخذ قروض مالية مقابل رهن هذه الثروة المدفونة في عمق البحر لشركات أو لدول أو لصناديق وبنوك دولية، وذلك استكمالاً للسياسات المالية التي اتُبعت منذ بداية تسعينات القرن العشرين مع حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي راهنت في حينه على السلام والتسوية بين العرب وكيان الاحتلال، وبالتالي اتبعت سياسة الاستدانة على اعتبار أنّ التسوية ستكون كفيلة بشطب ديون لبنان المالية. اليوم في ظلّ الأزمة، وفي حال استكشاف النفط والغاز ستتجدّد السياسات المالية ذاتها لناحية الرهان على الاستدانة من الخارج مقابل رهن النفط والغاز، والمفارقة أنّ أغلب القوى السياسية التي كانت تنتقد السياسات المالية السابقة ستعود وتلتزم بها من جديد وتقدّمها إلى اللبنانيين كما لو أنّها انتصار وإنجاز عظيم.
إلى ذلك وجد المعنيون أن وصول السفينة فرصة لإلهاء الشعب اللبناني عن أزماته اليومية في ظل غياب الحلول، و"إبرة" تخدير جديدة على أعتبار أنّ السفينة تحمل الترياق لهم! ولكنّ الحقيقة غير ذلك إذ أنّ هؤلاء أنفسهم سيختلفون غداً على الثروة انطلاقاً من مبدأ المحاصصة المعمول به، وسيجعلونها تذهب أدراج الرياح، بمعنى آخر لن يجد منها المواطن اللبناني سوى الفتات.
|
العدد 1575 /16-8-2023
د. وائل نجم
حادثة بلدة الكحّالة الأخيرة في قضاء عالية أظهرت أظهرت بما يدع مجالاً للشكّ أنّ البلد يعيش على فوّهة بركان أو على شفير المجهول. فانقلاب شاحنة كانت تحمل، وفق الرواية الرسمية، أسحلة تعود إلى حزب الله، كادت أن تقلب البلد رأساً على عقب وتدخله في مجهول ربما الحرب الأهلية المشؤومة في سبعينات وثمانينات القرن العشرين بالنسبة له لا تشكّل شيئاً. وكشفت أنّ كلّ الحديث عن تحالفات أو تفاهمات أو تعايش يمكن أن يذهب في لحظة انفعال أدراج الرياح. فالشاحنة التي انقلبت بشكل طبيعي جراء سبب ما على ذاك "الكوع" (المنعطف) ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وقد اندفع أهالي البلدة إلى إغاثة الشاحنة أولاً، وعندما اكتشفوا أنّها تحمل أسحلة لحزب الله تحوّل الموقف إلى رفض مرورها في البلدة، ومن ثمّ رفض رفعها بل ومحاولة وضع اليد على حمولتها، وتطوّر المشهد إلى إطلاق نار متبادل بين أهالي البلدة وعناصر كانت مولجة حماية الشاحنة أدّى إلى سقوط قتيلين من الطرفين، وكاد المشهد يشعل فتنة بين حزب الله والبيئة المسيحية لولا تدارك الموقف وتدخّل الجيش وإنقاذ الوضع عبر استلام الشاحنة وسوقها من قبل عناصر الجيش إلى مركز عسكري.
تزامنت هذه الحادثة مع انسداد أفق الحلول السياسية لأزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومع جمود على مسارات المنطقة المختلفة بما يوحي بأنّ أيّة تسوية أو صفقة قريبة بين الأطراف الفاعلة في المشهد الإقليمي لن تكون قريبة، وهذا وحده كفيل برفع منسوب القلق في لبنان لناحية استخدامه ساحة لتنفيس الاحتقان الإقليمي والدولي، أو وسيلة من وسائل الضغط المتبادلة بين الأطراف المعنية.
