العدد 1581 /27-9-2023
بسام غنوم

هبة باردة وهبة ساخنة هذا هو ملخص الواقع السياسي اللبناني في ضوء حالة المراوحة السياسية التي بدأت ترخي بثقلها على الوضع الامني في لبنان الذي كان على موعد مع حدث امني لافت الا وهو استهداف مبنى السفارة الاميركية في عوكر ب 9 رصاصات من قبل احد عمال الدليفري الذي يقطن في الضاحية الجنوبية، وقد تزامنت عملية استهداف السفارة الاميركية في منطقة عوكر مع احتفال اقامته السفيرة الاميركية في لبنان دورثي شيا بذكرى تفجير السفارة الاميركية في بيروت في 18 نيسان 1983 ، حيث قالت السفيرة الاميركية في كلمة لها بالمناسبة، أن " أولئك الذين اتخذوا قرارًا باغتيال زملائنا بعنف وإصابة أسرة سفارتنا قد قللوا من شأننا. لم يفهموا أن الروابط التي نتشاركها جميعًا تبقى قوية على الرغم من الخوف والترهيب الذي قد يحاولون غرسه". وأضافت " دعونا نظهر من خلال التزامنا المستمر تجاه هذا المجتمع وهذه الأهداف المشتركة، أنه في جهوده لكسرنا، فشل حزب الله. لا أحد يستطيع كسر العزم الذي نتشاركه جميعًا في العمل معًا، والاعتناء ببعضنا البعض، ودعم مستقبل أفضل للشعب اللبناني".

وقد اتى هذا الحدث الامني مع الحديث عن خلافات بين اعضاء اللجنة الخماسية المكلفة بمتابعة الشأن اللبناني والتي تضم كلا من الولايات التحدة الاميركية وقطر والسعودية ومصر وفرنسا ، حيث تحدثت الانباء عن خلاف وقع في اجتماعات اللجنة الخماسية في نيويورك الذي عقد على هامش الدورة العادية الـ78 للجمعية العامة للامم المتحدة ، بين الموفد الفرنسي جان ايف لودريان وممثلة الولايات المتحدة في الاجتماع الخماسي باربرا ليف التي قالت: "لا تستطيع بلادي الاستمرار بمساعدتها للجيش اللبناني في غياب حل سياسي كامل متكامل".

وقيل ان اعضاء اللجنة الخماسية ابلغوا الموفد الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان ان مهمته ليست مفتوحة بل يجب ان يكون لها وقت محدد ، وقد ساهمت هذه الانباء في عودة التشاؤم الى الملف الرئاسي حيث يتحدث البعض في لبنان عن فشل مهمة لودريان وعن تقدم التحرك القطري الذي يتحرك بفاعلية من وراء الكواليس من اجل انجاز الاستحقاق الرئاسي.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل المعطيات الامنية والسياسية المقلقة هو: هل هناك تسابق بين الحلين السياسي والامني في لبنان في ضوء المعطيات الحالية ؟

لايمكن المرور مرور الكرام على حادث استهداف السفارة الاميركية في عوكر برصاصات قيل انها من احد عمال التوصيل ( الدليفري ) بعد خلافه مع احد عناصر امن السفارة الأميركية قبل عشرة ايام من حادثة اطلاق النار على السفارة ، ذلك ان مثل هذا الحدث في ظل حالة الانسداد السياسي القائمة في البلد له دلالات خطيرة ومنها :

- ان الوجود الاميركي في لبنان وان كان في منطقة بعيدة عن بيروت وضواحيها ، وفي ظل ترتيبات امنية مشددة ليس ببعيد عن متناول من يعارض السياسة الاميركية في لبنان والمنطقة .

- ان اي محاولة لجعل لبنان جزء من المشروع الاميركي في المنطقة لن يكون ممكنا في ظل المعادلة السياسية والامنية القائمة في لبنان.

- واخيرا ان اي حل سياسي في لبنان سواء فيما يتعلق بسلاح المقاومة او بملف الاستحقاق الرئاسي لن يكون على حساب فريق الممانعة في لبنان والمنطقة.

وتختصر هذه النقاط الرسالة السياسية التي اراد البعض الاستفادة منها في حادثة اطلاق النار على السفارة الاميركية في عوكر ، وقد وصلت الرسالة الى من يهمهم الامر رغم القاء القبض على مطلق النار على السفارة في الضاحية الجنوبية من قبل فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ، وهنا تجدر الاشارة ان مثل هذه الاحداث الفردية كانت سببا في اشتعال حروب ومعارك بين دول كثيرة لأنه في ظل حالة التجاذب والاستقطاب السياسي والطائفي القائمة حاليا في لبنان نتذكر حادثة بوسطة عين الرمانة في 13 نيسان 1975 التي كانت سببا في تفجر الحرب الاهلية اللبنانية.

لكن هل هذا يعني ان ملف رئاسة الجمهورية قد حسم لصالح فريق على باقي الافرقاء الآخرين في لبنان ؟

تتقاطع المعلومات السياسية والدبلوماسية عند نقطة هامة تتعلق بالاستحقاق الرئاسي وهي انه من غير المقبول الاتيان برئيس للجمهورية في لبنان يمثل امتدادا لعهد الرئيس عون ، وهذا الموقف عبر عنه صراحة السفير السعودي السابق في لبنان علي عواض عسيري وكذلك باقي اعضاء اللجنة الخماسية المكلفة بالملف اللبناني ، ويأتي الحراك القطري البعيد عن الاضواء في لبنان في هذا الاطار حيث تتحدث الانباء عن طرح قطري لعدة اسماء لرئاسة الجمهورية ليس من بينها النائب السابق سليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي ، ولا الوزير السابق جهاد ازعور مرشح المعارضة، وهذه اللائحة تضم قائد الجيش جوزاف عون ، والوزير السابق زياد بارود ، ومدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري ، وكذلك النائب نعمة افرام الذي يقوم بحراك خاص تجاه فريق "حزب الله" واعضاء اللجنة الخماسية .

بالخلاصة يمكن القول الساحة اللبنانية مفتوحة على كل الاحتمالات ومنها الاحتمال الامني ، وحادثة السفارة الاميركية في بيروت وغيرها من الحوادث المتنقلة والتي قد يحمل بعضها الطابع الفردي ، مؤشر على خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان حاليا.

بسام غنوم