العدد 1659 /16-4-2025
حسان القطب
عندما
انشيء الكيان الصهيوني (اسرائيل).. عام 1948، كان طموح المؤسس بن غوريون، وفريقه
الصهيوني ان يحظى هذا الكيان بالقبول والاعتراف بالدول العربية المحيطة، وان يتمكن
على الاقل من فتح باب الحوار والتفاوض مع هذه الدول، لتحصين وجوده، طبعا برعاية
وحماية دولية، واعتبر بن غوريون ان ديمومة الكيان واستقراره مرهون بقبول محيطه
العربي به، والقبول بوجوده، وهو ما لم يتم .. واستمر الرفض العربي منذ العام 1948،
حتى انتقال مصر تحت قيادة الرئيس انور السادات الى القبول بالامر الواقع والاعتراف
بالكيان وتوقيع اتفاق كامب دايفيد عام 1978، وبالتالي خروج مصر من دائرة الصراع
العربي- الاسرائيلي.. وكان قد سبقها الى ذلك وبحدود اقل اتفاق الهدنة الذي وقعه
الرئيس السوري حافظ الاسد عام 1974، والذي ضمن الاستقرار على الجبهة الشمالية
الاسرائيلية مع سوريا، وتم تطوير التفاهم في واشنطن عام 2000، في اللقاء الذي جمع
نائب الرئيس السوري فاروق الشرع مع ايهودا باراك بعهد الرئيس بيل كلينتون، ولم
ينته الى توقيع اتفاق علني لكنه كرس الاستقرار على الجبهة السورية..؟؟ رغم الحروب
المتعددة التي شنتها اسرائيل على لبنان وصولا الى الحرب الاخيرة والتي لم تنته
فصولاً بعد..!! وكان اتفاق اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، عام 1993، وتبعه
اتفاق وادي عربة عام 1994 مع الاردن، الى ان عقدت قمة بيروت في لبنان عام 2002،
واعلنت قبولها بالسلام مقابل الارض..
لم
يستفد الكيان من هذا التحول العربي الجماعي والمعلن في قمة عربية تضم الجميع دون
استثناء..ومن عاصمة دولة مواجهة هي بيروت..؟؟
الخطوة
الاولى كانت كانت عام 1995، حين تم اغتيال اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي
الذي وقع اتفاقية السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية..في رسالة واضحة برفض
السلام، والانتقال الى مرحلة المواجهة التي تبلورت اكثر مع الخطوة الثانية التي
كانت وتمثلت في رفض الاعلان العربي، عن الارض مقابل السلام، وقيام دولة
فلسطينية..على الاراضي المحتلة عام 1967..!!
الخطوات
اللاحقة والمتتابعة والتي تدل وتؤكد على رفض اسرائيل للسلام مع محيطها العربي، هو
اصرار حكوماتها المتلاحقة عقب اغتيال رابين، وتقدم الفريق السياسي المتطرف بقيادة
الليكود، في عملية تجاهل بنود اتفاق اوسلو، وتوسيع رقعة الاستيطان، والعمل على طرد
او تشجيع الفلسطينيين على مغادرة الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967..
قوى
التطرف الصهيوني اعتبرت ان قبول الانظمة العربية بالسلام، هو نتيجة ضعف، واقرار
بقوة اسرائيل التي تستطيع فرض شروطها وترسيخ وجودها، وليس بسبب التدخل الاميركي
القوي الى جانب اسرائيل والتجاهل الدولي للحق الفلسطيني في ارض فلسطين، والمعاناة
الفلسطينية الانسانية تحت الاحتلال، وفي مخيمات الشتات..وبالتالي لا حاجة للتفاوض
او التنازل..
معركة
(طوفان الاقصى)..كشفت هشاشة الكيان وعدم قدرته على حماية نفسه في مواجهة فصيل
اسلامي مسلح (حركة حماس).. ومحاصر منذ عام 2008.. فكيف لو تضافرت جهود وقوى المحيط
العربي والاسلامي..؟؟ لذلك كان تدخل المجتمع الدولي، الذي يرعى الشأن الاسرائيلي
والوجود الصهيوني في فلسطين بقيادة الولايات المتحدة، بحيث اصبحت المعركة ليست مع
هذا الكيان بل مع الولايات المتحدة التي تقود الحرب مباشرة بسلاحها ومالها
وقدراتها الهائلة..
