العدد 1595 /3-1-2024
بسام غنوم
مع انتهاء عطلة عيد
الميلاد ورأس السنة تعود عجلة السياسة في لبنان الى الدوران مع بداية العام الجديد
2024 ، وهناك عنوانان بارزان في بداية العام الجديد ، وهما الوضع في الجنوب في ظل
المواجهات المستمرة بين المقاومة والعدو الاسرائيلي والتي بدأت تأخذ منحى تصعيديا
في الايام القليلة الماضية ، وآخرها اغتيال الشهيد الشيخ صالح العاروري وعددا من
قادة كتائب القسام في الضاحية الجنوبية، وهو ما اثار الكثير من التكهنات حول
احتمال توسع المواجهات الى مابعد ما يسمى بمناطق الاشتباك في جنوب لبنان وشمال
فلسطين المحتلة .
اما الملف الثاني فهو ملف
انتخابات رئاسة الجمهورية الذي تراجع الاهتمام به محليا ودوليا في الفترة الماضية
مع انطلاق معركة طوفان الأقصى ، واشتداد المعارك في غزة بين كتائب القسام وقوى
المقاومة من جهة والجيش الاسرائيلي من جهة اخرى.
هذا التطور الامني الذي
طرأ على الوضع اللبناني الداخلي بإغتيال الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية
لبيروت ، ومع اشتداد المعارك في غزة ، تزامن مع حراك لبناني وعربي ودولي من اجل
تحريك ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان ، يكون جزأ من الحل السياسي للوضع
في المنطقة ككل ويبعد لبنان عن مايجري في غزة وفلسطين ، وهو ماتعمل عليه جهات
دولية عبر موفد اللجنة الخماسية الدولية جان ايف لودريان وكذلك الجهود الذي يبذلها
الموفد القطري بعيدا عن وسائل الاعلام المحلية والدولية ، وفي هذا الاتجاه كان
لافتا الخطوة التي قامت بها الادارة الاميركية بالاعلان عن سحب حاملة الطائرات
جيرالد فورد والسفن المرافقة لها من المنطقة حيث أعلنت البحرية
الأميركية أنه "ستتم إعادة حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد آر فورد إلى
الولايات المتحدة في الأيام المقبلة بعد أن كانت أرسِلت إلى البحر المتوسط على عجل
إثر الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول".
وهذه الخطوة الاميركية تركت انطباعا ايجابيا عن
مستقبل الوضع في المنطقة مما شجع الوسطاء على اعادة نشاطهم من اجل ترتيب الوضع
اللبناني الداخلي المرتبط ارتباطا وثيقا بملف المعارك في غزة ،وتعكس عملية اغتيال
الشيخ العاروري واخوانه مدى ارتباط الوضع في لبنان بما يجري في غزة وفلسطين مما
يؤكد ان كل محاولة لفصل الملف اللبناني عن ما يجري في غزة انما هو محاولة لضرب
المقاومة في المنطقة وفي لبنان عبر العمل على فصل الساحات تحت عناوين سياسية
واقتصادية واشياء اخرى.
كل هذه الامور والتطورات تؤكد ان العام الجديد
2024 سيشهد حراكا محموما من اجل انجاز الملف الرئاسي ، واعادة ترتيب الوضع
اللبناني برمته خصوصا بعد معركة طوفان الاقصى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل الساحة اللبنانية اصبحت
مهيأة للحل السياسي في ظل عدم انتهاء معركة طوفان الأقصى ؟
يبدو ان الحراك السياسي الداخلي والخارجي المرتبط
بانتخابات رئاسة الجمهورية واعادة ترتيب الوضع اللبناني وخصوصا في الجنوب ينطلق من
ان معركة غزة قد شارفت على نهايتها لكن ما جرى في الضاحية من عملية اغتيال
اسرائيلية جبانة للشيخ صالح العاروري يؤكد على ان رهان البعض في لبنان على ان
نتائج المعركة في غزة ستكون لصالح المشروع الاميركي والصهيوني في المنطقة هو في
غير محله ، وهذا موقف بعض القيادات اللبنانية التي تدور في الفلك الاميركي والغربي
ومنهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يرى أن "أولويات "حزب
الله" ليست كأولويات المواطن اللبناني ولهذا السبب وصل الأخير إلى ما وصل
إليه اليوم، فعلى صعيد الانتخابات الرئاسية من مصلحة المواطن اللبناني أن يجري هذا
الإستحقاق البارحة قبل اليوم وأن يأتي رئيس اصلاحي، سيادي غير فاسد يبغي فعلاً
بناء الدولة، في حين ان أولويّة "حزب الله" هو الإتيان برئيس يدين له
بالولاء الكامل بغية مساعدته في بناء المحور ككل، بدءاً من الضاحية الجنوبيّة في
بيروت وصولاً إلى طهران ومن ثم إلى صنعاء، من هذا المنطلق يقوم "حزب
الله" بتعطيل الإنتخابات الرئاسية ، ولذلك كان هناك رد غير مباشر من الرئيس
بري على سمير جعجع فقال : "نحن لا نفرّط بمتر واحد من الجنوب أو من الأراضي
اللبنانية في مقابل حصولنا على أعلى المناصب في الدولة".
ومن المؤكد ان مثل هذه المواقف التي يطلقها البعض
في لبنان لا تصب في خانة ايجاد الحلول السياسية للوضع اللبناني، وانما تأتي في
إطار "ملء الوقت" ليس إلا، باعتبار أنّ القاصي والداني يدرك أنّ لا
انفراج سيحدث قبل انتهاء الحرب على غزة ، ومن المحتمل ان تترك عملية اغتيال الشيخ
صالح العاروري واخوانه في كتائب القسام تداعيات كبيرة على الساحة اللبنانية على
المستويين السياسي والامني في الايام القادمة .
بالخلاصة معركة طوفان الاقصى ما زالت في اوجها ،
والوضع في جنوب لبنان يزداد توترا خصوصا بعد عملية الاغتيال الاسرائيلية الجبانة
للشيخ صالح العاروري واحتمال الحرب مع العدو الصهيوني في الجنوب اصبح اكثر من
محتمل، وطالما أنّ قواعد الاشتباك التي حكمت العلاقة منذ تموز 2006، تحت لواء
القرار 1701 لم تعد قائمة ، فإن الوضع في لبنان لن يشهد حلولا حتى انتهاء العدوان
الاسرائيلي على غزة وعند ذلك لكل حادث حديث.
بسام غنوم