العدد 1619 /3-7-2024
كشفت القراءة في الأرقام والبيانات الصادرة عن
مؤسسات وهيئات دولية، عن أن الأحد عشر عاماً الماضية، منذ الانقلاب العسكري في
الثالث من يوليو/تموز 2013 شهدت تراجعاً كبيراً على مستويات عدة في مصر، منها ما
هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي وحقوقي. وتراجع ترتيب القاهرة في
مؤشر الديمقراطية بشكل عام، وفي حرية الصحافة على وجه الخصوص، كما كانت السنوات
الماضية منذ انقلاب 3 يوليو في مصر وحتى اليوم، الأسوأ في سجل حقوق الإنسان ووضع
المعتقلين السياسيين، إذ احتلت مصر المرتبة 136 من أصل 142 دولة في التصنيف الدولي
لدولة القانون وفق مركز وورلد جاستس بروجكت، لعام 2023.
وبعد سنوات على يوم 3 يوليو في مصر جاءت البلاد في
المرتبة الـ127 مصر، في قائمة الأنظمة الاستبدادية، وحصلت على تقييم 2.93 درجة، في
مؤشر الديمقراطية للعام 2023، الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مجموعة
إيكونوميست البريطانية. وتجمع "إيكونوميست" البيانات بشكل سنوي، لتحديد
مستويات الديمقراطية حول العالم، في ما يسمى "مؤشّر الديمقراطية
العالمي"، إذ يعتمد هذا المؤشر على مقياس من 0 إلى 10 لتقييم جميع دول العالم
سنوياً. كما يعتمد على العملية الانتخابية والتعددية، وأداء الحكومة والمشاركة
السياسية، إلى جانب الثقافة السياسية الديمقراطية والحريات المدنية، ليصنف الدول
بناء على الدرجات إلى: ديمقراطيات كاملة وديمقراطيات منقوصة وأنظمة هجينة وأنظمة استبدادية.
أما في مجال حقوق الإنسان، لا سيما بعد 3 يوليو في
مصر وما تبعه، فوصفت إيف غيدي، مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية التابع لمنظمة العفو
الدولية، الحاصل في مصر بـ"الانتهاكات الجسيمة المستمرة لحقوق الإنسان في
البلاد". وأوضحت، في مارس/ آذار الماضي، أنه "لا يزال الصحافيون
والمدافعون عن حقوق الإنسان يواجهون الاعتقالات والرقابة وحظر السفر وتجميد
الأصول، وغيرها من تدابير المضايقة، وسط حملة قمع لا هوادة فيها ضد جميع أشكال
المعارضة".
وفي سياق الأوضاع بعد 3 يوليو في مصر قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير صدر بديسمبر/كانون
الأول 2023، إن الحكومة المصرية "واصلت احتجاز المنتقدين والناشطين السلميين
ومعاقبتهم بشكل ممنهج، وفعلياً تجريم المعارضة السلمية، ومساواتها بالإرهاب
غالباً". وأضافت أن السلطات
"اعتقلت وحاكمت عشرات المتظاهرين والناشطين المشاركين في تظاهرات التضامن مع
فلسطين في أكتوبر/تشرين الأول (الماضي)، وكذلك في احتجاجات أخرى، مع اقتراب موعد
الانتخابات الرئاسية (حينها) في ديسمبر الماضي".
وفي السياق، قال مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق
الإنسان، بهي الدين حسن، لـ"العربي الجديد": "لم يصل الوضع الحقوقي
في مصر إلى هذا الحضيض من قبل، ليس فقط بسبب شراسة قمع الأجهزة الأمنية، ولكن
أيضاً بسبب الدمار الذي أصاب المؤسسة
القضائية بحيث صارت شريكاً في القمع واغتيال الضمانات القانونية للضحايا، سواء
كانوا ينتمون لأطراف سياسية، أو لا يتبنون عقيدة سياسية محددة".
