العدد 1631 /25-9-2024
سليم عزوز
لا يمكنني
توجيه اللوم لسوري، أسعدته الضربات الإسرائيلية لحزب الله، على نحو أظهر ضعف الحزب
وهوانه، وقلة حيلته، وقد اختفت التهديدات القديمة من خطاب نصر الله عن الرد
المزلزل، وتحديد قواعد الاشتباك من خلال وضعه للخطوط الحمر، وإن ضربت إسرائيل
عاصمتنا سنضرب تل أبيب!
ولا تثريب على
أي سوري، إن اعتبر المعركة الأخيرة أنها فخار يكسر بعضه بعضا، وقد يكون استجابة
لدعوة صالح لو أقسم على الله لأبره، بأن يسلط الظالمين على الظالمين وأن يخرجنا من
بينهم سالمين!
فالحزب استخدم
سلاحه من قبل لهزيمة الثورة السورية، وكان المدد لبشار الأسد في التخريب والتدمير،
والحرق والإبادة، فكيف لمشرد في بلاد الله الواسعة أن ينسى ما جرى له، وأن يتجاوز
عن تدمير سوريا للحفاظ على الأسد، وقتل الشعب السوري لهذا السبب، وإجباره على ترك
بلده وأهله ومجتمعه؟ وهل بقي بسبب الدعم الإيراني وحضور قوات حزب الله لسوريا، حجر
على حجر، ليتخذه السوري وطنا، وقد تهدم الوطن ليبقى الحاكم؟!
ولو تمعنا في
الأمر لوقفنا على أننا إزاء إشكالية، فهل كان من المنطق أن يترك حزب الله حليفه في
سوريا يسقط، مع المخاطر التي سيتعرض لها الحزب لسقوط هذا الحليف؟
انتهازية حزب
الله:
لقد تصرف حزب
الله بانتهازية، وفي سبيل مصالحه المرسلة، لم يبال بشعب أو بثورة، ووقف بجانب
الديكتاتور الطاغية، وكان حليفا لطغيانه، فهل يلام السوريون إن هم لم يجدوا بأسا
في تدميره، ولو كان من يقوم بذلك هو العدو الإسرائيلي، وما دامت الثورة السورية لا
تستطيع ذلك، فالمشكلة في قيام ظالم بتصفية ظالم مثله، أليست هذه ذكرى لمن كان له
قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟!
مع التأكيد على
حق الإخوة السوريين، ونصر الله يظهر بهذا الشكل ثم يغيب ليظهر نائبه، ينبغي ألا
تدفعنا الشماتة حد أننا لا ننظر إلا من هذه الزاوية، مع تسليمي بأن من يده في
الماء مثلي، ليس كمن يده في النار مثلهم!
موقفي من الثورة
السورية واضح منذ البداية، فهي امتداد للربيع العربي، وأذكر أنهم في قناة
"العالم" الإيرانية كانوا على تواصل معي لمداخلات قبل الثورة المصرية
وبعدها، ودُعيت من جانبهم للمشاركة في برنامج قبل الثورة من مكتبهم في بيروت،
واستمرت المداخلات الهاتفية، إلى أن كان الحديث عن الثورة السورية، وقلت لمن تواصل
معي إنني أرى أنكم ضدها وهذا مفهوم، لكني معها وهذا أيضا ينبغي أن يكون مفهوما،
فلن أتماهى معكم في موقفكم، فإن كان الاتصال بي لأنني أمثل "الرأي
الآخر" فأنا جاهز، وتعطلت لغة الكلام، وانقطع الاتصال تماما إلى الآن. ولا
أعرف كيف كان أداؤهم في أيام الانقلاب العسكري، وأعلم انحياز إيران له، عوضا،
وربما انتقاما، لابتعاد الإخوان عنهم، وعدم رغبة الرئيس محمد مرسي في فتح صفحة
جديدة مع طهران، لكن هل لم يعرضوا كذلك "الرأي الآخر" في هذه أيضا؟!
