العدد 1695 /24-12-2025
د. وائل نجم
صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية من تهديداتها من ناحية واعتداءاتها من ناحية ثانية بهدف إخضاع لبنان وإجباره على النزول على شروطها وبالتالي استسلامه لها والسير وفق أهوائها ومصالحها في المنطقة، وكان من بين الأساليب والوسائل التي لجأت إليها قوات الاحتلال قبيل كلّ اجتماع للجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار المعروقة باسم "الميكانيزم" مضاعفة حجم التهديدات والاعتداءات والإيحاء بأنّها ستشرع في توسيع رقعة الحرب لتطال مناطق أخرى وأهداف أخرى في لبنان بما في ذلك مؤسسات وبنى تحتية تابعة للدولة اللبنانية، وكان لبنان يلجأ إلى محاولات شراء الوقت تارة عبر المماطلة في تنفيذ المطالب الإسرائيلية عبر اللجوء إلى مقاربات متعددّة، وتارة عبر الاستجابة الجزئية لبعض المطالب بهدف تفريغ أية محاولة إسرائيلية لتوسيع الحرب من مضمونها، ولعلّ أوضح مظهر من هذه المظاهر تجلّى بتعيين السفير سيمون كرم رئيساً للفريق اللبناني العسكري الذي يشارك في لجنة "الميكانيزم" في مقابل تعيين حكومة الاحتلال شخصية مدنية أيضاً من طرفهم بما أوحى وأعطى انطباعاً أن التفاوض سينتقل من متابعة ومراقبة تنفيذ بنود اتفاق وقف النار إلى التفاوض على أمور اقتصادية أولاً ثمّ بعد ذلك يمكن أن تشمل شؤوناً سياسية واجتماعية وغيرها، وبما يوصل إلى حالة من تطبيع العلاقة بين لبنان وكيان الاحتلال. فهل هذه الخطوات تقود إلى ما يشبه التطبيع المتدرّج أو المتدحرج؟ أم أنّ القوّة تفرض على لبنان هذه الخيارات لاّنه لا يملك ما يدفع به عن نفسه خيارات إسرائيلية أخرى يمكن أن توصل إلى تدمير البلد وتالياً دفع أثمان مضاعفة؟!
لا شكّ أنّ حكومة الاحتلال التي كشفت عن نواياها في إعادة تشكيل الشرق الأوسط وإقامة "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل تلجأ إلى التهديدات والاعتداءات كجزء من عملية إخضاع الأطراف المقابلة، والدفع بها إلى النزول على شروطها وتطبيع العلاقة مها ولو بالقوّة، وهي بكلّ تأكيد تقوم بهذه العملية مع لبنان لأنّها تعتبر أنّ لبنان لم يعد يملك الوسائل التي يواجه بها هذه الغطرسة، وبالتالي فإنّها تزيد كلّ مرذة من حجم التهديد والتهويل والاعتداءات لإخضاع لبنان ودفعه إلى الشروع ف يتفاوض مباشر أو غير مباشر يفضي إلى تطبيع العلاقة ولو بالقوّة.
ويبدو أنّ لبنان بات بتجه شيئاً فشيئاً إلى قبول هذا التطبيع من خلال الاستجابة غير المباشرة لتهديدات الاحتلال وتحت عنوان دفع بلاء الاحتلال عن البلد، وهنا كان قد برز خلال الأيام الأخيرة الحديث عن توسيع لجنة "الميكانيزم" ورفدها بشخصيات مدنية إضافية حيث تمّ الحديث عن إضافة شخصيتين على أقل تقدير برتبة سفير سابق إلى اللجنة لبحث قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية وترتيب مسألة ترسيم الحدود، وإذا ما صحّ هذا الحديث أو إذا ما ذهبت الحكومة والعهد إلى رفد اللجنة بشخصيات مدنية إضافية غير السفير سيمون كرم رئيس الفريق الذي يمثّل لبنان في اللجنة، فإنّ معنى ذلك الاستجابة غير المباشرة إلى الشروع في تفاوض يتخطّى مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار إلى قضايا أخرى يمكن أن يجد لبنان نفسه معها أمام خيار تطبيع العلاقة مع كيان الاحتلال ولو بالقوّة أو بشكل غير مباشر.
غير أنّ الدخول في تفاوض مباشر أو غير مباشر وسواء من خلال مدنيين أو عسكريين لا يعني أبداً التطبيع مع كيان الاحتلال لا بالقوّة ولا بغير القوّةن بل هذا يتوقّف على إرادة الحكومة اللبنانية في مسألة قبول التطبيع من عدمه، وتقدير مصلحة لبنان الاستراتيجية والحالية من عدم ذلك. كما وأنّه لا بدّ من الاعتراف أيضاً أنّ الخيارات اللبنانية أمام المعادلة الحالية المحلية والإقليمية والدولية مختلّة لصالح قوات الاحتلال، وبالتالي لا بدّ من التفكير العميق والجدّي في كيفية مواجهة هذه المرحلة والحالة التي تمرّ بها المنطقة، والخروج منها بأقلّ الخسائر الممكنة.
