العدد 1512 /18-5-2022
أعلنت السلطات اللبنانية، يوم الثلاثاء، كامل نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت أول من أمس الأحد، لتكشف
عن برلمان مشتَّت من دون أكثرية واضحة فيه، خصوصاً بعد فقدان حلفاء "حزب الله"
العديد من المقاعد، ليفقدوا الأكثرية في مجلس النواب (61 نائباً من أصل 128).
في المقابل، نجح حزب
"القوات اللبنانية" المعارض لـ"حزب الله" في تحقيق تقدّم كبير
يسمح له بتشكيل كتلة من أكثر من 20 نائباً مع حلفائه. لكن المفاجأة الأكبر في هذا الاستحقاق،
جاءت عبر القوى التغييرية التي نجحت في إيصال 15 مرشحاً إلى البرلمان الجديد، كان لهم
حضور بارز في ساحات التظاهر منذ انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019. في المقابل، أنتجت
مقاطعة "تيار المستقبل" لهذه الانتخابات، وهو أكبر ممثل للطائفة السنّية،
تفتّتاً في المقاعد السنّية، التي انقسمت بين شخصيات عديدة من دون مرجعية واحدة لها.
هذا الواقع يشي بعدم قدرة
"حزب الله" وحلفائه، أو الكتلة المقابلة التي قد تجمع "القوات اللبنانية"
وأطرافاً أخرى، على تأمين أكثرية نيابية واضحة، لتبقى كلمة الحسم لدى النواب التغييريين
الذين أيضاً لم تظهر حتى الساعة إمكانية تجمّعهم في كتلة واحدة، علماً أن تشكيل اللوائح
الانتخابية قبل استحقاق 15 مايو/أيار شهد الكثير من الجذب والشد بين هذه الشخصيات التي
لم تنجح في الاتفاق على لوائح موحدة تخوض بها الانتخابات في مختلف أنحاء البلاد.
وإزاء هذا الوضع، تتصاعد المخاوف
من اتجاه لبنان إلى شلل مؤسساتي، والفشل في حسم الاستحقاقات المقبلة، ولا سيما تشكيل
حكومة جديدة، وخصوصاً أن الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي الحالية ستصبح في حكم
المستقيلة مع بدء ولاية مجلس النواب رسمياً، ومن بعدها يأتي انتخاب رئيس للجمهورية
بعد نهاية ولاية الرئيس الحالي ميشال عون (أدخل اليوم إلى المستشفى لإجراء فحوص طبية)
أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، علماً أن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية ومعيشية
خانقة، في ظل انهيار سعر صرف العملة الوطنية (تخطى اليوم الـ 30 ألفاً مقابل الدولار)
وانعكاسات ذلك على كل القطاعات، مع انتظار التفاوض مع صندوق النقد الدولي في الفترة
المقبلة، الذي يطالب بإصلاحات وقوانين مشددة.
واستبعد مدير المركز اللبناني
للدراسات سامي عطا الله، في تصريح لـ"رويترز"، تشكيل حكومة سريعة. وأضاف
أن المجموعات داخل "البرلمان المستقطب" ستدخل في نزاعات عند انتخاب رئيس
البرلمان وتسمية رئيس الوزراء المقبل والتصويت على اختيار رئيس في وقت لاحق من العام
الحالي. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قد دعا في بيان صدر في وقت
متأخر الاثنين إلى تشكيل حكومة شاملة بسرعة من أجل تحقيق الاستقرار في الاقتصاد.
وأظهرت النتائج النهائية للانتخابات،
التي أعلن آخر جزء منها وزير الداخلية بسام المولوي اليوم، احتفاظ "حزب الله"
وحليفته حركة "أمل" التي يتزعّمها رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه برّي،
بكامل المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً)، لكن حلفاءهما، وبينهم "التيار
الوطني الحر" بزعامة النائب جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، خسروا
مقاعد في دوائر عدّة.
كذلك سقطت وجوه بارزة موالية
للحزب، منها النواب السابقون إيلي الفرزلي وطلال أرسلان وأسعد حردان وفيصل كرامي وغيرهم
من سياسيين مثل وئاب وهاب. وبذلك فَقَد الحزب الأكثرية التي كان يمتلكها في البرلمان
المنتهية ولايته. وسيلقي الأمين العام للحزب حسن نصرالله كلمة يوم الجمعة المقبل يتوقع
أن يعلّق فيها على نتائج الانتخابات.