صحيح أنّ حادثة الكحالة جاءت عرضية من دون تخطيط أو تصميم من أي طرف، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّها كادت تحوّل البلد إلى مسار آخر، وربما جرى استغلال ذلك من قبل أطراف داخلية أو خارجية لتكون الحادثة محاولة لتعميم الفوضى المنظّمة والمحدودة في لبنان بهدف شغْل بعض القوى اللبنانية عن الاهتمامات الخارجية واستنزافها في الرمال اللبنانية، وهو ما يمكن أن يجعلها تراجع حساباتها وتتخلّى عن بعض مواقفها الداخلية لصالح إنتاج تسوية معيّنة ولو كانت ظرفية أو مؤقّتة.
|
العدد 1574 /9-8-2023
بسام غنوم
تشهد الساحة اللبنانية حالة من التوتر والقلق بعد التحذيرات الأمنية لمواطني دول الخليج العربي والتي بدأت ببيان من السفارة السعودية في لبنان دعت فيه المواطنين السعوديين الى مغادرة لبنان، وامتدت الى سائر السفارات الخليجية ولا سيما سفارات دولة الامارات والبحرين والكويت ، وصولا الى بيانات من سفارتي دولة قطر وسلطنة عمان الى مواطنيها في لبنان بإتخاذ الحيطة والحذر في تحركاتهم.
وقد اثارت هذه البيانات تساؤلات كثيرة لدى عامة اللبنانيين اولا ، ولدى المسؤولين والجهات السياسية في لبنان ثانيا ، واللافت في الامر هو ترافق صدور هذه البيانات مع موجة شائعات امنية لعل ابرزها ان الجيش اللبناني سوف يقوم بهجوم على مراكز القوى الاسلامية في عين الحلوة بالتعاون والتنسيق مع حركة فتح ، وان الجيش اللبناني سمح بدخول الرجال والاسلحة الى مخيم عين الحلوة من اجل دعم حركة فتح في هجومها المرتقب على معاقل القوى الاسلامية في مخيم عين الحلوة ، وهذا الامر دعا قيادة الجيش اللبناني الى اصدار بيان تنفي فيه صحة هذه الأخبار وقالت في بيانها : "تداول بعض مواقع التواصل الاجتماعي معلومات نقلًا عن مصدر عسكري حول تحضير الجيش لتنفيذ عملية عسكرية في مخيم عين الحلوة".
ولفت البيان، إلى أنّ "يهم قيادة الجيش أن تنفي صحة هذه المعلومات".
وأضاف، "وتؤكد أنها تتابع بدقة الوضع الأمني في المخيم".
وختم البيان، "كما تشدد على ضرورة العودة إلى بياناتها الرسمية حصرًا للحصول على المعلومات".
|
العدد 1572 /26-7-2023
د. وائل نجم
منذ بضعة أيام عقدت الدول التي تصنّف نفسها صديقة للبنان ويعنيها أمره وتحاول العمل على تقريب وجهات النظر اللبنانية من بعضها بهدف الوصول إلى حلول تمكّن من إجراء الاستحقاق الرئاسي على اعتباره مفتاحاً لكافة الأزمات الأخرى، عقدت هذه الدول وهي الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ومصر وفرنسا وقطر لقاءً على مستوى مندوبي هذه الدول ناقشت خلاله الوضع اللبناني حصراً، ورأت بحسب بيان أصدرته أنّ مفتاح الأزمة هو بانتخاب رئيس جديد، ودعت القيادات اللبنانية إلى الإسراع بانتخاب رئيس وفق الأطر الدستورية المعمول بها، والشروع في إصلاحات اقتصادية وسياسية وصولاً إلى استقرار البلد وفتح الطريق أمام الحصول على المساعدات المالية التي يحتاجها لبنان، سيّما من صندوق النقد الدولي، وفي مقابل ذلك لوّحت الدول الخمس بحسب بيانها باضطرارها إلى اتخاذ إجراءات عقابية بحق معرقلي الانتخاب، غير أنّها لم تسمّ أولئك المعرقلون حتى أنّها لم تشر إليهم مجرد إشارة، واكتفت بعد ذلك بالبيان.
السؤال الآن : هل سيدفع هذا البيان وهذا الموقف التحذيري المعرقلين، وبالمناسبة كل فريق يتهم الفريق المقابل بعرقلة الانتخاب، إلى تسهيل الانتخاب وتالياً وضع البلد على سكّة الحلّ؟
من الواضح حتى الآن أنّ كل طرف من الأطراف ما زال يتمسّك بموقفه من الاستحقاق الرئاسي، وقد كان آخر المواقف الواضحة والبارزة موقف رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي حذّر من مصيبة كبرى بحق البلد إذا لم يصار إلى انتخاب رئيس قبل نهاية العام، وفي موازاة ذلك ظلّ متمسّكاً بمرشحه للرئاسة سليمان فرنجية. وكذلك فعل حزب الله في كل مواقفه التي أطلقها على لسان قادته ومسؤوليه في الاحتفالات التي ينظّمها لمناسبة عاشوراء مشدّداً ورافضاً بشكل جازم أي تدخّل خارجي بالاستحقاق الرئاسي في إشارة واضحة إلى عدم رضاه عن بيان الدوحة الأخير.