خلاصة القول إذا أدركت الحكومة وفريق التفاوض التوازنات المحلية والإقليمية والدولية، وأخذت بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية لدول المنطقة والعالم، وضمّت جهودها إلى جهود الأشقاء العرب ونسّقت ذلك مع القوى التي ما زالت فاعلة في المنطقة لو بالحدّ الأدنى، فإنّ ذلك لا يدع لبنان يقع في فخّ التطبيع بالقوةّ، ولا حتى الوقوع تحت السيطرة الكاملة لكيان الاحتلال.
|
العدد 1694 /17-12-2025
د. وائل نجم
تصاعدت خلال الفترة الأخيرة التهديدات الإسرائيلية للبنان وتوعّدت قوات الاحتلال بتوسيع الاعتداءات والشروع في حرب كبيرة على لبنان تستهدف ما تسمّيه تلك القوات "نزع سلاح حزب الله".
وكانت قوات الاحتلال وعلى لسان أكثر من مسؤول أو وسيلة وضعت حدّاً زمنياً لقيام الجيش اللبناني والدولة اللبنانية بنزع سلاح المقاومة هو آخر شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، وأشارت إلى أنّها بعد هذا التاريخ ستكون حرّة في القيام بأعمال عسكرية واسعة تهدف إلى تنفيذ هذا الأمر.
وفي هذا السياق نشرت مجلة أمريكية يوم الثلاثاء تقريراً أو خبراً تناولت فيه الملف اللبناني وذهب إلى حدّ الجزم أنّ كيان الاحتلال سيشرع في حرب مفتوحة على لبنان بعد31 كانون الأول/ ديسمبر الجاري إذا لم تقم الدولة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني وشماله.
والحقيقة أنّ هذه المهلة هي مهلة تعجيزية هدفها حشر الدولة في الزاوية لتبرير استئناف أو بالأحرى توسيع الاعتداءات على لبنان بهدف إخضاعه للشروط الإسرائيلية وحمْله على النزول عليها والتسليم بكلّ ما تريده؛ بمعنى آخر الاستسلام التام لقوات الاحتلال وتسليم إرادة وسيادة ومقدرات البلد بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر لها، وهو أمر مرفوض لبنانياً على المستويين الرسمي والشعبي، ولذلك نعم هناك مخاطر جديّة وحقيقية لتوسيع الحرب واستئناف القتال.
في مقابل هذا الاستعجال الإسرائيلي لحشر لبنان في الزاوية، دخلت فرنسا على خط المعالجة من خلال مبادرة حملها المبعوث الفرنسي "جان إيف لودريان" تهدف إلى تمديد مهلة سحب السلاح وحصره بيد الدولة حتى آخر كانون الثاني 2026 بدل آخر كانون الأول 2025، غير أنّ قوات الاحتلال ترفض هذا الأمر وتتجاهل هذه المبادرة وتزيد من تهديداتها بمقدار توسيع اعتداءاتها مكانياً ونوعياً.
هل تتوسّع الاعتداءات وتتحوّل إلى حرب على لبنان؟
نعم هذا وارد بالنسبة لكيان الاحتلال وقيادته؛ فحكومة نتنياهو ترى في الوضع الحالي الذي تمرّ به المنطقة، وحالة الضياع والضعف والعجز الذي تعانيه، والغطاء الدولي والأمريكي تحديداً الممنوح لكيان الاحتلال، والدعم شبه المفتوح، تجد في كلّ ذلك فرصة ذهبية لتغيير المنطقة وفرض شرق أوسط جديد كما تحدّث نتنياهو ذات يوم، ولذلك فهي تجدّ الخطى بهذا الاتجاه، وتعمل على تحقيق هذا الهدف وإقامة "إسرائيل الكبرى"، سواء من خلال الضغط والتهديد والاعتداءات المركّزة، وإن لم يحصل، فعبر الحرب الواسعة التي لا تلتزم بها بأيّة معايير.
وبناءّ عليه فإنّ التهديدات الإسرائيلية للبنان تشكّل حالياً محاولة لإخضاع لبنان الرسمي وقواه الحيّة ودفعهم إلى الاستسلام دون قتال، فإن لم يحصل فسيصار إلى تصعيد الاعتداءات وتوسيع أهدافها نوعاً وكمّاّ وحجماً جغرافياً، فإن لم يحصل فسيصار إلى توسيعها للتحوّل إلى حرب واسعة وربما طاحنة.
غير أنّ ما يلجم كيان الاحتلال عن القيام بتوسيع الحرب هو تباين أو ربما تعارض رؤية الاحتلال للمنطقة مع رؤية ترامب في بعض التفاصيل وربما حتى الأهداف، ولذلك فإنّ الأخير يزيد من حجم الضغط على الاحتلال لثنيه عن توسيع الحرب من دون أن يعني ذلك الاختلاف معه على أهدافها.
وماذا عن المنطقة وشعوبها وحكوماتها؟
يبدو أنّ نتنياهو أراد لهم أمراً واحداً : إمّا أن يحكمهم ويرضون بذلك، وإمّا أن يحرق المنطقة بهم، وقد سار غيره بهذه السياسة قرابة عقد نصف من الزمن غير أنّه في لحظة الحقيقة وجد نفسه خارج التاريخ والجغرافيا.
|
العدد 1693 /10-12-2025
د. وائل نجم
أقام السوريون شعباً وحكومة احتفالات النصر والتحرير لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإسقاط النظام البائد وتحرير سوريا منه، وذلك من خلال العروضات العسكرية الضخمة التي نظمّتها وزارة الدفاع السورية، والمهرجانات والاحتفالات الشعبية التي ملأت الساحات العامة في معظم المدن السورية، والحفل المركزي الرسمي الذي نظّمته الحكومة في قصر المؤتمرات بالعاصمة دمشق وحضره أركان الدولة وضيوفها، وتميّز بالدقّة والتنظيم والرسائل الوجدانية والسياسية.
