العدد 1657 /26-3-2025
اتفاق سايكس بيكو، الذي وضع قبل
انهيار السلطنة العثمانية، كان الهدف منه اعادة رسم شكل دول المنطقة، بشكلٍ يؤسس
لعدم الاستقرار، وزرع الصراعات بين المكونات العرقية والاثنية والدينية والمذهبية،
في العالم العربي كما الاسلامي، كما الى عدم السماح بعودة حالة الوحدة العربية
والاسلامية تحت اي ظرف..ومهما كانت الاسباب.. وعقب توقيع هذا الاتفاق البريطاني-
الفرنسي، صدر وعد بلفور، بإقامة وطن قومي يهودي على ارض فلسطين، استكمالاً لمشروع
الشرذمة والتقسيم والاضعاف..وبالتالي الهيمنة..وبما يمنع التواصل بين شرق العالم
العربي، الاسيوي، مع غربه في شمال افريقيا..
حماية الكيان الصهيوني، على ارض
فلسطين كانت تتطلب زرع كيانات مماثلة تحيط به للدفاع عنه، وبحيث يكون هناك نماذج
كيانات طائفية مشابهة.. تؤدي الى مزيد من التفتت والشرذمة والانقسام..فاقترحت
فرنسا، تقسيم بلاد الشام، اي سوريا، الى عدة كيانات..
رابط المشروع الفرنسي للاطلاع
عليه.. مراسيم التقسيم (سوريا)..
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%8A%D9%85_(%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7)
فشل المشروع الفرنسي، لاكثر من
سبب، ولكن اهمها اندلاع الحرب العالمية الثانية، وسقوط فرنسا بيد الاحتلال
الالماني، وتفاقم الدور البريطاني في منطقة الشرق الاوسط على حساب الفرنسي..
عودة فتنة "تحالف
الاقليات" بدات مع وصول حافظ الاسد الى السلطة في سوريا باسم حزب البعث، حيث
باشر في ترسيخ هيمنة الاقلية العلوية على السلطة في سوريا، وتهميش الاكثرية،
وترهيب الاقليات الاخرى من سلطة الاكثرية الاسلامية حتى ترضخ لحكمه
وسيطرته..واستمر هذا الواقع مع سلطة ابنه بشار الاسد، الذي سقط عام 2024.. عقب
ثورة شعبية عارمة، وانتفاضة واسعة، دفع خلالها الشعب السوري اكثر من مليون شهيد،
وما يفوق العشرة ملايين نازح ولاجيء ومهجر..
نظام طهران وجد في احياء مشروع
تحالف الاقليات فرصة مناسبة وطريقة موضوعية، للتمدد والهيمنة والتوسع عبر العراق
وسوريا ولبنان وصولا الى شواطيء البحر المتوسط، تحت عنوان وشعار (محور المقاومة)
الذي هدفه المعلن محاربة اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية، وتحرير فلسطين،
ولكن مضمونه الحقيقي والهدف الفعلي منه، هو احياء مشروع ديني مذهبي، يستند الى
اثارة خوف الاقليات الدينية، وبالتالي استيعابها ضمن قوى هذا المحور الوهمي، لبسط
سيطرة ايران وادواتها المحلية..واستفادت ايران في اطلاق مشروعها مما سبق ان اسسه
نظام الاسد الاب، لخدمة هذا المشروع، وحاجة الاسد الابن، لدعمها ورعايتها وحمايتها
عقب الانتفاضة الشعبية في سوريا..
