العدد 1686 /22-10-2025
جيرار ديب
قال رئيس حزب
الكتائب اللبنانية، النائب سامي الجميّل، أخيراً، إن "مصلحة لبنان تكمن في
وقف أي حرب أو اعتداء عليه، وإذا استدعى ذلك مفاوضات مباشرة مع إسرائيل من أجل
اتفاق أمني أو تفعيل الهدنة، أو حتى الوصول إلى سلام، فهذه تفاصيل". ويندرج
هذا القول ضمن الخرق الذي أطلقه رئيس البلاد، جوزاف عون، في جدار العزلة التي
يشهدها لبنان من دول أجنبية وحتى عربية ترفع شعاراً واضحاً يرتبط بـ"تسليم
السلاح مقابل إعادة الإعمار". حيث اعتبر في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري،
إنه "لا بد من التفاوض مع إسرائيل لحل المشكلات "العالقة"، بين الطرفين،
بالتزامن مع بدء تطبيق خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزّة.
وبذلك فتح الرئيس عون الجدل في الداخل اللبناني على موضوع التفاوض أو اللاتفاوض مع
إسرائيل، حيث تشهد الساحة صراعاً عموديّاً بين من يجد في التفاوض مفتاحاً لوضع
لبنان على خريطة الطريق وفريق حزب الله ومن يناصره الذي يرفض أي شكل من التفاوض مع
العدو.
لا يستند الحزب
في رفضه على مبدأ "اللاتفاوض" بأشكاله مع إسرائيل، فهو الذي كانت لديه
تجارب المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط الألماني أو الصليب الأحمر الدولي، قبل
حرب 2006 لتبادل أسراه. كذلك خاض الحزب تجربة التفاوض غير المباشر مع الدولة
اللبنانية في اتفاق ترسيم الحدود البحرية في عهد ميشال عون، ففي أغسطس/ آب 2022،
عرض الإعلام الحربي لحزب الله فيديو بعنوان "اللعب بالوقت غير المفيد"،
حول العمليات في حقل كاريش المتنازع عليه مع إسرائيل، تضمن نوعاً من التهديد،
استخدمته الحكومة اللبنانية ورقةً لدفع العدو إلى تسريع عملية التفاوض غير
المباشرة حول الحقول المتنازع عليها جنوباً.
من جانب رئيس
البلاد، وخلفه رئيس الحكومة، نواف سلام، ومعه سربٌ من الأحزاب والشخصيات تجد أن
مرحلة الجمود التي تسيطر على الوضع في لبنان منذ فرض الهدنة في نوفمبر/ تشرين
الثاني العام الماضي، يقتنصها العدو ويحوّلها إلى فرصة لتحقيق أهداف لم يحققها في
حرب الـ66 يوماً مع حزب الله، فالجيش الإسرائيلي، منذ إعلان اتفاقية الهدنة، يرتكب
اغتيالاتٍ بحق كوادر حزب الله الذين تخطّوا 120 شهيداً، وتقصف مسيّراته وطائرته
الحربية مستودعات الصواريخ والأسلحة. وانتقل في قصفه إلى المرحلة الثانية التي
تهدف إلى ضرب كل الآليات والمعامل التي يستخدمها الحزب لإعادة تموضعه في الجنوب،
أو التي كانت ستستخدم لإعادة بناء المنطقة الجنوبية وإعمارها. ليس هذا فحسب، بل خرجت
علينا إسرائيل لتتحدث عن "منطقة ترامب" الاقتصادية، ويبدو أنها في تطوير
التجهيز لها بإقامة منطقة عازلة على طول الحدود بما تراوح بين خمسة إلى سبعة كيلو
مترات في العمق اللبناني.
تحدث جميع هذه
الاعتداءات من دون أن يتمكّن الحزب من إحداث ردع لها، ولا يجد حتى دولاً داعمة له
من إيران إلى روسيا وصولاً إلى الصين، إلا بالإدانة والاستنكار و"بأشدّ
العبارات". أمام هذه المشهدية المؤلمة والواقع المفروض، ووسط التوقيع
الرباعي، الأميركي والقطري والتركي والمصري على خطّة ترامب لفرض وقف إطلاق النار
في غزّة، وفي ظلّ ممارسة واشنطن للضغوط على لبنان ودول المنطقة للانخراط في ما
يسمّيه "الاتفاق الإبراهيمي"، هل من خيار أمام لبنان غير التفاوض مع
العدو؟
يعتبر الفريق
المعارض لحزب الله خيار اللاتفاوض يضر بمصلحة البلد، فحتى صندوق النقد الدولي الذي
يعوّل لبنان على دعمه في سبيل إعمار ما تهدف أو على الأقل تعبيد البنية التحتية
للمناطق المتضرّرة، ربط قروضه بمشروع "حصرية السلاح". ولهذا لا يرى هذا
الفريق سوى أن الرفض الذي يبديه الحزب قد تكون له امتدادات خارجة عن الحسابات
الوطنية الضيقة، ولا سيما إن أكثر من مسؤول إيراني زار لبنان في فترة الهدنة، وأكد
دعم حزب الله والتمسّك بسلاحه، لا بل أكد أمينه العام، نعيم قاسم، ترميم البنية
العسكرية واللوجستية للحزب، ما يعلي من شأن فرضية عودة الساحة اللبنانية إلى حرب
رابعة مع إسرائيل.
لهذا، وجد سامي
الجميّل، ومن يدور في فلك المطالبة بنزع السلاح، والانخراط في الموجة العربية
والدولية تحت سقف قمة شرم الشيخ، أن لا خلاص للبنان إلا بإعادة ترتيب أوراقه
الداخلية والانفصال عن قضايا في المنطقة. واعتبر هذا الفريق أن الحزب يتمسّك
بسلاحه ليس دفاعاً عن الجنوب، وإلا فلماذا لا يردّ على كل هذه الاعتداءات؟ بل
انطلاقاً من رغبة إيرانية تريد من الحزب أن يبقى ورقة تفاوضية في ملفاتها مع الدول
الغربية، وكان جديدها أخيراً "آلية الزناد" من الترويكا الأوروبية...
أمام مشهدية الانقسام العمودي، يبقى التساؤل عند كل لبناني: متى الحرب وعلى من
ستكون هذه المرّة؟