عام على تحرير سوريا من النظام البائد انتقلت فيه سوريا من ضفّة إلى أخرى، واختلفت فيها الأجواء وتغيّرت حيث أُشيعت في هذا العام أجواء الحريّة التي خرج السوريون من أجلها والتي حرمهم منها النظام البائد طيلة أكثر من خمسة عقود من الزمن. عام تنفّس فيه السوريون نسيم الحريّة وعبيرها، وانصرفت فيه القيادة الجديدة لترميم وتأهيل ما أفسده النظام البائد، لاستعادة سوريا دورها وحضورها الطبيعي على المسرحين العربي والدولي. عام واجهت فيه سوريا حكومة وشعباً تحدّيات كبيرة وهائلة وما تزال، من الفوضى التي حاول فلول النظام البائد إشعالها في منطقة الساحل وأفشلها الشعب السوري وقيادته؛ إلى محاولات التمرّد وانتزاع قسم من سوريا لإلحاقها بكيان الاحتلال الإسرائيلي، والتي قام بها بعض الخونة في منطقة السويداء وقد أفشلها أيضاً الشعب السوري وقيادته؛ إلى استمرار محاولات الانسلاخ عن سوريا التي ما يزال بعض المرتبطين بالخارج وأصحاب المشاريع الوهمية يمارسونها في شرق الفرات، وما زالت القيادة مدعومة من الشعب تعمل على استيعابها وقطع الطريق عليها.
احتفل السوريون في الذكرى الأولى لانتصار ثورتهم وأقاموا الاحتفالات الحاشدة والمليونية في معظم المدن السورية، من دمشق العاصمة التي غصّت فيها ساحة الأمويين بأعداد المحتفلين وبلغت مئات الآلاف، إلى حلب في شمال سوريا التي كانت على العهد، مروراً بإدلب حماه وعاصمة الثورة حمص العدية، إلى اللاذقية وطرطوس وجبلة، وصولاً إلى دير الزور ومهد الثورة درعا الأبية. خرج السوريون يؤكّدون تمسّكهم بثورتهم وما أنجزته، يصطفّون خلف قيادتهم صفّاً واحداً وبنياناً مرصوصاً، وبعثوا برسائلهم الميدانية التي تؤكّد أنّ المهج والأرواح دون هذه الثورة ودون سوريا الجديدة والحديثة.
احتفلت وزارة الدفاع على طريقتها، وأظهرت بأس أولئك المجاهدين واستعدادهم الدائم للدفاع عن سوريا وأهلها، وما أنجزوه من استعداد وعدّة في هذا السبيل. قطاعات واسعة من الجيش العربي السوري الجديد، كتائب كثيرة، وأعداد كثيفة من الجنود والشباب الذين ردّدوا هتافات النصر والاستعداد للتضحية، وبعثوا برسائلهم إلى الداخل والخارج، إلى الداخل يقولون: إنهم حماة الديار الحقيقيين؛ وإلى الخارج يقولون: إنّهم قادمون.
أمّا في قصر المؤتمرات فقد قدّم الرئيس أمام الشعب السوري جردة حساب عن عام كامل من التحدّيات والانجازات والتطلعات، وعد فوفى، وأكّد على أنّ سوريا وطن واحد لشعب واحد رافضاً بذلك صيغ التقسيم والفدرلة والرهانات الخارجية. أكّد على أنّ سوريا عادت إلى الحضن العربي وعاد إليها. طمأن واحتضن وشجّع وكان حازماً حاسماً فيما قال وفيما قصد.
سوريا حكومة وشعباً وبعد عام على التحرير والحريّة قالت مرّة ثانية إنّها ما زالت كما لو أنّها في اليوم الأول لثورتها، ماضية نحو تحقيق أهدافها واستقلالها، وترسيخ قيم الحريّة والعدالة لأبنائها، وسنداً متيناً لأمتها على الرغم من الجراح التي ما زالت تعانيها.
|
العدد 1692 /3-12-2025
زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان حملت دلالات كثيرة وعديدة وإن كانت في أساسها زيارة تفقدية للرعية وقد ظهر ذلك في برنامج الزيارة بشكل عام، ولم تكن زيارة سياسية لأنّ البابا أساساً، وإن كان يشغل منصب رئاسة دولة "الفاتيكان"، غير أنّ المنصب بحدّ ذاته هو منصب ديني وليس سياسياً.
لقد رافقت الزيارة حملة إعلامية واسعة ركّزت بشكل أساسي على السلام، كما ركّزت على تصوير كما لو أنّ البابا حمل السلام إلى لبنان، والحقيقة وإن كان البابا داعية سلام ويحمل إيّنما حلّ وارتحل دعوة السلام ورسالة السلام، وهو حملها بالفعل إلى لبنان، غير أنّ الواقع الذي عاشه ويعيشه لبنان والذي يمكن أن يأتي قريباً لا يوحي أنّ السلام قريب، وأنّ اللبنانيين سيعيشونه فعلاً وواقعاً، خاصة في ظلّ التهديدات الإسرائيلية التي لم تتوقف ولم تنقطع لحظة حتى أنّ الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ظلّت تجوب الأجواء اللبنانية على الرغم من تواجد الضيف الكبير (البابا) في لبنان غير آبهة بدعوة ورسالة السلام التي حملها للشعب اللبناني.
