حسان القطب

لبنان يعيش اليوم مرحلة سياسية وأمنية صعبة وبالغة الخطورة، وحل الأزمات الداخلية وتعزيز السلم الأهلي أصبحا امراً ملحاً، ومعالجة الملفات العالقة التي قد تؤثر سلباً على استقرار لبنان لا يمكن تجاهلها أو اغفالها بعد اليوم.. ولا يمكن ان نتجاهل الحشود الإسرائيلية على الحدود والتهديدات اليومية لاستقرار لبنان وتدمير منشآته واعادته إلى العصر الحجري كما ذكر أحد قادة الكيان الغاصب... استقرار لبنان وتناغم مكوناته الوطنية يتطلبان وضع حدٍّ للتجاوزات وممارسات الخروج على القانون، وهذا دون شك أصبح أمراً ضرورياً، إذ لا يمكن ومن غير المقبول ان تستمر على هذ الشاكلة... وتجاهل دور السلاح المنفلت والمتفلت والعابر للحدود ذهاباً وإياباً أمر غير منطقي ابداً.
إضافةً الى حل هذه المشاكل، يبقى من ضمن الملفات الملحة والمطلوب حلها، قضية ملف الشيخ أحمد الأسير وسائر الموقوفين الإسلاميين التي تتفاعل يوماً بعد يوم، والتي لا بدّ من ايجاد حلٍ مقبولٍ لها يعيد ثقة المواطن اللبناني، وخاصةً في مدينة صيدا بمؤسسته الأمنية وقيادته السياسية، وعودة التفاعل والتناغم والتعاون بين قيادة الجيش وسائر المؤسسات الأمنية مع المواطن اللبناني والمواطن الصيداوي بشكلٍ خاص.
مهما قيل ومهما تم تجاهل المعطيات الميدانية وشهادة الشهود، ومهما تبرأت بعض القيادات من مسؤولية الميليشيات غير الشرعية التي تورطت في معركة عبرا السيئة الذكر، إلا ان المواطن الصيداوي يدرك ويعرف في قرارة نفسه ان ميليشيات طائفية شاركت في تأجيج الصراع وفي وقوع المعركة وخلالها، وسواء اعترفت المحكمة العسكرية بشرائط التسجيل التلفزيوني أو لا، فإن مشاعر المواطن الصيداوي وكل مواطن لبناني حر الضمير والانتماء الوطني يعلم علم اليقين بأن الميليشيات الطائفية شاركت لتثبيت هيمنتها وسيطرتها، لا هيمنة الدولة ومؤسساتها، ولا حتى لبسط سلطة القانون، فهي نفسها تخالف القانون في كل ساعة ولحظة... وما جرى في السابع من آذار من عام 2008، خير دليل على تجاهل هذه الميليشيات للسلطات الأمنية وتجاوزها للقانون والأعراف وحتى للسلم الأهلي ومنطق العيش المشترك.
في معركة عبرا خسرت مدينة صيدا مجموعة من شبابها، سواء الذين سقطوا أو الذين اعتقلوا أو غادروا لبنان أو الذين ما زالوا غائبين لا يعرف ما هو مصيرهم ومستقبلهم، وتركوا خلفهم عائلات مكلومة ومجروحة وأيتاماً وأبناء بحاجة لرعاية وحضانة، وأرامل  ينتظرن أو يأملن حلاً لهنّ ولعائلاتهن... كما خسر الجيش اللبناني عدداً من عناصره الذين هم من جسمنا الوطني ومن أبنائنا على مختلف انتمائهم، وهذه الخسارة هي خسارة لكل الوطن دون شك. 
هل نبقي هذا الجرح ينزف ويدمي القلوب، أم نسعى لمعالجتة وإعادة اللحمة بين المواطن اللبناني والصيداوي، حتى لا ننسى عدداً كبيراً من الموقوفين الإسلاميين ما زالوا في السجن دون محاكمة؟ المصيبة وقعت ولكن يجب حلها. المطلوب حل هذه المشكلة المستعصية منذ سنوات. إذ مهما تعاقبت القيادات وتغيرت الوجوه والعهود، إلا ان أزمة المواطن مع مؤسسته الأمنية ما زالت كما هي. الثقة غير موجودة مع الأسف... كما أن اطلاق الوعود وعقد اللقاءات والقيام بالزيارات المتكررة هنا وهناك ليست حلاً، كما انها تزيد من معاناة أصحاب العلاقة الذين هم يعيشون حالاً صعبة. 
لذلك يكمن الحل في ايجاد صيغة تحفظ كرامة الجيش اللبناني والمؤسسة العسكرية وهيبتهما، وتحفظ حقوق أهالي العسكريين الذين خسروا أبناءهم في تلك المعركة، تماماً كما خسرت بعض العائلات الصيداوية أبناءها. وكل حلٍّ مفترض لا بدّ ان تحصل فيه تنازلات وتُقدَّم تضحيات من قبل الجميع دون استثناء، خاصةً أن هذا الملف يتضمن اموراً عالقة لم تحسم، واتهامات لم تأخذها المحكمة العسكرية، كما يقتضي منطق العدالة.  كما دخل الإعلام بقوة على هذا الملف ليترك اثراً سلبياً أكثر منه ايجابياً، مع تسريب الشائعات واطلاق الاتهامات.
وبما ان سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان هو رأس هذه الطائفة وهو سبق ان أشار الى ان أزمة الموقوفين الإسلاميين يجب ان يوضع لها حد نهائي،  وبما ان ملف الشيخ أحمد الأسير ومن معه جزء لا يتجزأ من هذا الملف، لذا فإن الحل الأمثل يكمن في:
 تشكيل لجنة حكماء مكونة من قانونيين ووجهاء يشهد لهم بالوطنية والمناقبية، برعاية سماحة المفتي وموافقته، لدراسة هذا الأمر والتوصل الى صيغة حل قانوني مع قيادة الجيش بعد استشارة القضاء العدلي المختص وليس القضاء العسكري، لأن من غير المعقول ان يكون القضاء العسكري خصماً وحكماً في آنٍ واحد!
وعند التوصل الى صيغة حل تحفظ لبنان واستقراره ووحدته وسلمه الاهلي، وتعيد الثقة المفقودة بين المواطن ومؤسسته العسكرية يوضَع هذا الحل في عهدة الرؤساء الثلاثة للموافقة عليه حتى يكون حلاً وطنياً جامعاً. 
إن مصلحة لبنان واللبنانيين هي فوق كل اعتبار وكلنا خسرنا دون شك في سياق تاجيج صراعاتنا الداخلية ولم يستفد منها سوى من يصطاد في الماء العكر، ومن يريد ان يقودنا للدخول في محاور إقليمية دموية. لذا، لنعمل على تسوية هذا الملف برعاية المرجعيات الحريصة على لبنان ومستقبله ونحفظ لبنان حتى لا يكون الوطن هو الخاسر الأكبر...}
مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات