العدد 1651 /12-2-2025

اخيرا وبعد اقل من شهر على تكليف الرئيس نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة ، تم الإعلان عن تشكيل حكومة لبنانية جديدة مؤلفة من 24 وزيرا تمثلت فيها الكتل النيابية الكبيرة ، وغاب عنها تمثيل نواب السنة على اختلاف تكتلاتهم النيابية ، وبذلك يكون الرئيس نواف سلام قد اختزل بنفسه وبمن اختارهم من الوزراء السنة التمثيل السني في الحكومة الجديدة ، وهو ماعبر عنه عضو تكتل "الإعتدال الوطني" النائب وليد البعريني بالقول: "أداء رئيس الحكومة نواف سلام انتقائي، خضع فيه الأفرقاء معينين، واستقوى على نواب الطائفة السنية جميعًا مختزلًا الطائفة كلها بنفسه، وغيّب عكار عن التمثيل وهذا أمر مرفوض".

وبعيدا عن اعتراض نواب السنة في المجلس النيابي على اختلاف توجهاتهم السياسية على رئيس الحكومة نواف سلام يمكن القول إن الحكومة الجديدة مختلفة بالشكل والمضمون عن باقي الحكومات اللبنانية التي تشكلت بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14شباط 2005.

ففي الشكل كانت الحكومات اللبنانية المتعاقبة وخصوصا بعد اتفاق الدوحة في العام 2008، رهينة بيد الثنائي الشيعي الذي يملك الثلث المعطل او الثلث الضامن وغيرها من المسميات التي كانت بمثابة قنبلة ملغومة في مجلس الوزراء ، حيث أصبح رئيس الحكومة أسير المطالب وأهواء الثنائي الشيعي وحلفائه وخصوصا التيار الوطني الحر ، وكل اللبنانيين يتذكرون كيف تم الاعلان عن اقالة الرئيس سعد الحريري من قصر بعبدا عندما اتخذ الرئيس سعد الحريري قراره النهائي بناءً على "نصائح" أميركية بنسف مساعي السين -سين التي كانت تتضمن اتفاقاً متكاملاً من أبرز بنوده إلغاء بروتوكول التعاون مع المحكمة الدولية ، وجاء رد المعارضة على هذا الخيار باستقالة وزرائها الأحد عشر من الحكومة وبالتالي أدى ذلك إلى إسقاط الحكومة في اللحظة التي كان فيها الحريري "ضيفاً" على الرئيس الاميركي باراك اوباما في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011، فهو دخل إلى البيت الأبيض رئيساً للحكومة ، وخرج منه بعد ساعتين رئيساً سابقاً للحكومة اللبنانية .

هذا الأمر لم يعد موجودا في الحكومة الجديدة ، وهو متغير أساسي في عمل الحكومة الجديدة التي لم تعد تخضع للثلث المعطل ، وهو الذي كان سببا اساسيا في حالة الاهتراء السياسي في لبنان.

اما في المضمون فالرئيس المكلف نواف سلام صحيح أنه خالف وعوده بتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصات السياسية والطائفية والمذهبية ، وقبل بإستمرار وزارة المالية بيد ممثل الثنائي الشيعي ، وخضع لشروط حزبي الكتائب والقوات اللبنانية ، لكنه استطاع تشكيل حكومة جديدة تمثل الواقع السياسي الجديد في لبنان بعد المتغيرات الحاصلة على الصعيدين السياسي والأمني بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان اولا ، وبعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ثانيا وقيام سلطة جديدة في سوريا لها حسابات مختلفة كليا عن حسابات وتحالفات بشار الأسد ، وهو ماترك تأثيره المباشر على الوضع السياسي والأمني في لبنان.

واذا أردنا أن نتحدث بالتفصيل فالثنائي الشيعي الذي كان مهيمنا على الحكومات السابقة لم يعد له هذا النفوذ والسلطة في الحكومة الجديدة ، فهو لا يملك الثلث المعطل ولا يستطيع اسقاط الحكومة بغياب حلفائه عن التمثيل الوزاري ، وحزبي القوات اللبنانية الكتائب ممثلين بوزارات وازنة في الحكومة الجديدة مثل وزارات الخارجية والطاقة والاتصالات والعدل وهذا ما كان ليحدث لولا المتغيرات السياسية الكبيرة التي حدثت في لبنان وسوريا ، فضلا عن أن التمثيل الشيعي بخمسة وزراء لم يكن كما في السابق أيضا حيث كان رئيس الحكومة يتبلغ من الثنائي الشيعي اسماء الوزراء في قصر بعبدا بعد الاتفاق على الحكومة ، وفي الحكومة الجديدة جرى التفاوض مطولا على اسماء الوزراء الشيعة قبل الاتفاق عليهم اي ان رئيس الحكومة كان له رأي أساسي في اختيار الوزراء الشيعة ، مع العلم ان الوزير الشيعي الخامس فادي مكي كان مستشارا اقتصاديا سابقا للرئيس رفيق الحريري أي أن اختياره تم بالتوافق مع رئيس الحكومة نواف سلام.

وأما بالنسبة لوزارة المالية وما يثار حولها بالنسبة من قدرة على تعطيل قرارات مجلس الوزراء ، فهذا الأمر مرتبط بالوضع السياسي العام في لبنان حاليا الذي لا يسمح بمثل هذه التصرفات التي كانت تطبق في السابق ، وما صرحت به نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من قصر بعبدا يعكس الواقع السياسي الجديد في لبنان ، حيث أكدت أورتاغوس من القصر الرئاسي التزام بلادها "الصداقة والشراكة التي تربطنا بالحكومة الجديدة"، وأبدت تفاؤلها بقدرة أعضائها على "ضمان بدء القضاء على الفساد، وإنهاء نفوذ حزب الله ، والشروع في الإصلاحات" الملحّة من أجل تحقيق تعافي الاقتصاد المنهك بفعل أزمة اقتصادية مستمرة منذ خريف 2019 وتداعيات الحرب الأخيرة التي دمّرت أجزاء من البلاد.

واللافت في الأمر هو مسارعة الرئيس بري الى تسهيل تشكيل الحكومة بعد تصريح مورغان أورتاغوس الذي أعلنت فيه هزيمة حزب الله على يد العدو الاسرائيلي من قصر بعبدا ، وهو أبلغ دليل على تغير الوضع في لبنان.

والخلاصة يمكن القول الحكومة الجديدة رغم كل الملاحظات والتحفظات السياسية عليها تملك فرصة لإحداث تغيير إيجابي في الوضع اللبناني خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والأمني ، فهل تكون على قدر الآمال المتوقعة منها في التغيير والإصلاح ، أم تكون حكومة مثل كل الحكومات اللبنانية السابقة؟

بسام غنوم