العدد 1432 / 14-10-2020
أواب إبراهيم
في مقابلته الأخيرة طاولت سهام الرئيس
سعد الحريري جميع الفرقاء السياسيين حلفاء وخصوماً، لكن حين سئل عن سلاح حزب الله قال بأن هذا السلاح أمر واقع، وبات دوره
إقليمياً ولا طائل من المطالبة بسحبه. رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط
فعل الأمر نفسه في إطلالته الأخيرة، فهو شمل بانتقاداته الجميع، لكن حين وصل
الحديث إلى سلاح حزب الله "سبّل" البيك عيناه وداعب القلم بين إصبعين من
أصابعه، وقال إن هذا السلاح لم يعد شأناً داخلياً، والمطالبة بسحبه لاطائل منها، وجلّ
ما يطلبه من الحزب هو التزامه بضبط الحدود ومنع التهريب.
تحلّ هذه الأيام ذكرى أحداث 13 تشرين
أول 1990 التي شهدت هروب الرئيس الحالي ميشال عون من قصر بعبدا إلى السفارة
الفرنسية. ما يعنيني بهذه المناسبة هو أن وسائل الإعلام التابعة للرئيس عون أحيت
المناسبة باستذكار مواقفه وتصريحاته وتمسّكه بالسيادة، والتي كان يتصدرها
بالمطالبة بسحب سلاح حزب الله، ومن المعروف أنه كان من الساعين والداعمين والمحرّضين
لصدور القرار 1559 الذي يدعو لسحب سلاح المليشيات. الجهد الكبير الذي قام به عون
طوال أكثر من عقدين لسحب سلاح الحزب، عاد وتراجع عنه حين وقّع وثيقة التفاهم في
مار مخايل، وتحوّل سلاح الميليشيات إلى ضرورة لاسترجاع الأراضي المحتلة ومواجهة
التكفيريين.
مشكلة الطبقة السياسية في لبنان أنها بلغت من العتوّ
والغرور حدّاً باتت معه تعتبر الشعب اللبناني جاهزاً لأي انقلاب في مواقفهم دون سؤال
أو مراجعة أو استغراب. وأن على اللبنانيين مواصلة التصفيق والتهليل للزعيم كلما
أنهى فقرة من خطابه، حتى لو كان هذا الخطاب انقلاباً على ما سبقه من خطابات
ومواقف.
طوال 15 سنة كان خطاب الرئيس الحريري يقوم
على سحب سلاح حزب الله، وتعمّقت هذه المطالبة باتهام المحكمة الدولية لقياديين
بالحزب بارتكاب جريمة اغتيال والده. ودعماً لهذا الموقف دفع اللبنانيون الكثير من
الدم والخوف والهلع والتعطيل. لكن كان دائماً الموقف، أنه لايجب أن يكون هناك سلاح
إلا سلاح الشرعية اللبنانية. الزعيم وليد جنبلاط هو الآخر، كان رأس حربة حملة
شعواء خاضها في مواجهة حزب الله مطالباً بسحب سلاحه، وتسبّب بأحداث 7 أيار 2008
ليس للمطالبة بسلاح الحزب، بل فقط لوقف مدّ شبكة اتصالاته، فسقط عشرات الضحايا
واستُبيحت بيروت، وكادت تكون حرباً أهلية. ثم بعد ذلك أخبرنا جنبلاط أن ما قام به
كان خطأ وأنه "تحمّس" حينها بعض الشيء. جنبلاط لم يكتفِ اليوم بالتسليم
بسلاح الحزب، بل إنه يطالبه بضبط الحدود ووقف التهريب، وهي المهمة التي يفترض أن
تكون على عاتق السلطة اللبنانية وأجهزتها العسكرية والأمنية.
الانقلاب في المواقف الذي يطلق عليه
البعض "الواقعية السياسية" التي ينتهجها الحريري وجنبلاط وقبلهما عون
وآخرون، كان يمكن "بلعها" لو أنها بُنيت على أرضية منطقية ومفهومة، ولو
أن المنقلبين تكبّدوا عناء إقناع قواعدهم الشعبية بالموقف الجديد الذي انتقلوا
اليه .
فالرئيس الحريري معنيّ بإفهام أبناء
الطريق الجديدة أن سلاح حزب الله لم يعد أمراً مرفوضاً، وبالنسبة للاتهام باغتيال
والده "عفى الله عن ما مضى". وهو موقف حميد، لكن لا يمكن التراجع عنه
والانقلاب عليه حين تتغيّر الظروف وتصبح المطالبة بسلاح الحزب مطلوبة، ويعود تأجيج
الأحقاد الطائفية. الأمر نفسه بالنسبة لجنبلاط، فإذا سلّم بسلاح الحزب اليوم،
لايستقيم أن يخرج علينا غداً مطالباً بسحبه ومستعداً لإحراق البلد من أجله. ربما
الرئيس ميشال عون هو الوحيد الذي أستمر انقلابه على مواقفه، فوصل بفضل ذلك لقصر
بعبدا. وهو يدرك أنه وصل بفضل الحزب، وكان نائب حزب الله نوّاف الموسوي صريحاً
ومباشراً حين قال بأن عون وصل للرئاسة بفضل بندقية المقاومة.
بإمكان الحريري وجنبلاط وعون وغيرهم
أن يغيّروا مواقفهم كما شاؤا، وبإمكانهم تشريع كل خطأ ومخالفة. لكن هذه المواقف
لاتغيّر من حقيقة أن احتفاظ حزب الله بسلاحه أمر غير منطقي ويمسّ بالسيادة ولو وقف
قال خلاف ذلك العالم أجمع.