ما علينا،
"فأول هام"؛ ينبغي الإقرار بأن ما يصيب حزب الله الآن لم يكن لموقفه في
سوريا، والذي بات من الواضح أن هناك توافقا دوليا عليه، فحتى إسرائيل نفسها لم تكن
راغبة في تغييره، فأين البديل لحاكم لا يعرف إلا الخطاب الحماسي، وهو عاجز أن يكيد
عدوا، أو يسعد صديقا، أو يحرر أرضا، فلا يعرف إلا زخرف القول غرورا؟!
إن حزب الله،
لو وضع رأسه وسط الرؤوس، واكتفى بالتنديد والإدانة للجرائم الإسرائيلية في غزة،
لما تجرأ عليه العدو الإسرائيلي، ولما كشف ضعفه وهوانه على الناس، ومنذ الأسبوع
الأول لعملية طوفان الأقصى أعلن الحزب دخوله على خط النار، وإن كان في رأينا يقوم
بنوع من المساندة الضعيفة، لكن من الواضح أن هذا كان بسبب علمه بحاله، وليس
لافتقاده الإرادة للمساندة الفعالة!
ومن الواضح أن
الجانب الإسرائيلي لم يشأ أن يفتح جبهة أخرى للحرب، لعل حزب الله يتذكر أو يخشى،
وهو الذي اخترق منظومة اتصالاته على مدى سنوات، وكان في حالة انكشاف أمامه، فلما
ضرب ضربته تبدى ضعف الحزب للناظرين!
إن تدخل الحزب
في سوريا كان سببا في إنهاكه، وإضعاف قواته، فكان من السهل اختراقه، وصار ألعوبة
للموساد، فيشتري شحنة من أجهزة النداء الآلي المخترقة، ليس من الشركة الأم، ولكن
من فرع، فمن المسؤول عن هذه الصفقة؟ وهل هي الخيبة أم العمالة للموساد، الذي لا
نعرف حدود اختراقه لحزب الله، لكن حدود ما نعلم أمكن به أن يجعل قدرات الحزب ريشة
في مهب الريح؟!
ما اعتبرناه
شغبا محدودا من جانب حزب الله، ومناوشات لا قيمة لها، تبين أنها مؤثرة حد استفزاز
إسرائيل، فيكون رد فعلها كشفا عن مخطط اختراق الحزب، والاختراق في جوهره يمكن أن
يطمئن إسرائيل من ناحية الحزب تماما، وعدم تشكيله خطرا في المستقبل عليها
السنة والشيعة:
فلولا اشتباك
الحزب مع إسرائيل لما حدث له ما حدث، ولا بد من التسليم هنا بأمرين:
الأول إن ما
اعتبرناه شغبا محدودا من جانب حزب الله، ومناوشات لا قيمة لها، تبين أنها مؤثرة حد
استفزاز إسرائيل، فيكون رد فعلها كشفا عن مخطط اختراق الحزب، والاختراق في جوهره
يمكن أن يطمئن إسرائيل من ناحية الحزب تماما، وعدم تشكيله خطرا في المستقبل عليها،
أو تهديدا جادا لها، لكن من الواضح أن ضرباته أوجعت نتنياهو فكان ما كان!
الأمر الثاني
أنه يضع حدا للخطاب الشعبوي الذي يقول إن إيران وحزب الله أدوات غربية، وأن كل ما
يحدث أمامنا تمثيل، يستهدف إدخال الغش والتدليس علينا، فالعداء هو للسنّة، مع أن
الحليف السني أسقط للغرب الاتحاد السوفييتي وساهم في تفكيكه، لكنها أولوياته، وليس
فرضه للحصار على إيران من باب التمثيل على المسرح العائم!
الغرب استغل
الشيعة في ضرب السنة، كما استغل السنة في هزيمة الاتحاد السوفييتي، لكن في النهاية
لا هم عملاء ولا هؤلاء عملاء، ولكن الأزمة مردها إلى غياب النظرة الاستراتيجية لدى
الأطراف كافة.
وليس هذا
موضوعنا، ومع تفهمي لسعادة السعداء، إلا أنه لا يجوز لنا السعادة في تدمير حزب
الله على يد إسرائيل، لأن انتصارها على أي كائن من كان هو قوة لها في مواجهتنا،
فماذا بقي للمقاومة الفلسطينية من حليف.. الرئيس قيس سعيد؟!
"اعدلوا
هو أقرب للتقوى"!