في مقابل هذه المواقف ظلّ الفريق الآخر الذي تقاطع على ترشيح وانتخاب الوزير السابق جهاد أزعور على مواقفه أيضاً، ورفض فكرة الرئيس المنتمي إلى محور من المحاور معتبرين أنّ سليمان فرنجية ينتمي إلى محور وليس وسطياً بخلاف جهاد أزعور الذي يمثّل خطّاً وسطياً في البلد.
وأمام هذه المواقف بات المرء حائراً من الذي يعطّل الاستحقاق الرئاسي؟! وبالتالي على من ستفرض الإجراءات العقابية التي ستأخذها الدول الخمسة أو بعضها؟!
قبل نهاية الشهر الجاري من المفترض أن يكون قد وصل إلى لبنان مبعوث الرئيس الفرنسي، جان إيف لودريان، حاملاً معه مقترحات معيّنة لحلّ الأزمة، خاصة وأنّه كان قد أتى في وقت سابق واستمع بحسب إفادته إلى وجهات نظر ومواقف القوى اللبنانية. وقد تردّد في بيروت أنّ المبعوث الفرنسي الذي كانت بلاده تسوّق للمرشح سليمان فرنجية تراجع خطوة إلى الوراء أمام الإصرار الأمريكي والسعودي بحسب ما أفادت الكثير من المصادر التي تابعت اللقاء الخماسي، ومن المعروف أنّ فرنسا لا تملك قوة تأثير في لبنان كما تملك كلّ من الولايات المتحدة والسعودية، وبالتالي فقد اضطرت باريس إلى التراجع عن تبنّي خيار انتخاب فرنجية لصالح مرشح ثالث لم يبرز اسمه بعد، فهل يأتي لودريان باسم المرشح الثالث أم يأتي بقائمة عقوبات تطال معرقلي الانتخاب؟
من الواضح أنّ القوى المؤثّرة بالاستحقاق الرئاسي، وبغض النظر عن كل ما يُقال، هي قوى إقليمية دولية أكثر مما هي قوى محلية، وأنّ إنجاز الاستحقاق لن يأتي إذا لم يتم أخذ مصالح كافة القوى المؤثّرة بغض النظر قبل ذلك الداخل أو الخارج أم لم يقبل، وهنا نتحدث عن إيران التي لها مصالح ولديها ملفات وتبحث عن رعاة لمفاوضاتها حول الملف النووي وغيره من الملفات، وأغلب الظنّ أنّ انجاز الاستحقاق الرئاسي سينظر حتى إيجاد حلول لكل هذه الملفات، وأمّا الحديث عن عقوبات فهي لا تطال إلاّ المواطنين الفقراء والبسطاء، ويجب أن يدرك ذلك من يريد أن يتخذها حتى لا يلحق بهم المزيد من الأذى تحت عنوان مساعدتهم للخروج من أزمتهم.
|
العدد 1571 /19-7-2023
د. وائل نجم
قبل بضعة أيام انعقد في الدوحة اللقاء الخماسي الذي ضمّ مجموعة دول هي إضافة إلى قطر : الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، مصر، وفرنسا وتركّز البحث خلاله على مساعدة لبنان على تخطّي أزمة انتخاب رئيس جديد بعد مرور قرابة تسعة أشهر على الشغور والفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، وقد شدّد البيان الختامي الذي صدر عن اللقاء على ضرورة إنهاء حالة الفراغ، وانتخاب رئيس بمواصفات تساعد على حلّ الأزمة الاقتصادية والأزمات الأخرى التي يعاني منها لبنان وفي مقدمها أزمة العلاقات مع دول العمق العربي، فضلاً عن ضرورة إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية وسياسية تضمن الاستقرار، وشدّد اللقاء أيضاً على الالتزام بالدستور والقانون في مسألة انتخاب رئيس جديد دون الذهاب إلى حوارات ضيّقة أو واسعة قد تفضي إلى تعميق الأزمة أكثر مما يمكن أن تفضي إلى الحلّ، وأشار اللقاء الخماسي إلى إجراءات عقابية يمكن أن يتخذها المشاركون فيه فضلاً عن دول أخرى بحق المعرقلين لانتخاب الرئيس.
