العدد 1546 /18-1-2023
بسام غنوم

تعيش الساحة اللبنانية على وقع تطورات سياسية وامنية متلاحقة فيما الوضع الاقتصادي يزداد سوء يوما بعد يوم ، فبعد قيام جهاز امن الدولة بتوقيف الناشط وليم نون على خلفية كلام قاله في اعتصام لأهالي شهداء تفجير مرفاء بيروت امام قصر العدل في بيروت ، شهد لبنان تحركات رافضة لهذا التوقيف اخذت ابعادا سياسية وقضائية ، ووصلت الى حد قول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن "توقيف وليم نون أكد أن القضاء أصبح وسيلة للانتقام والكيدية والحقد وان الاجهزة الامنية تلبس لباس الممارسة البوليسية وليبين فلتان القضاء بحيث يحلو لأي قاض توقيف أي شخص دون التفكير بالعدالة”، سائلًا: "هل يوجد في العدلية قضاة مفصولين لمحاكمة اشقاء ضحايا المرفأ؟”

ولا ينفصل موقف البطريرك الراعي عن مواقف العديد من النواب والشخصيات السياسية التي اتخذت من قضية توقيف وليم نون منطلق للتصويب على الطبقة السياسية التي تعطل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتعمل على القضاء على ما تبقى من مؤسسات الدولة وهو ما اشار اليه نائب رئيس حزب الكتائب والنقيب السابق للمحامين جورج جريج قائلا في حديث لصوت لبنان : "اذا جريمة بحجم جريمة المرفأ يختلف مجلس القضاء الاعلى على بيان مؤلف من بضعة اسطر حيالها، فهذا يعني ان القضاء ليس بخير والتلوث وصل الى منطقة الخطر في المعقل الاخير الذي هو مرفق العدالة".

وغير بعيد عن قضية توقيف الناشط وليم نون يثور جدل سياسي وقانوني كبير حول شرعية انعقاد جلسة ثانية لمجلس الوزراء مخصصة للبحث في ملف الكهرباء وبعض القضايا الملحة الاخرى ، حيث يرفض رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل انعقاد الجلسة فيما يصر الرئيس ميقاتي على عقد جلسة لمجلس الوزراء لاقرار صرف اموال لقطاع الكهرباء ، وقد تؤدي هذه الجلسة الوزارية الى تفاقم الخلاف بين "حزب الله" والتيار الوطني الحر الذي يعتبر مشاركة وزراء "حزب الله" في جلسة الحكومة خرق لتفاهم مار مخايل ، فيما يرى "حزب الله" ان مشاركة وزراءه في الجلسة الحكومية ضروري ولا بد منه لمعالجة قضية الكهرباء.

ويحدث كل هذا الجدل والصراعات السياسية والقضائية فيما الدولار الاميركي يواصل ارتفاعه امام الليرة اللبنانية بحيث وصل الى مايقارب ال 50 الف ليرة لبنانية للدولار الواحد ، في وقت تتزايد فيه الاضرابات النقابية والعمالية المطالبة بزيادة الاجور وآخرها اضرابات المعلمين في القطاعين العام والخاص والتي اصبحت تهدد العام الدراسي.

فهل ما يجري على الساحة اللبنانية من تحركات ومواقف هو بهدف الوصول الى وضع يؤدي الى تفجير الساحة اللبنانية والعودة بلبنان الى مرحلة الحروب الاهلية ؟

لايمكن باي حال من الاحوال فهم ما يجري على الساحة اللبنانية سواء على الصعيد السياسي المتعلق بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ، او على الصعيد الاقتصادي والمعيشي فيما يتعلق بارتفاع سعر صرف الدولار والاستمرار بمحاولات تعطيل وتدمير ماتبقى من مؤسسات الدولة ، الا في اطار ان هناك من يريد العودة بلبنان واللبنانيين الى فترة الحرب الاهلية البغيضة.

فالبطريرك الراعي اعتبر "أن اطالة الشغور سيتبعه بعد مدة شغور في كبريات المؤسسات الدستورية والمالية والعسكرية واحذر منذ الآن من مخطط قيد التحضير لخلق فراغ في المناصب المارونية والمسيحية لينتزعوها بالامر الواقع" ، وتكمن خطورة هذا الكلام اولا في انه صادرا عن اعلى مرجع روحي للموارنة في لبنان ، وهو يأتي بعد دعوة سابقة منه لعقد مؤتمر دولي لحل الازمة اللبنانية ، وتتعارض هذه المواقف مع ما يدعو اليه "حزب الله" بخصوص انتخابات رئاسة الجمهورية فقد قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أننا "نبحث في مواصفات رئيس الجمهورية في الوقت الذي تجتهد فيه الناس بانتقاء الرئيس الذي من الممكن أن يعطي قيمة مضافة للبلد، ونحن بكل وضوح نريد رئيساً للجمهورية يستطيع على أن يعبّر عن تطلعات اللبنانيين ويحفظ التوازنات القائمة بين السلطات السياسية ومكونات المجتمع اللبناني، ولا مكان لأن يراهن العدو عليه أو على ضعفه أو على استمالته أو على أخذ توقيع منه أو موقف لمصلحة العدو الإسرائيلي".

ومن الواضح ان ازمة الشغور الرئاسي بدأت تأخذ ابعادا طائفية وسياسية تذكر اللبنانيين بفترة الحرب الاهلية البغيضة ، وهو ما يستلزم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اسرع وقت ممكن حتى لا يسقط لبنان مجددا في فخ الحروب الطائفية ، وتكشف التحركات على الارض في اكثر من منطقة ان هناك تحضيرات لهذا الامر من قبل مختلف الاطراف اللبنانية الفاعلة ، ففي مقابل سرايا المقاومة التي تتبع ل "حزب الله" ، والتي تنتشر في مختلف المناطق اللبنانية وفي العاصمة بيروت منذ فترة طويلة ، برز مؤخرا في المناطق المسيحية من العاصمة بيروت وتحديدا في منطقة الاشرفية ما يسمى ب "جند الرب" ، وهم تشكيل مليشياوي شبيه بسرايا المقاومة ، ومن يتذكر بدايات الحرب اللبنانية في العام 1975 يعلم ان بداية الحرب سبقها تشكيل مليشيات طائفية وحزبية مشابهة مثل حراس الأرز وغيرها .

بالخلاصة يمكن القول ان ما يجري في لبنان حاليا وعلى كل الصعد لا يبشر بالخير، فهناك من يريد استمرار الوضع القائم رغم ما يعيشه لبنان واللبنانيين ، وهناك من يحلم بالعودة بلبنان الى ما قبل العام 1975، وبين هؤلاء واولئك لبنان ينزف والخشية كل الخشية ان يعود لبنان مجددا الى تجربة الحرب الاهلية البغيضة .

بسام غنوم