مستنداً
الى هذا الدعم غير المسبوق والمفتوح عسكريا وسياسياً ودبلوماسياً ومالياً.. اعلن
نتنياهو ان السلام لا يتم التفاوض عليه بل يفرض بالقوة..؟؟
وهذا
النهج الاستراتيجي يناقض رؤية بن غوريون..ويضع اسرائيل في مواجهة مستمرة مع
المجتمع العربي برمته وليس الفلسطيني كما كان يتم الترويج له خاصة مع عنف الاجرام
الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والذي وضع صورة يهود العالم وخاصة في الكيان
المغتصب.. اما حقيقة ثقافتهم وعقيدتهم وسلوكهم الدموي والاجرامي..
بن
غوريون كان يدرك ان اسرئيل يجب ان تتفوق تقنياً وعلمياً حتى يكون وجودها مقبولاً
وامراً واقعاً لا يمكن تجاهله وليس عسكريا فقط.. لان اليهود في فلسطين المحتلة لا
يشكلون وزناً ديموغرافياً وعددياً يمكنه من الاستمرار في الحرب الى ما لا نهاية،
مما ينهك الكيان وشعبه ويالتالي يكون الانهيار هو النتيجة الحتمية..
سياسة
نتنياهو الاستراتيجية التي تقوم على استمرار واطالة امد الحرب واضعاف الدول
العربية المحيطة بالكيان الغاصب.. استنزفت قدرات يهود فلسطين المحتلة كما يهود
العالم، وكذلك الحلفاء الدوليين واولهم الولايات المتحدة.. التي باتت تستعجل
التوصل الى حل واعادة تسوية صورة اسرائيل امام العالم باسره والتي باتت واضحة
تماماً من حيث العدوانية والاجرام والمشروع الديني الذي تروج له، عكس ما كان يقدمه
بن غوروين ومن جاء بعده من ان اسرائيل كيان علماني لا ديني وتم انخراط حزب العلم
في منظومة الاشتراكية الدولية..
الخلاصة
..
النتيجة
الاولية لهذه الحرب المفتوحة من اكثر 19 شهراً على غزة والضفة وسوريا ولبنان بدات
تترك اثرها على الداخل الاسرائيلي بشكل مباشر.. فقد نشرت الشرق الاوسط وبحسب
تقارير عبرية التقرير التالي..(كشفت مصادر عسكرية في تل أبيب أن رئيس هيئة الأركان
العامة للجيش الإسرائيلي، إيال زامير، شكا أمام جلسة رسمية للكابنيت (المجلس
الوزاري المصغر لشؤون الأمن والسياسة في الحكومة)، من النقص الحاد في القوى
البشرية داخل الجيش، لدرجة أنه أكد أن هذا العجز يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق
أهداف الحرب في قطاع غزة، وقد لا يتيح تحقيقها بالكامل . وأكد زامير، خلال
مناقشاته الأخيرة مع المستوى السياسي، بحسب ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت»،
الاثنين، أن هذا النقص في الجنود المقاتلين يحد من قدرة الجيش على تحقيق كامل
التطلعات التي يضعها صناع القرار في الحكومة الإسرائيلية ويتوقعونها من الجيش.
وأشار زامير إلى أن الحكومة، برئاسة بنيامين نتنياهو، تواصل الاعتماد حصرياً على
الأدوات العسكرية ومقاتلي الجيش الإسرائيلي في إدارة الحرب، دون وجود تحرك سياسي
موازٍ يمكن أن يكمّل العمليات العسكرية على الأرض. وقال لهم إن وضع الجيش الحالي
غير كافٍ لتحقيق الأهداف المعلنة، خاصة في ظل غياب خطة سياسية تواكب المجهود
العسكري وتوفر بديلاً عن حركة «حماس» في القطاع..)..
ما
كان يخشاه بن غوريون حين الاعلان عن دولة اسرائيل، عام 1948، تجاهله نتنياهو
وفريقه المتطرف..وتبين ان السلام والتطبيع مع الانظمة العربية وغيرها لا يقدم
ضمانة للاستمرار والاستقرار لهذا الكيان، لان عقيدته وثقافته عدوانية لا تستيطع
القبول بالآخر وان طموحات الاحتلال والتوسع تطغى على واضعي السياسات الداخلية كما
الخارجية..
حسان القطب