افكار كثيرة ومنتديات عديدة تم
الاعلان عنها تتحدث عن ضرورة حماية الاقليات من طغيان الاكثرية العربية
والاسلامية، وكلها كانت برعاية ايران وادواتها خاصة في لبنان، وتم استنباط واختلاق
مفردات ومصطلحات تنسب التطرف والتكفير والتشدد الى كل من يعارض نظام الاسد، او
يرفض الانتساب الى محور طهران.. وكذلك تم اتهام كل مرجعية دينية او سياسية مهما
كان دينها او مذهبها او عرقها، بالعمالة او الانخراط في المشروع الاميركي-
الصهيوني، ضد ايران، في حال عدم قبولها بالدور الايراني..والسيطرة الايرانية
الدينية على دول المنطقة..فتم التركيز على احياء المشروع الفرنسي الذي سقط مع
نهاية مرحلة الانتداب، ولطن بنسخة جديدة، واعلن بشار الاسد، برعاية ايرانية عن
ضرورة تأسيس دولة (سوريا المفيدة)..مع ما تحمله هذه العبارة وهذا المصطلح من فكر
تقسيمي يؤدي الى تفتيت سوريا ودول المنطقة.. الزعيم وليد جنبلاط من موقعه العروبي
والوطني والاسلامي، رفض الانخراط في هذا المشروع فتعرض لحملة سياسية عنيفة من رموز
تمت صناعتها من قبل ايران في لبنان..وما جرى من عدوان في 7 آيار من عام 2008، على
المواطنين اللبنانيين، من قبل حزب الله، كان مؤشرا بالغ الخطورة على تقدم هذا
المشروع الذي يزيد من الانقسام العامودي بين اللبنانيين وشعوب المنطقة..
الى ان جاءت هزيمة بشار الاسد،
وخروجه من سوريا، وانكفاء ايران، عن الساحة السورية وتراجع دورها ودور حلفائها في
لبنان، مما اوقف هذا المشروع، ولكن ليس الى درجة القضاء عليه.. اذ استفادت دولة
اسرائيل، من الدعم الاميركي، ومن اطلاق يدها في المنطقة، بحماية اميركية، وانطلقت
في احياء مشروع تحالف الاقليات واقامة كيانات ضعيفة وهشة بحاجة لحماية ورعاية في
سوريا، في استعادة لعناوين المشروع الفرنسي الذي تمت الاشارة اليه..الذي يغطي
يهودية الكيان الصهيوني، باقامة كيانات دينية ومذهبية في المنطقة، والدور
الاسرائيلي سوف يكون بارزاً وضرورياً لحماية هذه الاقليات من اي رد فعلٍ من محيطها
الاسلامي.. مما يجعل الصراعات سواء كانت عسكرية او سياسية واقتصادية، بين هذه
الكيانات ومحيطها، في حين تنأى اسرائيل عن المواجهة المباشرة.. وهذا ما اكده
نتنياهو في تصريحه الذي قال فيه..(سوف نرسم خارطة الشرق الاوسط من جديد)..وهذا
الواقع الجديد في حال نجاحه سوف يكون في خدمة اسرائيل وليس شعوب المنطقة..!!
لذا نرى اسرائيل اليوم تحاول
استدراج المكون الدرزي في سوريا للانفصال والالتحاق باسرائيل شكلاً، من حيث تأمين
الحماية والاستفادة من اليد العاملة الدرزية.. وكذلك تشجيع العلويين على الانفصال
وهذا ما اشارت اليه ايران اكثر من مرة وعلى لسان اكثر من مسؤول رفيع المستوى..مما
يحرم الدولة السورية الجديدة من منفذ بحري على شاطيء المتوسط ومن ثروات البحر
المتوسط النفطية..
وكذلك اشارت اسرائيل مراراً الى
المكون الكردي، في محاولة لاستمالته، ودفعه لاتخاذ خطوات تقسيمية، ولكن التفاهم
بين قيادة (قسد) والادارة السورية الجديدة.. احبطت هذه الرغبة الاسرائيلية..
إن التحذير الذي اطلقه الزعيم وليد
جنبلاط كانت له دلالات واضحة بضرورة عدم الانجراف خلف الاغراءات الاسرائيلية،
والخضوع للطموحات السياسية التي يحملها البعض سواء في لبنان او في سوريا من قادة
هذه الاقليات..
الحل يكمن في ترسيخ اسس المواطنة
والانتماء الى الامة الجامعة التي تحتضن كافة ابنائها بعيداً عن الانتماءات
الطائفية والمذهبية والعرقية.. وزرع المفاهيم الديموقراطية بين المواطنين.. والتحذير
من المخططات الاسرائيلية التي تقوم على استغلال الآخرين لحماية مشروعها التسلطي
والعدواني والاجرامي.. وما نشهده في فلسطين المحتلة من قتلٍ وتدمير وعدوانٍ لا
يمكن ان نتجاهله او ننساه..
حسان القطب