العدد 1498 /2-2-2022
هل تشكل الورقة الكويتية مدخلا للحل في ظل حالة التجاذب الداخلية والخارجية
القائمة في المنطقة ؟
تعيش الساحة السياسية
اللبنانية على وقع المتغيرات المتلاحقة التي تتوالى مع اقتراب موعد الانتخابات
النيابية المقرر اجراؤها في شهر ايار القادم ، فبعد قرار الرئيس سعد الحريري
بتعليق نشاطه ونشاط تيار المستقبل السياسي وما تركه من اصداء على الساحة اللبنانية
خصوصا على الساحة السنية ، اتجهت الانظار الى اجتماع وزراء الخارجية العرب
التشاوري في الكويت الذي استلم الرد اللبناني الرسمي على الورقة الكويتية التي
حملها وزير خارجية الكويت أحمد ناصر الصباح الى لبنان في الاسبوع الماضي ، وقد
اثارت الورقة الكويتية جدلا كبيرا في لبنان بين مؤيد ومعارض لها حيث اعتبرتها
القوى المعارضة للسلطة الفرصة الاخيرة امام هذه السلطة لانقاذ لبنان مما هو فيه من
ازمات بفعل سياسة وضع اليد على القرار السياسي والامني في الدولة من قبل "حزب
الله" ، بينما فضل الرؤساء الثلاثة عون وبري وميقاتي عدم الخوض في تفاصيل
الورقة الكويتية عبر وسائل الاعلام وحتى عدم مناقشتها في مجلس الوزراء والاكتفاء
بكتابة رد مكتوب حمله وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الى الى الاجتماع التشاوري
لوزراء الخارجية العرب الذي عقد في الكويت وهو اثار استغراب وحفيظة القوى السياسية
المعارضة للسلطة فقال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع معلقا على الموضوع :
"كل يوم هناك خرق جديد للدستور والقوانين. بدلاً من أن تطرح الورقة الكويتية على
مجلس الوزراء لمناقشتها، اختزل الرؤساء الثلاثة المسألة بأشخاصهم وكلّفوا وزير الخارجية
بإعطاء جواب لبنان الرسمي. وأضاف عبر "تويتر": "لا شيء بالدستور اسمه
الرؤساء الثلاثة، هناك رئاسة الجمهورية، مجلس النواب ومجلس الوزراء، والردّ على الرسالة
الخليجية هو من صلاحيات مجلس الوزراء حصراً".
وهنا يطرح السؤال التالي:
هل تشكل الورقة الكويتية مدخلا للحل في ظل حالة التجاذب الداخلية والخارجية
القائمة في المنطقة ؟
طرحت طريقة الاجابة على
الورقة الكويتية من قبل اهل السلطة الكثير من التساؤلات حول جدية الاستجابة
للمطالب الورادة في هذة الورقة اولا ، وحالة الارباك التي اصابت الرؤساء الثلاثة
والثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر حول مضمون الورقة ثانيا، فالرؤساء الثلاثة
يعلمون علم اليقين ان "حزب الله" لايريد الامتثال لمطلب رئيسي في الورقة
وهو تطبيق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي 1559 (الخاص بنزع سلاح الميليشيات
في لبنان) و1680 (حول سيادة لبنان وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي) و1701 (وقف
كل العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل عقب حرب 2006)، ولذلك جرى حديث عن انه تم
تكليف الرئيس نبيه بري صياغة الرد اللبناني على الورقة الكويتية تفاديا للاحراج مع
"حزب الله"، وكذلك حتى حتى لايؤدي الرد الى ازمة جديدة في مجلس الوزراء وهو
ما يكشف حساسية الوضع السياسي الذي تعيشه الحكومة على مستوى اتخاذ القرار السياسي
في البلد، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان اهل السلطة ومعهم حتى "حزب
الله" لا يمكنهم أن يتجاهلوا باقي البنود الواردة في الورقة ومنها :1- وقف كافة
أنشطة الجماعات المناوئة لدول مجلس التعاون وملاحقة كل من يحاول التحريض على العنف
أو يشارك فيه من المواطنين أو المقيمين في لبنان ضد حكومات مجلس التعاون الخليجي.
