العدد 1631 /25-9-2024
سعيد الحاج
مع الاستهدافات
"الإسرائيلية" المتكررة في الأيام الأخيرة ضد حزب الله ورد الأخير
بتوسيع مدى صواريخه في شمال فلسطين المحتلة، تكون المواجهة بين الجانبين فيما
يسميه الاحتلال "الجبهة الشمالية" قد دخلت في مرحلة جديدة مختلفة تماما،
ورفعت احتمال الحرب الموسعة بشكل غير مسبوق.
كان حزب الله
قد انخرط في معركة طوفان الأقصى ضمن ما أسماه "جبهة الإسناد" في اليوم
التالي مباشرة للمعركة، التي شكلت مفاجأة له كما الجميع. بسبب هذه المفاجأة
وبالتالي عدم الاستعداد المسبق لحرب من هذا النوع، ولتقييمه بأنها ستكون حربا
طويلة وليست مواجهة تصعيد مؤقتة، ولظروفه الداخلية المعروفة في لبنان، فقد حافظ
الحزب على مدى الأشهر السابقة على مستوى من الاشتباك تصاعد بشكل مستمر ومضطرد،
ولكن دون الوصول لحالة الحرب الشاملة.
أفادت التقارير
التي صدرت لاحقا بأن جيش الاحتلال فكّر في الأيام الأولى من الحرب في شن هجوم
استباقي كبير ضد حزب الله، لكن القيادة السياسية أجّلت الأمر في حينه من باب إعطاء
الأولوية للعدوان على قطاع غزة. كان ذلك مجرد تأجيل بخصوص التوقيت مع تأكيد
المبدأ، أي ضرورة توجيه ضربة كبيرة لحزب الله، ذلك أن دولة الاحتلال رأت بما
تواجهه معركة وجودية حقيقية ستؤثر على مستقبل وجودها وقوتها وهيبتها في المنطقة،
وأنه لا بد من نفي أي احتمال لتكرار سيناريو السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من غزة
أو من جنوب لبنان؛ حيث يتواجد حزب الله الأكثر عددا وعدة وتسليحا وتدريبا وقدرات.
تشير تقديرات
العديد من الخبراء إلى أن عدم موافقة الإدارة الأمريكية على توسيع الحرب باتجاه
لبنان، بما يعنيه ذلك من احتمال نشوب حرب إقليمية موسعة (تشمل إيران والولايات
المتحدة نفسها؟)، من أهم أسباب تأخيره حتى اللحظة، بيد أنه من المهم الإشارة إلى
أن الرفض الأمريكي ليس مبدئيا وإنما سياقي، أي أن واشنطن لا ترفض الحرب لبنان
بالمطلق وإنما لا تريدها الآن.
فالولايات
المتحدة متوافقة مع دولة الاحتلال على أهداف الحرب القائمة، بل صرّح مسؤولوها بأن
عملية الطوفان لم تكن ضربة للاحتلال وحده، وإنما للمشاريع الأمريكية في المنطقة من
مسار التطبيع وإدماج "إسرائيل" في المنطقة والتخفف من التواجد العسكري
فيها وغير ذلك. لكنها لم تُرِدْ في الشهور الأولى للحرب توسيعها نحو لبنان
"الآن"؛ والمقصود بـ "الآن" قبل الانتهاء من العمليات
العسكرية الكبيرة في غزة، وفي ظل انخراط حزب الله وتحفزه بما يقلل من مساحات
المباغتة، وقبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفي ظل سخونة التطورات في الحرب
الروسية- الأوكرانية.
ولذلك، ورغم
التحفظ الأمريكي المعلن على توسيع الحرب باتجاه الحزب، إلا أن ذلك لم يؤثر على
الدعم والتسليح والتواجد الأمريكي في المنطقة، بل والإعلان عن الاستعداد
"للدفاع عن إسرائيل" في حال نشوب حرب إقليمية. كما أن سلسلة الاعتداءات
"الإسرائيلية" على لبنان، التقنية منها واغتيال شخصيات مطلوبة أمريكيا،
تشير إلى يد أمريكية حاضرة في التخطيط وربما التنفيذ.
الآن، مع تراجع
وتيرة العمليات العسكرية للاحتلال في غزة، وبعد هجمات كبيرة على شمال الضفة
الغربية، يمارس الاحتلال على حزب لله ضغطا أقصى ضمن سياسة حافة الهاوية، لدفعه إما
إلى إيقاف جبهة الإسناد والتراجع إلى ما وراء الليطاني (لاتفاق أو بدونه)، وإما
لمواجهة عملية تصعيد غير مسبوقة. وفي هذا الإطار يمكن فهم تفجير أجهزة
"البيجر" ثم الأجهزة الأخرى ثم اغتيال عدة قيادات في مقدمتها أحد أكبر
قيادات الحزب، إبراهيم عقيل.
في جبهة حزب
الله ثمة تأكيد متكرر على أن جبهة الإسناد لن تتوقف إلا بتوقف العدوان على غزة،
وجاء الرد (جزء منه على الأقل) على استهداف الضاحية واغتيال القيادات بتوسيع مدى
صواريخ الحزب في شمال فلسطين المحتلة لتصل إلى عمق 60 كلم، وبما شمل مطار وقاعدة
رامات ديفيد ومرفأ حيفا. يعني ذلك أن ضغط الاحتلال لوقف الجبهة ذهب هباء، وأن
الاغتيالات لم تردع حزب الله، وأن ما أعلنه الاحتلال عن استهداف مئات منصات
الصواريخ لم ينجح في منع إطلاقها نحو شمال فلسطين المحتلة.
في المقابل، ما
زال نتنياهو يتحدث عن ضرورة إفهام حزب الله الرسالة "التي يبدو أنه لم يفهمها
بعد"، مهددا بالمزيد، إضافة لبقاء إعادة المستوطنين إلى مناطقهم في الشمال
ضمن أهداف الحرب كإلزام مستمر لحكومة الاحتلال. فإذا ما أضيف كل ذلك لرفض الاحتلال
التوصل لاتفاق ينهي العدوان على غزة، يمكن القول إن التصعيد بات حتميا بل هو مسار
قد بدأ وإن لم يطلق عليه حتى الآن مسمى "الحرب"، وباتت احتمالات الحرب
الموسعة ضد لبنان أكبر من أي وقت مضى على طول السنة الفائتة.
ومما يؤكد ذلك
حديث نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي أشار إلى استمرار جبهة
الإسناد بل وتوسعها (مما سيزيد النزوح في الشمال)، مؤكدا على دخول "مرحلة
جديدة عنوانها الحساب المفتوح". ورغم أن الحزب قد يحتاج بعض الوقت للتعامل مع
دلالات ونتائج الاستهدافات الأخيرة وعلاجها، أمنيا وعسكريا وإداريا، إلا أن
التصعيد عنوان المرحلة الحالية/ القادمة.
لقد تحدث
نتنياهو في بداية الحرب عن تغيير الشرق الأوسط، ثم كرر كلامه هذا قبل أيام قليلة،
ويبدو عازما على ذلك ضمن منطق الحرب الوجودية التي يخوضها الاحتلال. لكن الذي يغيب
فيما يبدو عن نتنياهو ومن معه وخلفه أن الشرق الأوسط قد تغير بالفعل في السابع من
تشرين الأول/ أكتوبر، وأن تفاعلات ذلك ما زالت قائمة وبعضها الآخر قادم.