العدد 1674 /30-7-2025

وصل الرئيس اللبناني جوزاف عون، اليوم الثلاثاء، إلى الجزائر في زيارة رسمية تستمر يومين، استجابة لدعوة كان قد وجهها له الرئيس عبد المجيد تبون في التاسع من فبراير/ شباط الماضي، وهي الأولى من نوعها لرئيس لبناني منذ 23 عاماً. وسيلتقي الرئيسان لبحث قضايا تخص العلاقات بين البلدين، والمجالات التي يمكن فيها للجزائر مساعدة لبنان، وبخاصة في الشق السياسي المرتبط بدور جزائري في الأمم المتحدة، وفي قطاع الطاقة، إضافة إلى حزمة التطورات الصاخبة التي تشهدها المنطقة العربية.

وأعلنت رئاسة الجمهورية اللبنانية، عبر حسابها على منصة إكس، وصول عون إلى مطار هواري بومدين "في مستهل زيارة رسمية، وكان في استقباله رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون". وأعرب عون عن سعادته بزيارة الجزائر "التي كانت دائماً حاضرة إلى جانب لبنان في أصعب الظروف"، وفق ما نقلته الرئاسة، مشيراً إلى أنّ "الجزائر لم تتأخر يوماً عن دعم لبنان، سواء في المحافل الدولية أو من خلال المساعدات الميدانية المباشرة".

ويرافق الرئيس اللبناني وزير الخارجية يوسف رجي، ووزير الإعلام بول مرقص، والمستشار المكلف إعادة الإعمار علي حمية، ويتوقع أن يجري خلالها توقيع عدد من اتفاقات التعاون في مجال الطاقة والتجارة والنقل والإنشاءات التحتية، تشمل مساعدة الجزائر في إعادة إعمار لبنان عبر تمويل إعادة بناء بعض المنشآت، وإرسال هبة من النفط الجزائري لصالح لبنان. وهذه أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس لبناني للجزائر، منذ زيارة الرئيس إيميل لحود في يوليو/ تموز 2002، فيما كان الرئيس ميشال سليمان قد توقف في الجزائر لساعات فقط في مارس/ آذار 2013.

وتأتي أهمية هذه الزيارة في توقيت حساس يرتبط بالتطورات القائمة في المنطقة العربية، ولا سيما في لبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تبدي الجزائر انشغالاً مستمراً بالدفاع عن مصالح لبنان ووحدته، ضد العدوان الإسرائيلي، وتؤكد وجود قناعة لدى الجانب اللبناني بحيوية الدور الجزائري على الصعيد العربي، والدور الجزائري المتقدم لصالح لبنان في مجلس الأمن. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، عيّنت الجزائر سفيراً جديداً لها في بيروت، هو كمال بوشامة الذي نُقل من سورية إلى لبنان.

وتتيح زيارة الرئيس اللبناني للجزائر مناقشة ملف التعاون في مجال الطاقة بين البلدين، ولا سيما أنّ شركة سوناطراك الجزائرية كانت ترتبط بعقد مع الوزارة اللبنانية للطاقة والمياه منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، لتوفير الديزل وزيت الوقود لفائدة مؤسسة كهرباء لبنان، غير أنّ العقد تعطل تنفيذه في عام 2020، بسبب قضية ما يُعرف بـ"الفيول المغشوش"، الذي تورط فيه وسطاء من الجزائر وأجانب، قبل أن تُجرى مشاورات بشأن تجديد الاتفاق نهاية عام 2022. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أبدت وزارة الطاقة اللبنانية رغبتها في أن "تكون علاقة الشراكة مع مؤسسات الدولة الجزائرية ومنها سوناطراك ممتازة، ودعم جهود الحكومة اللبنانية لاستكمال مسار إعادة إحياء علاقة الشراكة ضمن الأطر القانونية التي ترعى مصالح البلدين".

وفي حسن نية من الجانب الجزائري، أرسلت الجزائر نهاية العام الماضي حمولة من الوقود تُقدَّر بحوالى 30 ألف طن من مادة الفيول إلى لبنان للمساعدة في تشغيل محطات الكهرباء، تطبيقاً لقرار أصدره الرئيس تبون لتدعيم لبنان بالطاقة ومساعدته على تجاوز أزمته، والوقوف بجانبه في ظل الظروف الصعبة التي عاشها بسبب العدوان الإسرائيلي، من خلال تزويده فوراً بكميات من الفيول، من أجل تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وإعادة التيار الكهربائي في البلاد.

وتبرز في سياق العلاقات بين البلدين، مسألة مهمة بالنسبة إلى الجزائر خصوصاً، تتعلق بالتعاون في مجال مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، إذ يُعد لبنان واحداً من الدول التي تسعى الجزائر للتعاون معها في هذا المجال، حيث كانت الجزائر وبيروت قد وقعتا في إبريل/ نيسان 2022 اتفاقين يخصان تسليم المطلوبين للعدالة في البلدين، والتعاون القضائي بين الجزائر ولبنان في المجال الجزائي والإنابات القضائية.

وقال الباحث الجزائري المتخصص في شؤون الشرق الأوسط محمد مغراوي لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة الرئيس اللبناني ستتيح للجزائر فهماً أعمق للتطورات والسيناريوهات المطروحة في لبنان وسورية وعموم الشرق الأوسط، وتقرب الجزائر أكثر من المنطقة التي ابتعدت عنها في العقدين الماضيين بعدما كان للجزائر مساهمة وحضور مهم في المسألة اللبنانية في السابق، وصولاً إلى اتفاق الطائف، سنلاحظ أنها أول زيارة رسمية لرئيس لبناني إلى الجزائر منذ ربع قرن تقريباً، خصوصاً مع عودة قوية ومهمة للدبلوماسية الجزائرية للاهتمام والتركيز على منطقة الشرق الأوسط والسعي للعب دور سياسي في صياغة حلول عربية"، مضيفاً أن "الجزائر يمكن أن تلعب دوراً يتجاوز البعد السياسي بالنسبة إلى لبنان، على مستوى ملف الطاقة، حيث يمكنها المساعدة في تمكين لبنان من حسن إدارة ثرواته واستغلالها، خصوصاً في مجال الغاز وفي مجال الكهرباء، بحيث يمكن مد لبنان بالخبرة الجزائرية في هذا المجال، ولبنان مدخل مهم بالنسبة إلى الجزائر إلى سورية التي تتطلع الجزائر إلى العمل فيها أيضاً في مجال الطاقة والكهرباء، وتتطلع إلى المشاركة في التكوين وتدريب الجيش اللبناني".