2-التدقيق على الصادرات اللبنانية
إلى دول مجلس التعاون عبر آلية تواجد مراقبين بشكل ثنائي لضمان خلو الصادرات من أي
ممنوعات، وبشكل خاص المخدرات التي تستهدف الأمن الاجتماعي لدول المجلس، ويمكن في هذا
الصدد اعتماد نفس الآلية الأوروبية.
3-بسط سيطرة السلطات الرسمية
اللبنانية على كافة منافذ الدولة.
4-وضع نظام تبادل معلومات
أمنية بين دول مجلس التعاون والحكومة اللبنانية.
فهذه البنود الاربعة تشكل
نقاط اتفاق بين الرؤساء الثلاثة ويمكن ل "حزب الله" الاستجابة لها
بطريقة او بأخرى خصوصا فيما يتعلق بتهريب المخدرات الذي ينفي الحزب نفيا قاطعا اي
صلة له من قريب او بعيد بهذه القضية ، ولذلك جاء الرد اللبناني الذي حمله وزير
الخارجية عبد الله بوحبيب الى الكويت بين الاستجابة لمواضيع المخدرات وضبط الحدود
والرفض المبطن لتطبيق قرارات مجلس الامن اي على الطريقة اللبنانية التقليدية
" لايموت الديب ولا يفنى الغنم".
لكن هل يمكن القول ان الرد
اللبناني كان مقنعا وبالتالي نجح لبنان في تجاوز قطوع الورقة الكويتية ان صح
التعبير؟
يكشف تعليق وزير الخارجية
الكويتي أحمد ناصر الصباح على الرد اللبناني والذي قال فيه «تلقينا الرد من لبنان على
الورقة الخليجية، والأمر متروك لدراسة هذا الرد من قبل الجهات المعنية في الكويت ودول
الخليج لمعرفة الخطوة القادمة مع لبنان»، وأضاف أن «الورقة شكلت إطارا لإجراءات بناء
الثقة بين دول الخليج ولبنان، وتجري دراسة الرد اللبناني الذي نعتبره خطوة إيجابية
بحد ذاتها».
واللافت كان تأكيد وزير
خاجية الكويت مجددا أن «الورقة الكويتية كانت ورقة خليجية ودولية وليست فقط كويتية،
ووصلنا الرد اللبناني على المقترحات التي قدمناها وهو قيد الدراسة خليجياً»، وهو
ما يعني ان الامور لن تنتهي عند تسلم الرد اللبناني "وكفى الله المؤمنين
القتال" ، بل سيكون هناك دراسة للرد اللبناني ومتابعة من قبل مجلس التعاون
الخليجي والمجتمع الدولي ، وهناك احاديث عن "مشروع يتمّ مناقشته في الكونعرس
الاميركي حول منطقة خالية من الميليشيات يحميها الجيش اللبناني وتفتح المجال امام المساعدات
والاستثمارات وهذا المشروع امني بحت وبعده كلّ الحريّة للبنانيين ليتفقوا حول المستقبل”،
والتحرك الاميركي والاوروبي والعربي في هذا الاطار بدأ فعليا مع قرار استجرار
الكهرباء الى لبنان من الاردن والغاز من مصر لحل ازمة الكهرباء في لبنان ، ويبدو
من سياق الامور ان هناك مسار سياسيا وامنيا واقتصاديا يجري العمل عليه عربيا
واميركيا من اجل عدم ترك لبنان رهينة للمشروع الايراني في المنطقة ، وان المواجهة
في لبنان لن تكون عسكرية بل ستكون مواجهة سياسية عبر الانتخابات النيابية القادمة
، واقتصادية عبر توفير حاجات اللبنانيين بعيدا عن هيمنة السلطة الحاكمة.
باختصار لبنان دخل في
مسار المواجهة السياسية والاقتصادية مع المشروع الايراني في المنطقة، فهل تشكل
مفاوضات جنيف حول الملف النووي الايراني مدخلا للحل في لبنان وغيره من مناطق
النزاع في المنطقة ام يسقط لبنان والمنطقة في حالة من الفوضى الشاملة ؟
بسام غنوم