وفي مجال حرية الصحافة، أصدرت منظمة مراسلون بلا
حدود، في الرابع من مايو/أيار الماضي، تقريرها السنوي حول حرية الصحافة، والذي
أشار إلى تراجع مصر أربعة مراكز على مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة خلال
العام الحالي، محتلة المركز 170 من أصل 180 دولة شملها التصنيف، مقارنة بالمركز 166
خلال العام الماضي. وصنّفت نسخة 2024 للمنظمة من التصنيف العالمي لحرية الصحافة،
والذي يشمل 180 دولة ومنطقة سنوياً، 36 دولة ضمن فئة "خطير جداً"،
و"صعب" في 49 دولة، و"إشكالي" في 50 دولة، و"جيد"
أو "جيد نوعاً ما" في 45 دولة.
ووفقاً لآخر تقرير لمؤشر حرية الإنسان وفقاً لمعهد
كاتو (CATO Institute)
ومعهد فريزر، فإن البلدان الخمسة الأدنى بالترتيب التنازلي هي مصر وإيران وفنزويلا
واليمن وسورية.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي تراجع الترتيب
المصري في عدة مجالات إذ ذكر صندوق النقد الدولي، أنه في قائمة أكثر الدول اقتراضاً
من الصندوق، جاءت مصر في المركز الثاني بعد الأرجنتين. كما تراجع تصنيف مصر دولياً
في جودة التعليم قبل الجامعي، وبحسب بيانات للأمم المتحدة، في عام 2019، فقد احتلت
مصر المرتبة الــ18 من بين الدول الـ20 الأسوأ أداء في مجال الصحة، وعزا المؤشر
احتلال مصر لهذا المركز المتأخر إلى "قلة الإنفاق الحكومي على الرعاية
الصحية".
ذكرى 3 يوليو في مصر
لم تمر أشهر قليلة على قول الرئيس المصري الراحل
محمد مرسي، يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 إبان عدوان إسرائيلي على قطاع غزة،
إن "مصر لن تترك غزة وحدها"، محذراً "المعتدين بأنه لن يكون لهم
أبداً سلطان على أهل غزة"، حتى واجه أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، السجن
والمحاكمة بتهمة التخابر مع حركة حماس. وإذا ما قورن الموقف الرسمي المصري من
العدوان على القطاع في عام 2012، مع الموقف من الحرب التي سبقته في 2007، والتي
تلته في 2021 و2023، يمكن رصد متغيرات كثيرة أبرزها زيارة وفد برئاسة رئيس الحكومة
المصرية آنذاك هشام قنديل، إلى القطاع وإعلان مصر الواضح على لسان رئيسها بأنها لن
تسمح بالعدوان على غزة ولن تتركها وحيدة.
أما ما تلى ذلك وبعد يوم 3 يوليو في مصر فبدا كأنه
عقوبة على موقف مرسي الداعم لغزة، إذ سجن ومنع عنه العلاج والزيارة حتى وفاته في
17 يونيو/ حزيران 2019، أثناء حضوره جلسة محاكمته في قضية التخابر.
في مقابل ذلك، عزت تصريحات رسمية مصرية، الأزمة في
البلاد، إلى عوامل خارجية، في مقدمتها الحرب على قطاع غزة، إذ أشار الرئيس المصري
عبد الفتاح السيسي، غير مرة، إلى أن هذه الحرب "ستلتهم أي أمل لشعوب المنطقة
فى سلام وحياة مستقرة آمنة". كما صرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، خلال
المنتدى الاقتصادي العالمي في السعودية، نهاية إبريل/نيسان الماضي، أن تداعيات
الحرب على غزة "أصبحت بمثابة كابوس"، مضيفاً أن "مصر منذ اليوم
الأول أعلنت دعمها للفلسطينيين، وأستطيع أن أقول بدون مبالغة إن أكثر من 85% من
جميع المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى قطاع غزة، تم حشدها من قبل الحكومة
المصرية والمجتمع المدني المصري، بالإضافة إلى استقبال العديد من الإصابات
الحرجة".
ولفت إلى أنه "في ما يتعلق بالتكلفة المباشرة
وغير المباشرة على مصر، سأعطي فقط رقماً عاماً حول أعداد الضيوف الأجانب في مصر
-ونحن لا نسميهم لاجئين بل ضيوفنا- فمصر اليوم تستضيف ما يزيد على تسعة ملايين شخص
من دول الإقليم وأفريقيا بسبب ظروف عدم الاستقرار في هذه البلدان". وقال إن
"التكلفة المباشرة لاستقبال هذا العدد أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً وهي
قيمة تتحملها الدولة المصرية على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تجابهها".
لا علاقة لأزمة مصر بحرب غزة
وفي هذا الصدد رأت أستاذة ورئيسة قسم الصحافة
السابقة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، عواطف عبد الرحمن، أن "الأزمة لا
علاقة لها بالحرب بشكل مباشر". وأضافت في حديث لـ"العربي الجديد"،
أنه "للأسف الوضع الداخلي يزداد تدهوراً،ليس بسبب تداعيات أحداث طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين
الأول 2023، ولكن لأسباب أخرى كثيرة تتعلق بغياب الرؤية الوطنية".
وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين المصريين الأثر
السلبي للحرب في القطاع، على الوضع الداخلي المصري، وتأكيد أن حل القضية
الفلسطينية على أساس المقررات الدولية ذات الصلة، والقائمة على إنشاء دولة
فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، إلا أن الحكومة المصرية
الحالية، لم تتخذ حتى الآن أية خطوات ملموسة من أجل وقف تلك الحرب. كما أن أياً من
الحكومات المصرية التي تشكلت منذ انقلاب 3 يوليو في مصر عام 2013، لم تحقق أي شيء
إيجابي بشأن القضية الفلسطينية بشكل عام.
وفي السياق ذلك اعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي
المصري، سعيد صادق، أن القضية الفلسطينية "تراجعت في مصر والعالم العربي، قبل
ثورات الربيع العربي". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه
"مع ارتفاع كلفة الحروب، أصبحت حرب أكتوبر 1973، كما قال الرئيس المصري
الراحل محمد أنور السادات، آخر الحروب بين مصر وإسرائيل". وأضاف أنه
"منذ حرب 1948، التي شاركت فيها سبعة جيوش عربية، وحرب 1967 التي شاركت فيها
ثلاثة جيوش عربية، وحرب 1973 بمشاركة جيشين عربيين فقط، فإنه بصورة رئيسية تراجع
الاهتمام بالمشاركة العسكرية للجيوش النظامية العربية، ولم يحارب إسرائيل سوى
المليشيات، كحزب الله اللبناني، وحركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد
وغيرها".
وقال إن "الشعوب العربية غرقت في مشاكلها
الآنية ولم تعط القضية الفلسطينية الاهتمام القديم نفسه، مع ازدياد انهيار الدول
العربية الفاشلة مثل سورية واليمن وليبيا والسودان والعراق". وأوضح أنه
"لهذا لم يعد الاهتمام بالقضية كما كان في 1948 أو أيام الحقبة الناصرية،
فطلاب الجامعات ووسائل الإعلام، لهم اهتمامات أخرى، فيما بشأن القضية الفلسطينية
فإن الاهتمام الشعبي يصعد وينخفض حسب الأحوال والحدث". ولكن هذا لا يعني، وفق
صادق، عدم دعمها شعبياً "بدليل حملات المقاطعة للمنتجات التي تدعم إسرائيل،
لكنه ليس دعماً عسكرياً أو تطوعاً للقتال ضد إسرائيل". وأشار إلى أن
"أحداث بعض الجنود المنفردة، لا تعكس أي تحول شعبي، لكنها مع ذلك تعد دعماً
معنوياً واجتماعياً، لا دعماً عسكرياً أو اقتصادياً".