لبنان فعلاً بحاجة إلى السلام والهدوء وقد أكّد على لسان مسؤوليه التزامه بمندرجات اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024، كما جدّد دعوته مراراً وتكراراً لمفاوضات مع الاحتلال من أجل تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وما يتصل به بما في ذلك انسحاب قوات الاحتلال من جنوب لبنان، وإطلاق سراح الأسرى، فضلاً عن حصر السلاح في لبنان بيد الدولة اللبنانية، وقد أكّدت بيانات قوات الطوارئ الدولية أنّ الجيش يقوم بدوره وواجبه لإخلاء منطقة جنوب الليطاني من السلاح، غير أنّ ما يعيق ذلك في بعض المناطق من جنوب الليطاني هو تواجد قوات الاحتلال في بعض النقاط والتلال.
لقد أدارت قوات الاحتلال الظهر لدعوات لبنان المتكرّرة للتفاوض من أجل تنفيذ وتطبيق وقف إطلاق النار، وظلّت تمارس القصف والاغتيال والتوغّل ونسف المنازل تحت عناوين وذرائع واهية، وظلّت تضغط لإرغام لبنان للنزول على شروطها والاستسلام لها، وهو ما ينسف كل دعوة للسلام وكل محاولة للتهدئة وكل مسعى لوقف الحرب وإطلاق النار. وبهذا المعنى فإنّ قوات الاحتلال عملت على إفساد وإفشال زيارة البابا إلى لبنان، وضرت من خلال خطواتها ومواقفها مساعيه ودعواته لإرساء السلام والتخلّي عن الحروب والعيش بهدوء وكرامة.
لقد استنجد لبنان بـ "البابا" وأكّد الإلتزام بدعوته للسلام، وبذل ما يجب من أجل ذلك مع الحفاظ على السيادة والقرار الحر والكرامة الوطنية، ولعلّ البابا من خلال زيارته إلى لبنان أراد أن يبعث برسالة تؤكّد على إرساء السلام في لبنان وترفض الحرب والعدوان عليه، غير أنّ قوات الاحتلال وكيانها ضربا بعرض الحائط كلّ تلك المساعي والأهداف النبيلة وتجاوزتها بهدف فرض إرادتها وأجندتها في المنطقة على حساب شعوب المنطقة ودولها، وتحقيقاً لأحلام متوهّمة تنسف كل مساعي السلام، وتجهض المشاريع الأفكار والنوايا الطيّبة التي حملها البابا ويحملها محبّو السلام عبر العالم.
|
العدد 1691 /19-11-2025
د. وائل نجم
قبل أيام شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارة على بناية في الضاحية الجنوبية لبيروت مؤلّفة من عشر طبقات مستهدفة شقّق سكنية في الطابقين الرابع والخامس ما أدّى إلى اغتيال أحد قادة حزب الله العسكريين وأفراد آخرين كانوا في المكان.
وللمفارقة فإنّ الغارة والاغتيال تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2024، مع الذكير أنّ الاغتيالات والاستهدافات والغارات لم تتوقّف يوماً منذ توقيع ذاك الاتفاق، ولكنّها تكاد تكون الغارة الأولى التي تستهدف شخصيات قيادية في حزب الله في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، علماً إنّ الطائرات الحربية الاسرائيلية استهدفت سابقاً أبنية في الضاحية بحجّة أنّها تحوي على مخازن أسلحة للحزب، ولكنّها كانت تطلق قبل ذلك رسائل تحذيرية للسكان ومن ثم بعد وقت قصير كانت تغير على تلك الأبنية؛ هذه المرّة كان الوضع مختلفاً، وكان يشبه إلى حدّ بعيد ما كان يجري خلال فترة الحرب عندما كانت الطائرات تغير مستهدفة اغتيال أشخاص بعينهم.
من الواضح خلال مجريات عام كامل أنّ النار لم تتوقّف إلّا من طرف واحد، وهو الطرف اللبناني؛ أمّا الطرف الآخر الإسرائيلي فلم يلتزم بمندجرات الاتفاق، ولم يوقف إطلاق النار، ولم يتوقّف عن الغارات والاغتيالات والتصعيد، بل ذهب أبعد من ذلك عندما شرع في تهديدات يومية بالتصعيد والعودة إلى استهداف أيّ مكان في لبنان بما في ذلك البنية التحتية للدولة، ورفض كلّ الدعوات التي أطلقها رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية للدخول في مفاوضات من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، وتأمين تنفيذ بنوده، وحتى وصولاً إلى تجديد اتفاق الهدنة بين لبنان و"إسرائيل". الاحتلال الإسرائيلي بعد عام من اتفاق وقف إطلاق النار يتحضّر لجولة جديدة من القتال يريد منها فرض شروطه بشكل كامل على لبنان حتى يقرّ بالهزيمة وينزل على شروط الاحتلال وليس فقط في مسألة سحب أو نزع أو حصر السلاح، بل في كلّ الملفات بما في ذلك منها السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، وإلّا فإنّه يلوّح بالتصعيد وتكثيف الغارات والاستهدافات وصولاً ربما إلى الاجتياح البرّي أو ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر، وكلّ ذلك لإخضاع لبنان كجزء من إخضاع المنطقة لأنّ الاحتلال يدرك أنّ لبنان، وعلى الرغم من حالة التصدّع التي أصابته بسبب الحرب والعدوان، ما زال يشكّل العقبة الكأداء في طريق تشكيل المنطقة العربية وفق الهوى والمصلحة الإسرائيلية، ولذلك فإنّه يصرّ على إنزال لبنان على شروطه، أو تلقّي المزيد من الضربات والاعتداءات.
من الواضح بعد عام على اتفاق وقف إطلاق النار أنّه لا وقف لإطلاق النار في الفترة القريبة، هناك المزيد من الضغط، المزيد من الاعتداءات، المزيد من الاغتيالات، المزيد من الحصار بهدف استسلام لبنان بشكل كامل، وفي هذه الحالة ستكون الكلفة عالية على لبنان سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، وسيكون ملحقاً بالمشروع الإسرائيلي وجزءاً منه، وبالتالي فلن يشهد أيّ استقرار ومن أيّ نوع كان. وفي حال رفض الاستسلام، والصمود أمام هذه الضغوط والاعتداءات التي يمكن أن تتكثّف وتزداد، غير أنّ كلفتها سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً ستكون أقلّ كلفة مهما بلغت تلك الاعتداءات وإن تكثّفت أو طالت مزيداً من المرافق والجغرافيا. في الحالة الأولى سيجني الاحتلال الأرباح وسيحقق المزيد من الأهداف من دون أن يدفع أيّة كلفة، في الحالة الثانية (حالة الصمود) قد يحقّق الاحتلال بعض اهدافه وقد يجني بعض الأرباح، غير أنّه سيتكبّد أيضاً بعض الخسائر حتى ولو كانت معنوية أو تتصلّ بالسمعة والرواية والسردية، فضلاً عن أنّ الحالة الثانية ستبقي الخصومة والعداوة مع الاحتلال في حين أنّ الحالة الأولى قد تنقل الخلاف إلى الصفّ الداخلي.
|
العدد 1690 /19-11-2025
د. وائل نجم
شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي ليلة الثلاثاء - الأربعاء غارة غادرة استهدفت ملعباً رياضياً في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين خلال تواجد عدد من الفتيان الذين كانوا يمارسون لعبة كرة القدم في الملعب، ما أدّى إلى استشهاد ثلاثة عشر فتىً منهم وجرح آخرين، كما أدّت الغارة إلى ترويع أهالي المخيم ومحيطه في مدينة صيدا. فماذا أرادت قوات الاحتلال من خلال ارتكاب هذه المجزرة المروّعة؟
أولاً لا بدّ من التذكير أنّ الملعب المستهدف في المخيم هو ملعب معروف ومكشوف ويرتاده أبناء المخيم بشكل يومي لممارسة لعبة كرة القدم، وليس كما زعمت وادّعت قوات الاحتلال من أنّه موقع للتدريب تستخدمه قوى المقاومة الفلسطينية؛ وبالمناسبة فإنّ هذه الملاعب المكشوفة التي يمارس فيها الشبّان والفتيان لعبة كرة القدم منتشرة في أغلب المناطق اللبنانية من الجنوب إلى والشمال وبالعكس، ومنها مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، هذا ما يُسقط كلّ اتهام إسرائيلي بأنّها مراكز تدريب.
وأمّا لماذا هذا العدوان الجديد، وهذه المجزرة الجديدة؟ فإنّ قوات الاحتلال ربما أردات أن توجّه رسالة بالنار والدم في اتجاهين:
الاتجاه الأول نحو لبنان إذ أنّها منذ فترة زمنية تُطلق تهديداتها بتجديد العدوان على لبنان تحت حجّة وذريعة سحب السلاح، فيما الهدف الأساسي يكمن في إرغام لبنان على النزول على الشروط الإسرائيلية والاستسلام بشكل كامل. وهي (قوات الاحتلال) خلال الأيام والأسابيع الأخيرة بدأت تسوّق لفكرة الهجوم على لبنان لتدمير البنى العسكرية المزعومة بحسب ادعاءاتها، ولعلّها أرادت من خلال هذه المجزرة أرادت أنّ تقول إنّها جادة في تهديداتها وأنّها يمكن أن توسّع عدوانها من جديد ليشمل مناطق لم يشملها من قبل، وأنّ على لبنان أن يدرك ذلك ولا ينظر إلى التهديدات على أنّها مجرد تهديدات لن تتحوّل إلى فعل، بل يمكن أن يتطوّر المشهد ويتوسّع العدوان إذا لم يتمّ الخضوع للإملاءات والشروط، وطبعاً هذا بحسب ما تريده قوات الاحتلال.
والحقيقة، نعم يمكن أن تلجأ قوات الاحتلال إلى توسيع عدوانها بالنظر إلى العديد من الاعتبارات المتعلقة أولاً بأزمة الحكومة ورئيسها على المستوى الداخلي، وللهروب من الضغوط التي تمارس عليها داخلياً وخارجياً، وأيضاً لاعتبارات أخرى.
وأمّا الاتجاه الثاني فهو نحو الفلسطينيين وخاصة قوى المقاومة الفلسطينية للضغط على هذه القوى من أجل الخضوع للشروط والإملاءات، خاصة بعد إثبات قوى المقاومة الفلسطينية قدرتها على الصمود والثبات في الميدان على الرغم من حجم الإبادة التي مارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وقد جاءت الغارة الغادرة على مخيم عين الحلوة بعد ساعات قليلة من انتقاد حماس وقوى المقاومة الفلسطينية لقرار مجلس الأمن بخصوص قطاع غزة، بما يعني عدم التعامل معه بإيجابية، ولعلّ الإسرائيلي بات مكبّلاً في الضغط على قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لاعتبارات كثيرة، ولأنّ الضغط في القطاع لم يعد ينفع، فقد وجّهت قوات الاحتلال طائراتها إلى مخيمات اللاجئين في لبنان من أجل الضغط على المقاومة الفلسطينية لتقديم تنازلات وإرغامها على النزول على الشروط.
