العدد 1540 /7-12-2022
أواب ابراهيم
بمجرد أن تمّ إصعاده إلى السيارة حتى
بدأ ركله وصفعه، وحين وصل إلى مركز التحقيق كانت العناصر الأمنية الموجودة في
المركز تنتظره لتتقاذفه، فيتم دفعه إلى حائط، ثم يمسكون به ويدفعونه لحائط آخر.
تعرض للجلد بسلك كهربائي وقطعة حديد، والركل والضرب والشتم والجلد ولطم رأسه
بالباب.
هذا
ليس مقطعاً من فيلم رعب، ولا مذكرات أحد الموقوفين لما تعرض له في غوانتاناموا أو
سجن أبو غريب أو في السجون السورية، إنما وردت في قرار ظني صدر عن قاضي التحقيق
العسكري نجاة أبو شقرا خلال تحقيقاتها بملابسات وفاة أحد الموقوفين، الذي توفي بعد
ساعات قليلة من توقيفه جراء التعذيب الذي تعرض له في مركز تبنين التابع لجهاز أمن
الدولة المحسوب على ميشال عون وفريقه السياسي. هي أمور تجري منذ عقود في السجون
اللبنانية، وفي أقبية التحقيق التابعة للأجهزة الأمنية، الفارق هذه المرة أن هذه
الإجراءات الوحشية تمّ توثيقها بوثيقة قضائية.
القرار
الظني لايقتصر على ملابسات وفاة الموقوف فقط، بل امتد للكشف على جميع الموقوفين
الآخرين المحتجزين في النظارة التي مات فيها الموقوف تحت التعذيب. ليتبين أن جميع
الموقوفين تعرضوا لتعذيب وضرب مبرح وأن آثار جروح قديمة مازالت في ظاهرة في أجسادهم.
بعض
التفاصيل الواردة فيما كشفه القرار الظني يقدم صورة عن الوقاحة
و"البجاحة" والثقة التي يخالف فيها ضباط وأفراد الأجهزة الأمنية القانون،
دون أن يعبأوا بملاحقة أو محاسبة أو عقاب. الضابط المسؤول عن وفاة الموقوف يعترف
بأن التعذيب نهج مستمر، وشدته تختلف حسب الجرم المنسوب للمتهم. فإذا كانت التهمة
تتعلق بالإرهاب أو تجارة المخدرات يكون الضرب والركل والصفع والصعق قوياً، أما إن
كانت التهمة بسيطة فالضرب يكون خفيفاً. وحين لاتعجب إفادة المتهم المحقق (الضابط)،
يتم سوق المتهم إلى غرفة أخرى حيث يتعرض لتعذيب شديد يعترف بعدها المتهم بما يريده
المحقق.
لم
يكتف الضابط بقتل الموقوف، بل حاول تلفيق تهمة له بتعاطي المخدرات للتعمية على
جريمته وحرف الأنظار عنها. فهو طلب من معاونيه التوجّه إلى المستشفى التي نقل
إليها القتيل دون إشارة القضاء وسحب عيّنة من بوله وفحصها بأحد المختبرات في
محاولة للعثور على آثار تعاطي المخدرات، لكن النتيجة أتت سلبية.
التعذيب
في السجون اللبنانية ليس جديداً. فروايات الموقوفين المفرج عنهم مليئة بالدموع
والألم والجروح المتقرّحة، والإذلال والإهانات الذي يتعرضون لها خلال التحقيق معهم
لدى الأجهزة الأمنية. لكن لا أحد كان يسمع إليهم، وكثر كانوا يشككون بهذه الشهادات.
لذلك، تكمن قيمة القرار الظني الصادر عن القاضي أبو شقرا أنه قدم شهادة لالبس فيها،
تؤكد أن التعذيب الذي تشهده مراكز التوقيف في لبنان لا يقلّ عما يحصل في أقبية
التعذيب التابعة لأنظمة عربية معروفة بالظلم والاستبداد والوحشية والإجرام.
الملفت
أن التعذيب في السجون لايخضع للتجاذبات السياسية. فليس بإمكان طرف سياسي أن يتهم
الآخر بالتورط به. فمن المعروف أن لكل جهاز أمني تبعية سياسية يميل إليها وينفذ
توجهاتها. لكن موضوع التعذيب في السجون عابر للخلافات السياسية. فجميع الأجهزة
الأمنية على اختلافها وتناقضاتها تمارسه. سواء تلك المحسوبة على ما يعرف بالثامن
من آذار أو المحسوبة على الجهة المقابلة.
ولعلّ
الأهم في القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق العسكري أنه كسر مساراً قديماً
وطويلاً من التواطؤ وغضّ النظر من القضاء والقضاة تجاه ما ترتكبه الأجهزة الأمنية
من تعذيب مخالف للقانون في مراكز الاحتجاز التابعة لها. فجميع القضاة يعرفون بما
يجري، لكنهم لطالما غضّوا النظر وأهملوا شكاوى الموقوفين وآثار التعذيب على
أجسادهم التي كانوا يعرضونها أمامهم. تواطؤ وصل حدّ الاعتماد على الاعترافات التي
تنتزعها الأجهزة الأمنية من أجساد الموقوفين، رغم إنكار الموقوفين لها أمام قوس
المحكمة.
أوّاب
إبراهيم