وفي السياق، لم يتردّد
"حزب الله" منذ يوم الاثنين ببدء توجيه رسائل إلى النواب المعارضين له، وقال
رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (كتلة الحزب في البرلمان) النائب محمد رعد خلال
استقباله وفوداً الاثنين بعد فوزه في الاستحقاق الانتخابي: "نتقبّلكم خصوماً في
المجلس النيابي، ولكن لن نتقبّلكم دروعاً للصهاينة والأميركيين، لا تكونوا وقوداً لحرب
أهلية. نحن متسامحون جداً، لكننا أقوياء جداً لنفاجئكم بما لا تستطيعون حتى التوهم
به".
وتابع: "إذا لم تريدوا
حكومة وطنية، فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية، وإياكم أن تكونوا وقود حرب أهلية".
وردّ النائب المنتخب في طرابلس أشرف ريفي عليه، قائلاً: "نحن لسنا عملاء لإسرائيل،
أنت عميل لإيران"، داعياً إلى وقف لغة "التخوين".
وأحرقت مجموعة من الأشخاص
كانت على دراجات نارية وترفع علم "حزب الله" ما يعرف بـ"قبضة الثورة"
التي كانت عبارة عن لوحة ضخمة أقيمت في ساحة الشهداء وسط بيروت. وتعليقاً على هذه التطورات،
قال المحلل السياسي سامي نادر لوكالة "فرانس برس": "حزب الله والمحور
الإيراني تعرضا لضربة، لكن هل سيمهد هذا للتغيير في لبنان؟ أشكك في ذلك".
في المقابل، يُعوَّل على الوجوه
التغييرية في المجلس النيابي لعب دور حاسم والحفاظ على وعودها بالإصلاح ومحاربة الفساد.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في باريس زياد ماجد، في تصريح لوكالة
"فرانس برس"، أن "الوضع الاقتصادي قد يلعب في مصلحة النواب الجدد الذين
سيكون في إمكانهم للمرة الأولى ممارسة ضغوط من داخل البرلمان".
وقال: "هذا سيخلق ضغطاً
سياسياً وشعبياً على قوى التغيير والإصلاحيين ليتعاونوا". وكان النائب المنتخب
من لائحة "توحدنا للتغيير" في دائرة الشوف - عاليه، مارك ضو، قد قال في مقابلات
تلفزيونية مساء الاثنين إنه "سيتعاون مع كل الذين يشبهوننا" في طروحاتهم
ومواقفهم.
وحظي الاستحقاق البرلماني
في لبنان بمراقبة من الخارج. وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في بيان
أولي اليوم الثلاثاء إن الانتخابات "طغت عليها ممارسات واسعة النطاق لشراء الأصوات
والمحسوبية والفساد".
وتعقيباً على نتائج الانتخابات،
قال نبيه بري إنه "لتكن نتائج الانتخابات محطة تلقي فيها كافة القوى الخطاب السياسي
الانتخابي المتوتر جانباً ولتهدأ كل الرؤوس الحامية وللبدء بحوار جدي من أجل دفن هذا
القانون المسيء للشراكة، الذي يكرس المحاصصة ويعمّق الطائفية ولإنجاز كافة الاستحقاقات
الدستورية في موعدها".
ودعا بري جميع القوى التي
تنافست في استحقاق الانتخابات النيابية إلى "الاحتكام لخيارات الناس الذين قالوا
كلمتهم، أقله في الجنوب والبقاع، محولين هذا الاستحقاق إلى استفتاء على الثوابت الوطنية
أمام هيئات رقابية محلية وإقليمية وأوروبية وأممية وسفراء فوق العادة".
وأعرب عن أسفه من أن البعض
في الداخل "تستهويه فكرة العيش في عقدة وأنه لم يبلغ بعد سنّ الرشد الوطني ويدعي
وصلاً بمفاهيم الاستقلال والسيادة وهو في أدائه وسلوكه وخطابه السياسي غارق حتى النخاع
في براثن العبودية والتبعية لمصالح الخارج على حساب مصالح لبنان واللبنانيين في كل
ما يصنع حياة الدولة وأدوارها وحياة اللبنانيين وكل ما يتصل بأمنهم المعيشي والاقتصادي
ومستقبلهم".
وشدد على "وجوب جعل نتائج
الانتخابات محطة لكافة القوى التي تنافست في هذا الاستحقاق كي تلقي الخطاب السياسي
الانتخابي المتوتر والتحريضي جانباً ولتهدأ كل الرؤوس الحامية وليقتنع الجميع بمعادلة
لا مناص منها بأننا كلبنانيين أبناء وطن واحد قدرنا أن نعيش سوياً".