يمكن أن نضيف إلى هذين الاعتبارين أو الاتجاهين أنّ قوات الاحتلال تريد أن لا يكون لبنان مكاناً آمناً لقوى المقاومة الفلسطينية وحتى اللبنانية ولذلك لجأت إلى ارتكاب هذه المجزرة وأضافتها إلى مجازرها اليومية في لبنان حتى تظلّ هذه القوى تحت ضغط الاغتيال والملاحقة.
بالتأكيد هذه المجزرة الجديدة تحمّل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقوى الدولية الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وحتى الحكومة اللبنانية التحرك من أجل وضع حدّ لهذه الانتهاكات والارتكابات حتى لو تتحول إلى سياسة يومية يقوم بها الاحتلال ويفجّر المنطقة من خلالها.
|
العدد 1689 /12-11-2025
د. وائل نجم
أكثر من عامين مرّا على انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023 أخذت فيها الحرب أشكالاً مختلفة ومتعدّدة، وارتكب فيها الاحتلال الإسرائيلي أنوعاً مختلفة من الجرائم وصولاً إلى ارتكاب حرب إبادة جماعية بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة، ومجازر يومية مستمرة بحقّ الشعب اللبناني، وعمليات إرهاب وتفريغ للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، واعتداءات وتغيير معالم بحقّ الشعب السوري، والشعب اليمني، وهكذا وصولاً إلى العدوان على إيران في حزيران الفائت.
حكومة الاحتلال الإسرائيلي أعلنت أكثر من مرّة أنّها تريد أن تغيّر الشرق الأوسط من خلال عدوانها وحربها على شعوب ودول المنطقة؛ نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال أعلن أكثر من مرّة أنّه يريد إقامة "إسرائيل الكبرى" بين نهري الفرات في العراق والنيل في مصر، معتبراً ذلك نوعاً من تحقيق الرؤية والحلم "التوراتي" وأيّد ذلك الوزراء الذين يشاركونه الحكومة.
في مقابل ذلك دول وحكومات في المنطقة، حتى من بينها تلك التي أقامت علاقات تطبيع مع حكومة الاحتلال رأت ولمست في تصريحات ومواقف حكومة الاحتلال وتوجّهاتها خطراً جادّاً على أمنها القومي والاستراتيجي، ولذلك فإنّها بدأت تغيّر من بعض مواقفها لأنّ تغيير حكومة الاحتلال لوجه "الشرق الأوسط" (المنطقة العربية الإسلامية)، والسيطرة عليها والتحكّم بها سيُفقد تلك الحكومات والدول أهميتها ودورها وينتقل بعضها من موقع المتبوع إلى موقع التابع، بمعنى أنّه يتحوّل إلى مجرد تابع في المنطقة للاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما لا يقبله بعضهم ولا يمكنه أن يتكيّف معه، ولذلك رحنا نلمس بعض التعديل في بعض المواقف التي تشكّل نوعاً من المعوّق أمام مشروع الاحتلال السيطرة على المنطقة.
بالنسبة لراعي الاحتلال وحاميه، أي الولايات المتحدة الأمريكية، فهي على الرغم من رعايتها لكيان الاحتلال والتكفّل بحماية وتأمين الدعم السياسي والمالي والأمني له، غير أنّها لا تريد له أن يكون مستقلّاً عنها خارجاً عن إرادتها مهيمناً على مقاليد الأمور والثروات في المنطقة، بل تريده قاعدة عسكرية ومدنية متقدّمة في المنطقة العربية تلجأ إلى استخدامها في المهمّات القذرة، وبالتالي فإنّنا رأينا أيضاً كيف أنّ الإدارة الأمريكية أرغمت حكومة الاحتلال على قبول وقف إطلاق النار، وإطلاق الأسرى في غزة، والانسحاب من بعض المواقع التي جرى احتلالها خلال الحرب، خلافاً لما كان يطلقه نتنياهو من وعود بإنهاء حكم "حماس" في غزة، وإطلاق الأسرى عبر الحرب، وعدم الانسحاب من غزة أو التعهّد بإعادة إعمارها فضلاً عن تهجير الفلسطينيين منها.
بعد عامين على الحرب، كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يوقف الحرب على الرغم من الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة وفي لبنان، فالقصف مستمر في كلا البلدين، والانتهاكات الإسرائيلية مستمرة، وكيان الاحتلال لم يتخلّ عن أهدافه للمنطقة، بل يسعى إلى إفشال المساعي الأمريكية والعربية الإسلامية لوضع حدّ للحرب وإيجاد حلّ، ولو مرحلياً للقضية الفلسطينية، في مقابل تشدّد أمريكي لإنقاذ خطته التي تتباين مع طموحات قادة كيان الاحتلال دون أن يعني ذلك التصادم معها أو التحوّل عن دعمها وتوفير مقوّمات البقاء والاستمرار لها.