والحقيقة أنّها المرّة الأولى التي يتحدث فيها مندوبو هذه الدول بهذه الطريقة والوضوح، ولكنّ السؤال في المقابل، ما هو الضامن أو الشيء الذي يمكن أن يدفع المعرقلين، الذين ظلّوا مجهولين في بيان اللقاء الخماسي، إلى تسهيل عملية الانتخاب وفق الآليات الدستورية؟ وهل أنّ الإجراءات العقابية التي جرى الحديث عنها يمكن أن تحدّ من عرقلتهم؟! أو بالأحرى يمكن أن تدفعهم إلى التراجع؟! ثمّ ألا يمكن أن تصيب أيّة إجراءات عقابية الشعب اللبناني قبل أن تصيب المعرقلين؟! تماماً كما يجري في بعض العقوبات التي صدرت وتصدر من بعض أعضاء هذا اللقاء؟!
للإجابة على هذه الأسئلة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المعرقلين الذين أشار إليهم بيان اللقاء الخماسي هم وفقاً لما أوحى إليه البيان حزب الله والفريق الذي يقف معه، وهنا تحديداً لا بدّ أن نتذكر أنّ الفريق الذي يقف مع الحزب بشكل أساسي اليوم هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأمّا الحليف الآخر للحزب وأقصد التيار الوطني الحر فقد بات في المقلب الآخر يوم "تقاطع" مع الأطراف الآخرى على تسمية ودعم وانتخاب الوزير السابق جهاد أزعور؛ وأمّا النوّاب المنفردين في تحالف الحزب فهم متردّدين في تحالفهم ولهم قنواتهم الخاصة التي تقيهم شرّ الإجراءات العقابية التي يمكن أن تُتخذ من أعضاء اللقاء الخماسي، وعلى هذا الاساس يبقى المستهدف المحتمل في هذه الإجراءات حزب الله وحركة أمل.
بالنسبة لحزب الله فإنّ العقوبات التي صدرت بحقّه من الولايات المتحدة الأمريكية ومن غيرها في وقت سابق لم تؤثّر عليه ولم تدفعه إلى تغيير مواقفه من الكثير من المسائل، ولا أحسب أنّ دول أعضاء اللقاء الخماسي كلّها متفقة أو يمكنها أن تتخذ الإجراءات العقابية ذاتها بحقّ الحزب، وعليه فمن غير المؤمّل أن تغيّر هذه الإجراءات من مواقفه.
وأمّا بالنسبة لحركة أمل ولرئيسها فإنّ الجميع يدرك أنّ أيّة إجراءات عقابية يمكن أن تؤثّر بشكل كبير عليها، ولكنّ ذلك سيجعل جمهورها ينقلب إلى تأييد مواقف الحزب بشكل واسع وهو ما لا يمكنها في ظلّه أن تغيّر موقفها من مسألة الانتخاب، وبالتالي فإنّ الإجراءات بحقّها ستعطي نتائج عكسية. هذا إذا اعتبرنا أنّ المعرقل في نيّة اللقاء الخماسي هو هذا الطرف.
وأمّا إذا كان يعتبر أنّ الأطراف الأخرى في المقلب الآخر هي التي تعرقل الانتخاب، فإنّ أيّة إجراءات عقابية بحقّها بكلّ تأكيد ستكون مؤلمة، ولكنّنا عندها سنكون على يقين أنّ لبنان دخل مرحلة تسوية لحساب طرف على حساب أطراف أخرى، ولا أحسب أنّ ذلك قائم حالياً.
الواضح حتى هذه اللحظة أنّ المراوحة هي سيّدة الموقف، والأزمة ستكون متسمرة، والواقع قد يزداد تعقيداً وصعوبة بانتظار إنجاز تسوية أو صفقة تشمل المنطقة كلّها لأنّه بات من الصعوبة معالجة أزمة في قطر من الأقطار بمعزل عن معالجة بقية الأزمات في الأقطار الأخرى.
|