العدد 1498 /2-2-2022

من المرات النادرة التي يقول فيها وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق شيئاً مفيداً، كانت حين أطل من دار الفتوى عقب اعتقال الرئيس سعد الحريري في الرياض وإرغامه على تقديم استقالته من رئاسة الحكومة عام 2017، قال يومها المشنوق إن "اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر".

ما قاله المشنوق لم يفهمه البعض، الذي يعتقد أن اللبنانيين عامة والمسلمين على وجه الخصوص قطيع غنم يستطيع تسييره أين يشاء، وما يؤكد ذلك، أنه بعد يومين فقط من إعلان الرئيس سعد رفيق الحريري خروجه من الحياة السياسية، خرج على اللبنانيين رجل الأعمال بهاء رفيق الحريري ليطمئنهم ويبشرهم أنه سيكون إلى جانبهم، وأنه سيملأ الفراغ الذي تركه شقيقه زعيماً للطائفة.

ما فات بهاء وقبله سعد أن زعامة الطائفة السنية التي تربّع والدهما رفيق الحريري على عرشها خمسة عشر عاماً جاءت تتويجاً لعمل أكثر من ربع قرن، قدّم خلالها 35 ألف منحة دراسية للطلاب درسوا في أهم الجامعات في لبنان والخارج، ونفذ العديد من المشاريع على مستوى لبنان، لعلّ أهمها شركة أوجيه لبنان، التي رفعت النفايات حين تقاعست الدولة عن القيام بواجبها خلال الحرب الأهلية، كما أنه كان لاعباً خفياً من خلال دعم قوى وأحزاب وميليشيات خلال الحرب. كل هذا الجهد جعل من رفيق الحريري مساهماً في نسج خيوط اتفاق الطائف، وبعده رئيساً للوزراء يحمل تحت إبطه مشروعاً ورؤية سياسية واقتصادية عمل على تنفيذها. كلّ ما قام به رفيق الحريري أهّله كي يصل رئاسة الوزراء لكنه لم يجعله زعيماً. لكن أداءه في رئاسة الحكومة، ونجاحه في تنفيذ مشروعه -أعجبنا أم لم يعجبنا- وشبكة العلاقات الخارجية الواسعة التي نجح بنسجها، وبراعته في تدوير الزوايا مع الزعامات اللبنانية الأخرى وحجز مكان له بينها، والقفز بين ألغام الوصاية السورية، كل ذلك جعل من رفيق الحريري زعيماً كبيراً على مستوى لبنان والمنطقة، وأعطى زخماً كبيراً للطائفة التي مثلها في المعادلة اللبنانية.

نجاح رفيق الحريري حين كان في السلطة، إضافة إلى جريمة اغتياله البشعة، منح وريثه السياسي وابنه سعد الحريري تعاطفاً واسعاً في الانتخابات النيابية التي تلت جريمة الاغتيال. يومها لم ينتخب اللبنانيون سعد الحريري، بل انتخبوا ابن رفيق الحريري الذي لم يكونوا يعرفون عنه شيئاً. فاكتسح الحريري الابن مجلس النواب، وصار زعيماً لأكبر كتلة نيابية، ورقم صعباً في السلطة. لكن منذ ذلك الحين، وعِوض أن يراكم سعد الحريري على زعامة والده، قدّم أداء سيئاً، وبدأت شعبيته تتراجع عاماً بعد عام، وكتلته النيابية تتآكل عند كل استحقاق انتخابي، حتى وصل به الأمر مؤخراً لمغادرة المشهد السياسي.

الإهمال الخارجي والخليجي تحديداً الذي يعاني منه لبنان، والفراغ السياسي الذي تركه سعد الحريري قد يكون فرصة ذهبية، لاسيما بالنسبة للمسلمين السنّة الذين اعتادوا على الرعاية والاحتضان والمساندة من الدول العربية، لاسيما المملكة العربية السعودية. اليوم زعامة الطائفة "شمّعت الخيط"، والخارج رفع يده عن لبنان، والمملكة نفضت عباءتها عنه، وصار المسلمون السنّة في لبنان لا حول لهم ولا قوة. وهو الوقت الأنسب كي تتشكل زعامات جديدة، تخرج من الطائفة نفسها، لاتهبط عليها من الخارج، أو تسوّق لنفسها بحقائب الدولارات كما يفعل البعض اليوم. ربما تتعرض الطائفة في المرحلة المقبلة لاهتزازات واختراقات، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن المؤكد أنها بالنهاية ستفرز من بينها قيادات وزعامات نسأل الله أن تكون أفضل من التي كانت قائمة.

أوّاب إبراهيم