العدد 1686 /22-10-2025
يتصدّر الحديث
عن مفاوضاتٍ مرتقبة بين لبنان وإسرائيل المشهد السياسي، ولا سيما عقب إثارة الرئيس
اللبناني جوزاف عون الموضوع يوم الاثنين الماضي وربطه بثوابت أساسية يتقدّمها وقف
إسرائيل عملياتها العسكرية على الأراضي اللبنانية. وبدأت الأروقة الرسمية في لبنان
تشهد حراكاً مكثفاً في الأيام الماضية على مستوى الرئاسات الثلاث من أجل بلورة
موقفٍ موحّدٍ تحضيراً لأي استحقاقٍ منتظر، خصوصاً قبيل وصول السفير الأميركي
الجديد لدى بيروت، اللبناني الأصل ميشال عيسى، الذي من المتوقّع أن يكون له دور
أساسي في الملف التفاوضي، علماً أنّ موعد تسلّمه منصبه لم يُحسَم بعد، بانتظار
انتهاء الإجراءات الأميركية.
في هذا الإطار،
قالت مصادر رسمية لبنانية ، إنّه "لا اقتراح أميركياً رسمياً ونهائياً وصل
إلى لبنان، لكن تبعاً للمشاورات واللقاءات، ولا سيما تلك التي عقدها عون في
نيويورك، والاتصالات التي حصلت عقب التوصل إلى اتفاق إنهاء الحرب في غزة، فإنّ
الولايات المتحدة أكدت سعيها لحلّ الأزمة في لبنان كما عملت على ملف غزة، وضرورة
حصول ذلك في أقرب وقت، ولبنان عبّر عن انفتاحه على أي مفاوضات، شرط أن تكون غير
مباشرة، على غرار ما حصل إبّان ترسيم الحدود البحرية عام 2022، وشرط أن تحصل أيضاً
بعد وقف إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، فهذه ثوابت لبنانية أساسية".
وأضافت المصادر
أن "مشاورات حصلت على خطّ الرؤساء الثلاثة لبلورة موقف موحّد، فهناك تمسّك
بمطالب لبنان لناحية وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وانسحاب إسرائيل من النقاط التي
تحتلها، وإطلاق سراح الأسرى لديها، والتزام إسرائيل بالتالي باتفاق 27
نوفمبر/تشرين الثاني 2024"، وأردفت "لبنان فعل كل الخطوات التي طُلِبت
منه، سواء التزامه بالاتفاق، أو إقراره أهداف الورقة الأميركية، ووضع خطة تطبيقية
لحصر السلاح سبق أن بدأت خطواتها في نوفمبر الماضي، وهو مستمرّ بها، على أن ينهي
المرحلة الأولى آخر السنة الحالية لجعل جنوب نهر الليطاني منزوع السلاح بشكل كامل،
وهذا ما يتطلب وقف الخروقات الإسرائيلية، إضافة لمهام الجيش الأخرى على مستوى
مكافحة التهريب وضبط الحدود وغيرها من العمليات النوعية التي قام بها".
وحول ما إذا
كانت الاقتراحات تتضمّن وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لمدة شهرين، قالت المصادر نفسها
إن "لبنان سبق أن اقترح وقفاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، يتم خلالها
التفاوض على الملفات العالقة، ومنها الانسحاب الإسرائيلي وترسيم الحدود البرية،
وإطلاق سراح الأسرى، وغيرها، ولو أنه يتمسّك بمبدأ وقف نهائي لإطلاق النار، لكنه
لا يمانع ذلك، كونه يرفض أي تفاوض تحت النار، وفي ظل استمرار الاعتداءات، كما سبق
للبنان أن التزم مبدأ الخطوة مقابل خطوة، لكنه قام بخطوته بعكس الإسرائيلي، من
هنا، فإنّ على الأميركيين والفرنسيين أن يضغطوا باتجاه إسرائيل لتنفيذ التزاماتها".
وحول موقف حزب
الله من التفاوض، قالت المصادر إن "المشاورات قائمة مع الحزب، والعمل يجري
على إزالة بعض التباينات، ولكن الحزب لم يعترض على موضوع التفاوض غير المباشر، وهو
لديه ثوابت وأولويات، على رأسها وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما يرتكز عليه
موقف لبنان أيضاً". وبشأن ما إذا كان العمل يجري على اتفاق هدنة بين لبنان
وإسرائيل، قالت المصادر إن "هذا أيضاً ليس بجديد، فلبنان أكد مراراً ضرورة
الالتزام باتفاقية الهدنة التي وُقعت مع إسرائيل عام 1949، أما مسألة التطبيع فهي
خارج أي نقاش".
ولفتت المصادر
إلى أن "هناك أجواء تفاؤلية، لكن تبقى حذرة، وتعتمد بالدرجة الأولى على
الجهود الأميركية التي وضعت لإنهاء الحرب في غزة، وهو ما نعوّل عليه
لبنانياً"، مشيرة إلى أنّ "هناك ضغوطا طبعاً يتعرّض لها لبنان، على
رأسها تلك المرتبطة بملف إعادة الإعمار، لكن لبنان قام بالكثير خلال هذه الفترة،
وهو يدعو رعاة الاتفاق إلى الضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها".
من جهته، قال
عضو كتلة "التنمية والتحرير" البرلمانية (يرأسها رئيس البرلمان نبيه
بري) النائب قاسم هاشم لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع وقف إطلاق
النار لمدة شهرين، وغيرها من المواضيع التي تثار اليوم إعلامياً، هي أفكار سبق أن
طرحت وليست بجديدة، لكن هل التزمت إسرائيل بأي منها؟ هل التزمت باتفاق نوفمبر
2024؟ وهل التزمت بمبدأ الخطوة مقابل الخطوة؟ وهل كانت هناك ضغوط من الرعاة
الدوليين لإلزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاق؟ لبنان قدّم الكثير لكن العدو لم يلتزم".
وأشار هاشم في
معرض ردّه على احتمال إنشاء لجنة جديدة للتفاوض إلى أن "هناك اليوم لجنة
سُمّيت بالميكانيزم، معنية بالتواصل، وتشرف على وقف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وكل
ما له علاقة بموضوع التفاهم الذي حصل في نوفمبر الماضي، وهذه اللجنة تجتمع وعلى
بيّنة من كل التفاصيل والخروقات، ورئيسها أميركي، وبالتالي الوسطاء الأميركيون
والفرنسيون يعرفون كل شيء، ويعرفون كذلك الثوابت اللبنانية لناحية أولوية وقف
العدوان وإطلاق سراح الأسرى والانسحاب الإسرائيلي".
ولفت إلى أن
"لبنان اعتاد أن تكون هناك لجان، ومسألة التفاوض غير المباشر كذلك ليست
بجديدة، ومنها ما سُمّي باجتماع الناقورة، الذي كان يُعقد بشكل شبه دوري بين الجيش
اللبناني واليونيفيل وبشكل غير مباشر مع عسكريين تابعين للعدو، وكذلك حصلت
المفاوضات غير المباشرة بشأن الترسيم البحري، واليوم هناك لجنة الميكانيزم، وحتى
الساعة هي المعنية، لا أكثر ولا أقل".
وكان الرئيس
اللبناني جوزاف عون قد شدد، يوم الاثنين الماضي، على ضرورة أن نصل إلى وقت تلتزم
فيه إسرائيل بوقف العمليات العسكرية ضد لبنان، ليبدأ مسار التفاوض، لأن هذا المسار
الذي نراه في المنطقة يجب ألا نعاكسه، وقد سبق للبنان أن تفاوض مع إسرائيل برعاية
كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ما أسفر عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية،
مؤكداً أن لبنان ليس في خطر وأن كل المؤشرات الاقتصادية إيجابية. واعتبر عون أن
"الوضع السائد في المنطقة الآن، والمسار الذي تمر فيه، يدل على صوابية
قراراتنا وتوجهاتنا، فالأمور تسير نحو التفاوض لإرساء السلام والاستقرار وهي تعطي
نتائج، لذلك نقول دائماً إنه بالحوار والتفاوض يمكن الوصول إلى حلول، ولا يمكن أن
نكون نحن خارج المسار القائم في المنطقة، وهو مسار تسوية الأزمات ولا بد أن نكون
ضمنه، إذ لم يعد بالإمكان تحمّل المزيد من الحرب والدمار والقتل والتهجير".