الصورة المتوقّعة للمنطقة في ضوء هذه النتائج تشي أنّ المرحلة القائمة حالياً ستكون هي الصورة التي ستطبع المرحلة المقبلة القريبة خصوصاً، مراوحة، محاولات الأطراف جميعاً تثبيت الأمر الواقع والبناء عليه، إستعادة والتقاط الأنفاس ورسم السياسات من جديد، استعداداً لمرحلة جديدة قادمة قد لا تكون بعيدة، سيكون عنوانها الرئيسي السخونة والتوتر والمزيد من فرض الأمر الواقع بالنقاط.
|
العدد 1688 /5-11-2025
د. وائل نجم
الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة والأجواء اللبنانية لا تتوقّف، ولا يمكن الحديث عن آخر انتهاك أو تجاوز أو اعتداء، ولكن البارز منها خلال الأسبوع الأخير هو التوغّل البرّي ليلاً في بلدة بليدا الجنوبية، والاعتداء على مبنى البلدية وقتل حارس المبنى الذي كان يقوم بوظيفته وواجبه، وبالمناسبة هو موظف لدى مؤسسة من مؤسسات الدولة، هذا ناهيك عن الاغتيالات الجويّة التي لم تتوقّف يوماً، أو الغارات الحربية التي تطال مناطق واسعة في الجنوب أو حتى في البقاع.
غير أنّ الملفت خلال الأيام الأخيرة هو حديث المبعوث الأمريكي، توم برّاك، عن ضرورة التزام لبنان بحصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها وفي أقرب وقت، الإشارة إلى عدم مسؤولية الولايات المتحدة فيما يمكن أن تقوم به أو تُقدم عليه قوات الاحتلال، كما لو أنّ هذه التصريحات الإعلامية بمثابة إشارة ضوء خضراء لقوات الاحتلال لتجديد العدوان على لبنان.
تزامنت هذه التصاريح والانتهاكات مع مواقف وتهديدات أطلقها عدد من المسؤولين الإسرائيليين سيّما وزير الحرب، الذي طالبت تهديداته الدولة اللبنانية وليس حزب الله فحسب، كما تزامنت مع تقارير إعلامية كثيفة راحت تضخّم قدرة حزب الله من جديد كما لو أنّها تريد تحضير الرأي العام الإسرائيلي لعمل ميداني يمكن أن تقوم به قوات الاحتلال. كما تتزامن هذه التصريحات والانتهاكات والمواقف مع مناورات ومع تحشيد لقوات الاحتلال عند الحدود الجنوبية اللبنانية، فهل يأتي ذلك في إطار الضغط على لبنان لإرغامه ودفعه للانخراط في مفاوضات مباشرة من أجل الاعتراف بالهزيمة، والنزول على الشروط الإسرائيلية حتى يتمّ طي صفحة الحرب نهائياً؟! أم أنّها تأتي في سياق فعلي حقيقي لتحضير الميدان وبالتالي توجيه ضربة جديدة لحزب الله وبالتالي لبنان؟!
الحقيقة أنّ هذه التهديدات والتحضيرات والمواقف تأتي في سياق الأمرين معاً، بمعنى آخر في سياق الضغط لدفع لبنان إلى التنازل والخضوع للشروط الإسرائيلية من دون قتال، وفي هذه الحالة يكون قد تحقّق لكيان الاحتلال ما يريده من دون عناء ومن دون قتال، غير أنّه يعني أيضاً أنّ حزب الله وقوى المقاومة في لبنان ستظلّ تحتفظ ولو بشكل سرّي وتحت الأرضة بقوّة معيّنة، وستدخل مرحلة ممارسة الكمون والانتظار إلى حين تغيّر الظروف وبالتالي يصبح بالإمكان الخروج على الواقع المفروض والنتافض عليه.
ولكن هناك أيضاً من يقول إنّ التهديدات فعلية وحقيقية وتدخل في إطار الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التي تولّدت بعد الحرب على غزة ولبنان، والتي تخلّت عن استراتيجية الردع لتتبنّى استراتيجية السحق والقضاء التام والمبرم على "الاعداء". وهذه الاستراتيجية الحقيقة باتت معتمدة من قبل رئيس حكومة الاحتلال ومن قبل حكومته، ولكن من غير المعروف إذا ما كانت هذه الاستراتيجية هي استراتيجية حكومة أم استراتيجية دولة، وعليه فإنّ نتنياهو وفريقه الذين يعتمدون استراتيجية السحق والقضاء التام على "العدو" لن يتوانوا عن القيام بعدوان جديد لسحق "حزب الله" خاصة إذا ما استذكرنا أنّ هدفهم الرئيسي إقامة "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل، وأنّ هذا تراجع بفعل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أنّ نتنياهو يرى في تجديد العدوان على لبنان يشكّل فرصة للانقلاب على كل الاتفاقات وخلط الأوراق من جديد.
الجديد في المشهد هو دعوة رئيس الجمهورية جوزاف عون الجيش للتصدّي لأي خرق إسرائيلي ميداني في أي مكان من الأراضي اللبنانية، لأنّ ذلك من مسؤولية الدولة، التي تتحوّل بشكل تدريجي من دولة شاهدة على الاعتداءات إلى دولة مقاومة لتلك الاعتداءات، وهو محل إجماع لدى كلّ اللبنانيين.
|
العدد 1687 /29-10-2025
د. وائل نجم
الجدل يحتدم بين القوى السياسية حول قانون الانتخابات النيابية في ظلّ الانقسام على مسألة انتخاب اللبنانيين المغتربين بين من يدعو إلى مشاركتهم بالانتخاب من خلال صناديق اقتراع توضع في السفارات والقنصليات اللبنانية المنتشرة في العالم، وبحيث ينتخب أيّ لبناني مغترب للمرشحين عن الدائرة المسجّل فيها قيد نفوسه، وبين من يدعو إلى انتخاب المغترب لمرشح عن الاغتراب، وبحيث يتم استحداث ستة مقاعد عن ست قارات، واللبنانيين المغتربين المسجّلين في هذه القارة ينتخبون أحد مرشحيها.
