العدد 1494 /5-1-2021

مع بدأ العام الميلادي الجديد 2022 يبدو استحقاق الانتخابات النيابية المقرر اجراءها في 15 من شهر ايار القادم في لبنان الحدث الاهم على كل المستويات السياسية والشعبية ، فهذه الانتخابات والتي تحظى ايضا باهتمام اقليمي ودولي تتقدم على ماعداها من الاهتمامات التي تشغل بال اللبنانيين الذين يعانون من ازمة اقتصادية خانقة ، ومن خطر انحلال الدولة في ظل الصراع السياسي القائم في البلد وهو ما قد يفتح الباب واسعا امام الانهيار الأمني في لبنان الذي قد يكون مدخلا للحرب الاهلية والتدخلات الاقليمية والدولية.

ولذلك يضع اللبنانيون ايديهم على قلوبهم مما يمكن ان يحدث في قادم الايام التي تسبق الانتخابات سواء لناحية استغلال البعض للوضع الاقتصادي المتردي لدفع اللبنانيين الى خيارات لاتخدم مصالحهم ، او لناحية رفع مستوى الخطاب السياسي الطائفي لكسب مزيد الاصوات بحجة الدفاع عن الحقوق لهذه الطائفة او تلك ، وقد بدأ رئيس التيار الوطني الحر النانب جبران باسيل هذا الماراتون الانتخابي عبر التصويب على حقوق المسيحيين المهدورة في اتفاق الطائف فقال أن «نظامنا الأساسي معطل لأنه عندما عقد اتفاق الطائف كان هدفه أن يظل لبنان محكوماً من الخارج»، مضيفاً: «هذه الدولة المركزية تسلب رئيس الجمهورية صلاحياته بالقوة من قبل مجلس النواب والمجلس الدستوري وتسلب بقية الطوائف حقها بالمداورة بوزارتي المالية والداخلية... هذا ما لم نعد نريده... هذه الدولة المركزية فاشلة بقيادتكم وبسبب منظومتكم ونحن لا نريد العيش بدولة فاشلة والدولة المركزية نريدها مدنية علمانية»، وهذه المواقف التي اطلقها باسيل مع بدأ السنة الجديدة لا يمكن تفسيرها الا بالاعلان عن بدء موسم الانتخابات النيابية ، فهو هاجم اتفاق الطائف ، وتباكى على صلاحيات رئاسة الجمهورية ، وتبنى مطلب اللامركزية الموسعة اداريا وماليا الذي اعلنه الرئيس عون قبل ايام ، وهو ما اثار مخاوف من تبني مطلب الفيدرالية من قبل فريق من المسيحيين مجددا مما قد يهدد اتفاق الطائف والأمن والاستقرار في لبنان.

والسؤال الذي يطرح نفسه مع بدأ موسم الانتخابات النيابية هو : هل كل شيء مباح في الخطاب السياسي الانتخابي ولو كان ذلك على حساب امن واستقرار لبنان ؟

من المعيب في وطن جريح فيه حكومة لاتستطيع الاجتماع بسبب خلافات سياسية و حسابات مذهبية وطائفية ، واقتصاد منهار وفقر يرخي بثقله على غالبية اللبنانيين أن نجعل من استحقاق الانتخابات النيابية القادمة فرصة لمزيد من التشرذم واثارة النعرات الطائفية ولو كان ثمن ذلك مقعدا نيابيا زائدا من هنا وهناك.

وما يجري حالياعلى الساحة السياسية يؤكد هذه المخاوف فالنائب جبران باسيل شن هجوما على رئيس حزب «القوات اللبنانية» قائلاً: «اخترنا مار مخايل على الطيّونة لأننا نعرف أن جعجع أداة للخارج، ساعة لإسرائيل وساعة لأميركا، وهو تواطأ مع سوريا في عام 1990 لكن هي رفضته وحالياً هو معروف من أين يقبض ومطلوب منه الفتنة، والطيّونة جاءته شحمة على فطيرة» ، وهذا الكلام لايخدم باسيل انتخابيا لكنه يفجر الساحة المسيحية التي يتوقع ان تشهد التغيير الاكبر في المشهد النيابي وهو ما يدركه باسيل جيدا، لذا يريد اشعال الساحة المسيحية مبكرا بمواقف وتحركات قد يكون لها تداعيات خطيرة على الساحة اللبنانية والمسيحية على وجه الخصوص .

وغير بعيد من مواقف باسيل يبرز موقف "حزب الله" الذي يضع كل مايعانيه اللبنانيون من ازمات سياسية واقتصادية في اطار استهداف المقاومة في لبنان من قبل اميركا ، وهذا الموقف عبر عنه النائب ابراهيم الموسوي بالقول : "نحن اليوم في لبنان نتعرض لحصار أميركي وعقوبات ولعبة الدولار والتضييق على اللبنانيين، لتأليب الناس على المقاومة التي حققت الانتصارات على العدو الاسرائيلي منذ العام 1982 مروراً بالتحرر العام 2000 وبإفشال مخطط الشرق الأوسط الجديد والانتصار الإلهي العام 2006، وهزمت الإرهاب التكفيري، وسوف يستمر هذا الضغط أكثر وصولاً إلى استحقاق الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية"، وتغفل هذه القراءة السياسية للوضع في لبنان كل الاسباب التي ادت الى انهيار الدولة بدأ من السيطرة على القرار السياسي للدولة وجعله رهينة لمواقف البعض ، وما نشهده من تعطيل لمجلس الوزراء منذ 12 تشرين اول الماضي اكبر دليل على ذلك ، وكذلك عزل لبنان عن محيطه العربي وجعله ساحة مفتوحة للصراعات الاقليمية والدولية دون مراعاة خصوصية لبنان السياسية والطائفية ، وهذا الذي اوصل لبنان الى ماهو عليه الآن من تفكك وضياع وانهيار اقتصادي وعزلة عربية ودولية، والكلمة التي رد فيها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على خطاب السيد حسن نصرالله الذي اتهم فيه السعودية بتصدير الارهاب الى لبنان والمنطقة تختصر الواقع اللبناني الحالي عشية الانتخابات النيابية حيث قال متوجها الى السيد نصر الله وغيره من القيادات السياسية اللبنانية «بالله عليكم إرحموا لبنان واللبنانيين وأوقفوا الشحن السياسي والطائفي البغيض».

بالخلاصة لبنان مع بدأ العام الميلادي الجديد على مفترق طرق قد يدفعه نحو التغيير الذي يقود الى الامن والاستقرار اذا ما نجحت تجربة الانتخابات النيابية القادمة ، وقد يسقط الى قعر الهاوية اذا ما اراد البعض تدمير الهيكل على رأس اللبنانيين خوفا على مصالحهم من الضياع . فعلى ماذا سيكون لبنان في قادم الايام ؟

بسام غنوم