العدد 1631 /25-9-2024
سامح راشد
بات واضحاً أنّ لدى
إسرائيل من المعلومات الاستخبارية عن حزب الله اللبناني ما يتيح لها توجيه ضرباتٍ
شاملة وعميقة إلى قوّاته، وبنيتَيه التحتيّة والفوقية، ليس العسكرية فقط، وإنّما
المدنية أيضاً. ولو أرادت تلّ أبيب تعطيل شبكة اتصالات حزب الله بالفعل، وبشكل
مدمّر لهياكل الحزب التنظيمية وغرف عملياته، ومراكز القيادة والسيطرة التابعة له،
لتمكّنت من ذلك بسهولة، ربّما لا يتخيّلها أحد.
لكن، واضح تماماً أنّ
إسرائيل ليست في وارد حرب شاملةٍ ومفتوحةٍ مع الحزب حالياً، ففي الحسابات
الإسرائيلية (والأميركية قبلها) ليس هذا وقت حرب شاملة مع حزب الله، وبالطبع مع
إيران، فالجيش الإسرائيلي لا يزال يُحصي خسائرَه المادّية والمعنوية الناجمة عن
"طوفان الأقصى"، وما تبعه من حرب استنزفت كثيراً من القدرات العسكرية
لتلّ أبيب، وكسرت هيبةَ جيشها وتماسُكَه. بينما في الولايات المتّحدة لم يتبقَّ
سوى أقلّ من شهرين على التصويت في الانتخابات الرئاسية، ولا تتحمّل واشنطن اندلاع
حرب شاملة في الشرق الأوسط في هذا التوقيت شديد الحرج للمُرشَّحين الرئاسيين،
فضلاً عن التأثير المباشر في الإدارة الديمقراطية الحالية.
من ثم، ليس هدف إشعال
حرب إسرائيلية شاملة مع حزب الله، أو القيام بهجوم واسع النطاق وعميق على الحزب
ولبنان، مطروحاً في المرحلة الحالية في أجندة إسرائيل، خاصّة أنّ الحرب في غزّة لم
تنتهِ بعد، بل لا تزال المخاوف من القدرات العسكرية لحركة حماس، وللمقاومة
الفلسطينية، قائمةً. ولا تملك تلّ أبيب رفاهيَةَ نقل تركيزها العسكري بالكامل إلى
الشمال، من دون تأمين الجنوب في غزّة باتّفاق يضمن عدم تكرار "طوفان
الأقصى" في المدى القريب على الأقلّ.
لا يعني ذلك كلّه أنّ
أهداف إسرائيل تنحصر في إسقاط عدد من قيادات الحزب وعناصره، فهي بالفعل تباشر
عملياتِ تصفيةٍ واصطيادٍ لعناصرِ الحزب وكوادرِه، وزادت وتيرتها في الأشهر
الماضية. كما أنّ خسائرَ تفجير أجهزة الاتصال طاولت كثيرين من المدنيين، ممّا زاد
من بشاعة صورة إسرائيل، وأضاف إلى سجلّ جرائمها ضدّ الإنسانية المُتخَم أصلاً، ثمّ
تضخّم كثيراً بعد 7 أكتوبر (2023).
يبدأ فهم الدوافع من
قراءة النتائج، والنتيجة الأولى التي ترتّبت من العملية الإسرائيلية، هي بثّ حالة
ارتباك تنظيمي في صفوف حزب الله، وإصابة قياداته بالصدمة إزاء الانكشاف الأمني
والتقني الخطير، فضلاً عن ضرب الروح المعنوية للعناصر المنتمية إلى قواعد الحزب
والمتعاطفين معه داخل المجتمع اللبناني. بالإضافة إلى ذلك، ستستفيد إسرائيل من
المدى الزمني الذي سيحتاج إليه حزب الله لاكتشاف الخونة والعملاء داخل صفوفه، ثمّ
إعادة ترتيب آليات العمل وديناميات التواصل والسيطرة والتوجيه، سواء العملياتية
والميدانية أو الإدارية، خصوصاً على المستويات القيادية.
في الأشهر القليلة
الماضية، كانت المناوشات بين إسرائيل وحزب الله محكومةً بقاعدة "الردّ بحجم
الفعل". وبعد نكسة "7 أكتوبر"، ثمّ انتكاسات الحرب في غزّة، تحاول
إسرائيل استعادة هيبتها العسكرية وتأكيد امتلاكها أدواتٍ وقدراتٍ تكفل لها إنزال
دمار واسع بقدرات الحزب، وبناه العسكرية واللوجستية والبشرية. مع تثبيت أكثر قواعد
الاشتباك أهمّية، المعمول بها مرحلياً؛ "الإضرار وليس الدمار".
والمعنى الأبعد في تلك
الرسالة موجَّهٌ إلى الأطراف الأخرى، التي ربّما باتت تعتبر إسرائيل ضعيفةً أو
أقلَّ قوّةً وإمكاناتٍ ممّا كانت تبدو. فالبعد الإعلامي والنفسي في الضربات
والاستهدافات المتتالية في الأيّام الماضية، غرضه أن يُراجع كلّ طرفٍ حساباته
كثيراً، قبل أن يبني حساباته على الهزّة العنيفة التي أحدثها "طوفان
الأقصى"، إلى حدّ أنّه كاد ينسف نظرية الردع الإسرائيلي تماماً. ونجاح هذه
الرهانات الإسرائيلية مشروط بعقلانية مقابلة من جانب حزب الله، ومن ورائه إيران،
وهو ما سيتكشّف في الأيّام المُقبلة.