وتفسيراً لهذا اللغط القائم، فإنّ قانون الانتخاب النافذ حالياً هو الذي يعتمد استحداث ستة مقاعد لست قارات، على أن يقوم اللبنانيون المغتربون الذين سجّلوا للانتخاب في هذه القارة أو تلك باختيار أحد المرشحين عن تلك القارة، وهكذا دواليك. بمعنى آخر، اللبنانيون المغتربون الذين سجّلوا في السفارات في القارة الأوروبية على سبيل المثال، ينتخبون في القنصيات والسفارات المعتمدة في القارة لأحد المرشحين عن القارة، وهكذا في بقية القارات.
غير أنّ القانون لم يبيّن كيف سيصار إلى توزيع التمثيل الطائفي والمذهبي لهذه المقاعد، بمعنى آخر، المقعد المعتمد لقارة أورويا لأي طائفة يُعطى، والمقعد المعتمد لقارة آسيا أو أميركا أو غيرها لأي طائفة يُعطى؟ وهكذا، وبالتالي فإنّ الغموض هذا فتح نقاشاً وجدالاً يكاد يكون عقيماً ويعطّل الانتخابات.
في مقابل ذلك تقدّم عدد من النوّاب باقتراح قانون لتعديل قانون الانتخاب بحيث يتمّ السماح للمغتربين الذين سجّلوا للاقتراع بالمشاركة وانتخاب من يريدون من المرشحين في القنصيات والسفارات المعتمدة ولكن للمرشحين الذين ترشّحوا عن الدائرة التي سجّل قيدهم فيها. على سبيل المثال المغترب الناخب المسجّل قيده في بيروت ينتخب المرشحين عن بيروت وفق القانون الانتخابي، كما لو أنّ السفارة أو القنصلية في أيّ من القارات بمثابة قلم اقتراع، شرط أن يكون قد سجّل للانتخاب في الوقت المخصّص وهو بالمناسبة ينتهي في تشرين الثاني.
هذا التبيان والخلاف على انتخاب المغتربين بين القوى السياسية والكتل النيابية فتح نقاشاً حادّاً ويكاد يكون عقيماً بينها لأنّها تدرك أنّ المعركة الانتخابية بالنسبة لها على الصوت الواحد أو كما يقال على "المنخار"، وهي تدرك أيضاً أنّ الصوت المغتربي صوت مرجّح كان له تأثيره القوّي في انتخابات العام 2022، فبعض النوّاب نجح بأصوات المغتربين، وبعض الذين لم يحالفهم الحظ كان السبب في خسارتهم مشاركة المغتربين، وتظنّ بعض القوى السياسية أنّ الناخبين في الخارج غير أحرار في ممارسة حقّهم الانتخابي، وبالتالي تفضّل تخصيص ستة مقاعد للمغتربين حتى لا يكون تأثيرهم على 128 مقعداً، وفي طليعة الرافضين لتعديل القانون هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومعه حزب الله وبعض القوى السياسية الأخرى، بينما تطالب قوى أخرى في مقدّمها القوات اللبنانية بتعديل القانون بحيث يصبح بإمكان المغتربين المشاركة بانتخاب كلّ النوّاب وليس ستة نوّاب فحسب.
هل يهدّد هذا الجدال والنقاش إجراء الانتخابات ويفرض تأجيها؟
رئيس الجمهورية جوزيف عون أكّد أكثر من مرّة على ضرورة إجراء الانتخابات في وقتها الدستوري، وكذلك شدّد رئيس الحكومة نوّاف سلام، وكذلك رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، غير أنّ الأخير يرفض دعوة المجلس النيابي لعقد جلسة لمناقشة أي اقتراح قانون يدعو لتعديل القانون الانتخابي حتى يتيح التعديل مشاركة المغتربين بانتخاب كلّ النوّاب، ويتمسك بإحالة كلّ اقتراحات القوانين للنقاش في اللجان أولاً ومن ثمّ إحالتها إلى الهيئة العامة وهو ما ترفضه بعض الكتل النيابية على اعتبار أنّها تقدّمت باقتراح قانون ياخذ صفة "المعجّل" بينما الاقتراحات الاخرى لم تأخذ هذه الصفة، كما ترفض إحالة الاقتراح على اللجان، بل تدعو إلى طرحه على الهيئة العامة وهو ما يرفضه رئيس المجلس، وبالتالي فإنّ النقاش يحتدم وصولاً إلى مقاطعة بعض الكتل النيابية والسياسية جسلة المجلس يوم الثلاثاء من ضمن إصرارهم على ضرورة طرح اقتراح القانون على الهيئة العامة لتعديل القانون الانتخابي وهذا لم يحصل حتى الآن بل على العكس يهدّد بنسف الاستحقاق الانتخابي.
نعم مصير الانتخابات النيابية على المحكّ سواء لناحية الخلاف العميق والعقيم حول القانون ومشاركة المغتربين أو لناحية التهديدات الإسرائيلية التي تزداد يومياً، لتبقى الأيام والأسابيع المقبلة لتجيب على هذه الأحجية!!
|
العدد 1686 /22-10-2025
د. وائل نجم
في كلمته أمام "الكنيست الإسرائيلي" وفي لقاء شرم الشيخ أشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالرئيس جوزيف عون، ودعا لبنان إلى بدء مفاوضات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي من دون أن يحدّد النقاط أو العناوين التي يمكن أن يدور حولها أو يطالها التفاوض.
|